Saturday 21st August,200411650العددالسبت 5 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الصحوة.. إلى أين تأخذنا..؟! الصحوة.. إلى أين تأخذنا..؟!
عبدالكريم بن علي النقيدان

كل كلمة تُرجعُ إلى مصدرها ومشربها، وهذا دأب العالِمين والمفكرين، فيعرفون من أي غرس نبتت ومن أي جذع تفرعت، فالعودة إلى الأصل تكشف مكانين عديدة، وتختصر الفهم للمصطلحات الكثيرة.
فكلمة الصحوة هي: مِن صحا - يصحو.. أي أفاق من غفلة غوراء أصابته، أو سبات عميق أخذه.
هي كلمة مؤثرة بالغة التأثير، تتقاذفها الألسن حيناً، بين ناقدٍ، ولائمٍ، ومؤيدٍ، ولا أدري ما تقول البواطن عنها.
الصحوة بناء رسخت فيه قواعد هذه البلاد، حين تعاضد الإمامان محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود، على أن يجعلوا من هذه الكلمة قول الفاعلين، وتوحيداً لرب العالمين..
الصحوة قد أصحت عقولاً وفكراً، وأيقظت همماً ونفوساً، فبسبيلها ارتسخت العقيدة من جذورها، ونبذت المفاسد وشِراكها من قيعانها، ومجَّت الدَّخِيِل من الشوائب وأتباعها، وحملت ألوية أضاءت فيها بحار الخليج والمحيط، وأقبية الضلال وسويداء القلوب، وروضت من بساتين الجنان بيادي وقفار.
فههنا، في الجزيرة العربية دولة إسلامية ولدت من رحم هذه الصحوة، ولا زالت قويةً فتية، يُبثُّ فيها روح الإسلام، وترفع أعلام الفضيلة، وصفاء النفوس، والآداب الحميدة، كل ذلك من ينبوع الصحوة، ومن أنهارها المجرارة، فهي حينئذٍ إيقاظ للفطرة، أي تعديل للاعوجاج.
***
أقول تقاذفت ألسنٌ كثيرة هذه الكلمة، فمنهم من جعلها لقمة يلوكها بين أضراسه، فيلفظها ههنا وههنا في المجالس والوسائل، كأنها كلمة انتهت صلاحيتها كما يقولون، أو انتهى زمنها، إن كذلك فقد انتهى الدين! وانتهى صدقهُ وفعلهُ وتأثيرهُ في النفوس، والعقول والأخلاق والآداب، إذا انتهى هذا كله فقد انتهت هذه الصحوة، ومِن شَين قولهم عنها ونقدهم لها، أنهم يربطون تخلف العقل، وتقييد الحريات بالتزمت والتشدد من أهل الصحوة، وأن عقولهم متحجرة، لا تقبل النقاش ولا الملاينة، ولكن على المنتقد أن يعلم أن بعض من حسبوا على أهل الصحوة، إن كانوا خرجوا بآراء وآثروها على رأي القرآن وكلام المصطفى - عليه الصلاة والسلام - فإنهم خرجوا عن الجادة، ونحن لسنا معهم، ولا نقول بقولهم، ما دام بين أيدينا كتاب الله وسنته المطهرة.
وإن الفطن لا يصدر على نفر من الناس حُكماً على مبدأ جماعة، حتى ولو كان عالماً، بمعنى: إن خرج قلة من الناس يخالفون رأي الجميع والمجتمع بعامتهم وخاصتهم، وجاهلهم وعالمهم من أهل الصحوة، شمل حكم الفرد حكم الجميع فهذا إجحاف في الحكم، وميل إلى الخطأ، فكثير مِن مَن ردئتْ نفوسهم، أصدروا وأقروا على الصحوة بالهلاك والجمود والتخلف العصري، ومثال ذلك حين تراجع المتراجعون عن فتواهم بشأن الخراب والإفساد في الديار، وتابوا وأنابوا إلى ربهم، وتيّب عليهم من ولاة الأمر، فما كان من نقاد الصحوة والمتربصين بها، إلا أن قالوا: هذا نتاج الصحوة وهذا فكرهم المريض الخرَّاب، قادهم إلى أن أفتوا وهذا مصيرهم، وهذا... وهذا...
أما آن أن يعلموا أن التوبة تجبُّ ما قبلها، وأن على العاقل أن يحمد لتوبة أخيه ورجوعه إلى الصراط والصواب خيراً.
إن الصحوة الحق هو ما فعلوه حين تراجعوا وتابوا وأنابوا، ولولا الصحوة الحق لما تيقظوا من سباتهم.
فكم من عالم ذَكر لنا التأريخ عن رجوعهم وتوبتهم عن فُتية قد تبين لهم ضلالها، أو عمل ظهر بطلانه، فمنهم من أحرق كتبه ومنهم من ألقاها في النهر كما أخبر بذلك الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - وغيره.
أما الناقد الموضوعي - كما يسميه أهل الأدب - فإنه لا يعترض على مبدأ الصحوة ولا يمسها بسوء، لأنها ليست مذهباً يتعبد به، ولا دينا مبتكراً يقدس، وإنما هي صحوة ويقظة إلى دين الله وإلى كتابه وسنة رسوله، فهذا الناقد يُشمل في نقده أفعال بعض العباد وحيفهم، ويعمم فعل فئة جهلت بعامة أهل الصحوة. فللبشر خِلَّة فاتكة بهم، وهي الزلل والخطأ، فقد رفع الله عنهم العصمة، وأقر لهم الخطيئة، فالخطأ وارد حتمي على كل أجوف، عاقلاً كان أم مجنوناً، صغيراً كان أم كبيراً، جاهلاً كان أم عالماً، حاكماً كان أم محكوماً، وخيرهم المبادر والمعجل بالتوبة.
هذه فكرة الناقد الحذق الفطن، الذي ينظر بكلتا عينيه فيرى الفرد من أهل الصحوة صحيحاً مستقيماً ما لم تتغير مفاهيمه، أو تتبدل أحواله، بذلك يكون اللوم عليه لا على الصحوة ذاتها.
والغريب أن نقرأ ونسمع من كلامهم نقداً لاذعاً، وتهكماً ساخراً على الصحوة، ثم ينسبون أنفسهم إليها، ويقولون: نحن الممثلين المتمثلين بالصحوة، الصحوة الحديثة التي تسير مع العصور، ولا يوقفها تيار أو ريح، نخاطب الشعوب بما يفهمون، ونعاملهم بما يريدون!
ظانين أنها لا تدرك مقاصدهم وغايتهم وأهواؤهم.
وأذكر جملة حديث سمعته من سمو الأمير عبدالله بن عبد العزيز، إذ قال فيما معناها: نحن مع كل حديث وكل تطور وعولمة ما لم يخالف عقيدتنا وديننا، وهي كلمة حق وأصل من أصول الدين، قالها فجعلت كلمة أعداء الدين والمتربصين منهم هي السفلى، وكلمة الله هي العليا، أغرست بأرض فلاة، وأنبتت من كل بهيج، لأنه قالها من مبدأ الصحوة، ومبدأ آبائه وأجداده.
***
إن النقد والتَّلحُّظ، أمر ليس بالمعيب على المتلحِّظ ولا على الملاحظ، لأن المرء ليس بينه وبين الصواب إلفة ولا مودة ممتدة طويلة، لا يقطعها إلا الموت، بل على كل عاقل أن يدرك أنه إلى الخطأ أقرب منه إلى الصواب، بهذا تستقيم الأعمال، ويبدأ المرء بنقد نفسه قبل أن يأتي غيره، ويستخرج عيوبه ومثالبه ربما لو تنبه لها هو لأعدل انحرافها وزيغها، قبل أن يقع بها غيره، فتكون بلاءً عليه، واستصغاراً له.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved