Monday 9th August,200411638العددالأثنين 23 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

الشخصية سريعة الذوبان الشخصية سريعة الذوبان
عبدالسلام سليمان العامر

ثمة حكم سابق نطلقه في غالب الأحيان على أشخاص معينين وخاصة لمن نراهم لأول مرة، وقد يكون هذا الحكم مجحفاً بحقهم أو منقصاً لذواتهم وشخصياتهم وقد يصل حد التطرف، وقد يكون حكماً إيجابياً يضع هذا الشخص أو هذه المجموعة في مكانة عالية وشامخة، وعلى هذين الحكمين المتسرعين والخاطئين وما ينتج عنه من فشل سابق إنما هو نتيجة عدم معايشة ذلك الواقع، وغالباً التعجل في الحكم السابق يصيب الشخص بالإحباط وقد يكون آنياً للذات بأنها أعطت حكماً متسرعاً على هذا الشخص أو تلك المجموعة.
يذكر لي صديق تجربة حدثت له - ما أكثر التجارب التي نمر بها دوما - أنه قد رأى شخصا لأول مرة وحكم عليه منذ الوهلة الأولى وأصدر حكما مجحفاً حتى انه أصبح يكره هذا الشخص، وتدور عجلة الزمن ويتعرف عليه أكثر ويغوص في أعماقه وتثبت له الأيام نقيض حكمه السابق حتى اصبح صديقاً مقرباً له وأخاً عزيزاً على قلبه، ويواصل كلامه ويقول: إنه ندم أشد الندم على أنه أصدر ذلك الحكم على هذا الشخص وبعد تلك التجربة أصبح لدي مبدأ هو التأني في إصدار الأحكام المسبقة، فكانت تلك واحدة من دروس الحياة التي تعلمتها.
أيضاً يذكر لي صديق آخر أنه قد تعلق بشخص لم يعرفه بعد حتى انه أصدر حكما بطيبة وروعة أخلاق هذا الشخص وبعد فترة اكتشف خطأه في الحكم السابق حينما انكشف ذلك القناع عن تلك الشخصية المغلفة بقالب من القبول الحسن وإذا هي كما الممثل الذي يؤدي دوراً على خشبة المسرح تنتهي شخصيته حين انتهاء دوره فيعود لشخصيته الحقيقية، أي أصبحت تلك الشخصية من نوع الأكشن سريعة الذوبان حين يلتف حولها الآخرون ويعرونها ويفهمونها.
وتبدو التصرفات الفردية السلبية منطلقاً للحكم على مجموعة أكبر بل تصل إلى أمة برمتها وهذا ما يحدث لنا نحن السعوديين حينما نكون خارج الوطن حين تخدش تلك التصرفات صورتنا الزاهية وهي تصرفات صبيانية متهورة غير مسؤولة وبالتالي يطلق هذا الحكم على مجتمعنا وهذه رؤية واتجاه قاصر، فالكل ليس جزءا ولكنه أجزاء مترابطة فإذا كان في تلك المنظومة جزء معطوب فليس معنى ذلك أن الكل مريض، من هنا نجد أن فهم الشخصية والحكم عليها إنما يحتاج وقتاً طويلاً حتى نعي أبعاد هذه الشخصية وكينونتها بالتالي يكون الحكم وفق تجربة حقيقية وليس نظرة عابرة فيها كثير من الزيف والخداع والحكم الجائر.
في اعتقادي إننا نحن العرب سريعو الغضب والرضا في آنٍ معاً، وقد نندب حظنا أزمنة عديدة نتيجة سوء تقدير مواقف وإصدار أحكام مسبقة فيها كثير من المبالغات الإيجابية أو السلبية لأشخاص أو لفئة معينة، وهذا استشراف سلبي للمستقبل، فقراءة وفهم الشخصية أمر مهم حتى يتم التعامل معها وفق واقعها الحقيقي حتى لا ننزلق في منعرجات تقودنا إلى هاوية لا نعرف مصيرنا وتلك الأحكام المسبقة هي التي جعلت منا محبطين تجاه الآخرين حتى فقدنا الأمل بوجود أصدقاء أوفياء بل بدأنا في التفنن في الأمثال والحكم عن الأصدقاء (الأصدقاء عملة نادرة) والصداقة (كنز مفقود) .


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved