|
انت في
|
| |||
في غمرة الأحداث اطرحوا عني أصوات الشاجبين والمستنكرين، ولاتثقلوا مسامعنا بحناجر الشانئين والشامتين للقتلة المفسدين، وإن لم تستطيعوا الإعراض عن بعض هذا أو كله بدافع الغيرة، فاتركوها لعامة الناس دون خاصتهم. أمّا أنتم أيّها الخاصة، أمّا أنتم أيّها الصفوة، يامن تديرون رحى المعركة باللسان والسنان فلاتقفوا عندها منكرين أو متباكين، بل اجعلوا من هذه العواطف الثائرة نحو وطنكم مقدمات وإرهاصات لما ستعملون وترسمون، واتخذوا من إيقاعات ردود الأفعال حيالها عبرة وعظة لما ستقولون وتتخذون، حتى لايصبحُ الواحد منكم إنساناً فاقد الحس، مقبور النفس، في جسد يدّعي الحياة.
أبناءنا، وإن تبرأت الألسنة من أفعالهم الطائشة، وسفّهت سلوكهم المشين، فلن تتبرأ منهم وإن عقّوا وتنكروا - كل الجوارح، ولن يلفظهم الوطن كما تتخيلون، أو يتخلى عنهم ساعة، وكيف لايكون ذلك، وقد ربطتهم به أكثر من وشيجة، سواء أبدينا ذلك، أم أخفيناه.تأملوا ذلك، وستجدون صدق حديثي جليّاً في ثنايا الشجب والاستنكار،والإدانة والبراءة. تأملوه في صوت القادة المخلصين، وتدبروه في دعوة العلماء الربانيين، واستشفوه من أصوات المثقفين النابهين، بل والمسوه من غيرهم ممن يمتلك زمام الرأي والمشورة وبعد الرؤية. صوت الوطن ممثلاً بأبنائه المخلصين يعلو حيناً، ويخبو حيناً آخر، يعلو حقداً وكراهيةً على المارقين، حين يستسلم الإنسان للعواطف الوقتية، أو المواقف والمشاهد اليومية، ويخبو حين يستسلم لسلطان العقل، ويبدأ التفكير للأصوات العملية الناجعة، لا الإعلامية سوى ماجاء منها معالجاً للموقف وداحضاً اللشبهه، برويّة واتزان، وحكمة واعتدال. هذا الوطن - رغم رحابته - لن يكون مرتعاً خصباً، ولامكاناً آمناً، ولا ملاذاً مُطمئناً للخلايا أو المنظمات الخارجة على النظام والسلطة، إذ لاجماعات دينية تؤازرهم في هذه البلاد، ولا أحزاب سياسية تناصرهم. أمّا الانتماءات الثانوية، فرغم ثقلها في ميزان السياسي، الا أنها تذوب أمام المصالح العليا للمجتمع، وتتلاشى أمام باب الولاء،وسلطة الشرع، وعدالة القضاء، ونزاهة الأحكام. إن ظروف الوطن في هذه الأيام أشدّ منها في كل زمن مضى، وإن براعة القيادة، وشدة البأس قد لاتكفيان في كشف الغمة وإزالة الكربة. والعمل من أجل الدين والوطن والمجتمع لايُنال إلا بمقدمات يخطها المفكر والمثقف بمداده، قبل أن يخط الجندي كتابها بدمه. يخطئ من يظن أنّ الوطن يخوض معركة ضد ظاهرة من الظواهر السهل اجتثاثها والقضاء عليها في زمن قصير، بل ضد معركة فاصلة، وقضية شرسة، تدار رحاها من بعد، وامتدّ التخطيط لها منذ زمن ليس بالقصير، وعلى أكثر من محور وصعيد، على حين غفلة منا أو حسن ظن، لا كما يعتقد البعض أو يتخيله بحداثة النشأة وسطحيتها. والدولة ليست هي المسؤولة وحدها عن خوض المعركة، بل عليها القيادة، وعلينا الامتثال. وما أجمل أن نستدعي في هذا السياق قول الشاعر:
ومع هذا، فأكثر ما يثير القلق، ويبعث الأسى والأسف في النفوس أن تبدو لنا نبرة الدفاع عن الوطن وحسب، وتترك نبرة الهجوم لغيرنا، في مظهر من مظاهر الانهزام أمام العدو، فالكل يستطيع أن يدافع وينافح، العاقل وغير العاقل، والمكلف وسواه،إن هو غُزي في عقر داره، والموقف الاجتماعي في هذه الأيام شاهدي على ذلك. ونحن لنا في هذه البلاد رسالة سلمية، أمانة في أعناقنا يجب أن نصدرها، وتبلغ مداها في الخارج قبل الداخل، وللعدو قبل الصديق. رسالة دينية، وإنسانية، وثقافية، واجتماعية، واقتصادية عهدت إلينا، والاقتصار في تصديرها على واحدة دون الأخرى مضرٌّ بنا وبها، ولن يكتب لهذه أو تلك الثبات والاستقرارإذا انفردت، فلا ندعُ الآخرين يأخذون ما يقيمون به أود حضارتهم، ويتأسدون به علينا، ويتركون لنا مايعتقدون أنه فضول، ونراه خلاف ذلك بمقياس الحضارات الإنسانية، فالسلعة واحدة لا تقبل التجزئة، والمساومة على تصدير تلك الثروات جميعاً، لا على بعضها. والخطأ كل الخطأ ألا نحافظ على منابع هذه الأرض المباركة، أو نترك من لايريد بنا، ولا بالإنسانية، أو العالم الحرّ خيراً أن يسعى إلى التجفيف، أو أن يكون سبباً في ذلك، حتى وإن تمظهر بمظاهر الصلاح، أو ادّعى الإصلاح. لا يعزبُ عن أذهانكم أن رسالة المملكة العربية السعودية رسالة عالمية، سامية الأهداف، نبيلة الغايات، بعيدة المقاصد، تختلف عن سائر الرسالات الأخرى ذات الأفق الضيق، والإطار المحدود، فهي رسالة تتخطى حدود المكان، وتتغلغل في سائر الأزمان، ماضيها، وحاضرها، ومستقبلها. رسالة تخاطب سائر الأطياف، والأعراق والأجناس، والديانات، وكثيرٌ من الناس للأسف لا يعي أبعادها، ويستشعر أخطار إغفالها، أوالتفريط في مكتسباتها في المحيط الداخلي والخارجي. منابع الهدي والإصلاح التي انطلقت من هذه البلاد، وحملها قادتنا وفقهم الله إن هي جففت في زمنٍ أو عصرٍ من العصور لسببٍ أو لآخر، فستجد من يستنبت غيرها، ويتعهدها بالسقاء، حتى وإن حملت معاول هدمٍ للحضارات الإنسانية، وحينها لاينفع العالم الندم، ألا فلنحذر من هذا وننتبه له، ونسعى إلى إثراء منابعنا، وتصدير ثرواتنا بأي لونٍ مشروع مستساغ، وبأي وسيلةٍ متاحة مباحة، تضعُ مصلحة الأمة والوطن فوق كل اعتبار. ولن تعدم أرحام النساء من رجال أكفاء يلتمسون الأسباب، ويقتنصون الفرص مهما كلفهم الثمن. رسالة إلى كل من استشهد من رجال الأمن البواسل، على ثرى هذه الأرض الطاهرة، والبقعة المباركة، مضحيّاً بالنفس، دفاعاً عن الدين، والوطن والقيادة، ووقوفاً ضد قوى الشر والبغي، ودعاة الظلال والإرجاف، أسوق له قول الشاعر:
|
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |