(الحيادية) أثبتت فشلها الذريع هذه الأيام من واقع تجارب فردية وجماعية، فلم يعد المحايد دائماً على خط الحياد أو في تلك المنطقة الرمادية، إنما أضحى محاصراً بين تحولات جديدة لا تقبل هذا المشروع، فالحياد ورغم رصانته وتعقله لم يعد موجوداً لأن ما حوله ارتدى بكل صراحة ملابس الوقاحة، لتراه وقد أصبح مثالاً مفصلاً لتلك الحكمة التي نعق بها أحدهم (من لا يكون معي فهو ضدي).
هناك من ينادي وبوضوح أنه لا خير في حياد أو تعقل في ظل حكمة ظالمة ومؤذية تعكس وجه الغرب البغيض الذي لا يعرف من العالم إلا أنه عدو لحريته المصطنعة ومجده الزائف.
قلعة الحياد لم تعد قوية ومحصنة ليداري المحايد فيها ذاته حينما يريد تجنب منزلقات (معي) و (ضدي) التي تتكشف بشكل موحش وبغيض لا يزيد إلا عمق التغريب والتنائي، فالقلعة هنا يجب أن تكون مبنية بأسمنت وحجارة الصدق والموضوعية والمساواة في التعامل، لأنها مطلب إنساني يجب أن يحترم.
وقد يأخذك أمر الحياد إلى عالم يجاوره دائماً هو الانزواء الذي سيجعلك تتنصل من كل أمر بحجة أنك حيادي، لتتلاشى منظومة القيم المسيرة لشؤون الحياة بيننا.. تلك العلاقات التي لا تتطلب هذه الوقاحة الصريحة أو الصراحة الوقحة.
قد لا تقوم للمحايد بعد هذا التحول أية قائمة.. فوحدها المحاولات الأخيرة هي التي يستطيع أن يتجرع فيها طعم الهزيمة المرة.. تلك التي يعدها الأعداء والخصوم وهو خلف أسوار قلعته المبنية من ورق الحياد الموشى بوسطيته المرة.
|