Wednesday 2nd June,200411570العددالاربعاء 14 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "تحقيقات"

بسبب الإنجاب غير المنظم رغم تحذيرات الأطباء بسبب الإنجاب غير المنظم رغم تحذيرات الأطباء
أطفال محرومون من الحب والرعاية يتحولون إلى مرضى وأحداث
الشابة ليلى: لدي طفل واحد ومصرة على تنظيم أسرتي حتى لا أكرر مأساة أمي وجدتي

  ** نجران - أحمد معيدي
نساء مبدأهن ( تكاثروا والرزق على الله).
ورجال يرون أن فحولتهم تتمثل في نثر الأطفال في كل مكان ليتفاخر بهم وليتخذ منهم (عزوة) ويسيرون على خطى أبطال الروايات من الملوك الذين أنجبوا فرسانا وفاتحين.
هذا هو حال بعض الأسر في المملكة والتي استطاع الكثير منها ضرب الأرقام القياسية في عدد مرات الإنجاب وفي الكم الكبير من الأطفال والذين يعيشون في الحقيقة حياة ناقصة إما من ناحية الحرمان خاصة وان كثيرا من تلك الأسر فقيرة ولا تجد قوت يومها، أو من جانب الوضع الصحي والذي حرم كثيرا من هؤلاء الأطفال حياتهم أو افقدهم قدراتهم، وأهم من ذلك أنهم لا يجدون الوقت الكافي للرعاية والاهتمام.
ولو كان هذا التكاثر بسبب الزيجات العديدة حيث تنجب كل سيدة عددا مناسبا من الأطفال لهان الأمر ولكنه إنجاب من مصدر واحد ومن سيدة واحدة كرست حياتها وجعلت هدفها الوحيد هو الإنجاب والإنجاب فقط دون تفكير في عاقبة الأمر وانعكاساته السلبية عليها وعلى أطفالها.
الجزيرة التقت بالعديد من ربات الأسر اللاتي ضربن أرقاماً قياسية في الإنجاب ومنهن السيدة فاطمة والتي قالت أنها حملت أكثر من عشرين مرة أجهضت بعضهن لا إراديا ومات الآخرون عند ولادتهم بسبب سوء تغذيتها لعدم وجود مرافق صحية في وقتها لمتابعة حالتها فيما بقي لها خمسة عشر من هؤلاء الأبناء ثلاثة أولاد واثنتا عشرة بنتا إحداهن فقدت عقلها منذ كانت صغيرة.
وأضافت: لم نكن نجد الوقت الكافي لحبهم ولتربيتهم ولكننا حرصنا على أن نؤمن لهم لقمة تسد رمقهم خاصة وأننا نسكن في منطقة ريفية وزوجي لا يعمل إلا في الزراعة.
لكنها أكدت أن الزمن لو عاد بها إلى الوراء لكانت أنجبت أكثر منهم لأنها مقتنعة حسب قولها بما صنعت ومبررها في ذلك أن الله أمر بالتكاثر وتكفل بالأرزاق.
أشفق عليهم
وتقول سيدة أخرى والتي هي الأخرى صاحبة رقم قياسي حيث أنجبت أربعة عشر طفلاً منهم ثلاث بنات فتقول: (أدركت مؤخراً وبسبب التوعية أنني أفرطت كثيراً في الإنجاب وكان من الممكن أن افقد حياتي في كل مرة خاصة وان معظم ولاداتي تمت في المنزل حيث لا تعقيم ولا رعاية وافقد أثناء الولادة الكثير من الدماء مما يجعلني أبقى لفترة طويلة في مرحلة إجهاد بسبب سوء التغذية والتلوث ومع ذلك بقيت سليمة والحمد لله، ولكني الآن أتمنى أني أنجبت نصفهم فقط ليس كرها لهم وإنما شفقة عليهم مما لاقوه من جهد ومرض دائمين وكذلك عدم اكتمال نموهم وعدم تمتعهم بحنان الأم وعطف الأب الكافيين لرعايتهم رغم أننا لم نقصر معهم يوما حتى أني كنت أبيت بعض الليالي جائعة ليشبعوا ويناموا).
بعض الأشخاص تمنى انه لم يتزوج ولم ينجب نتيجة أن هذه الزيجة ورثت له مجموعة من الأطفال المرضى أو أنها حرمته من حياته وجعلته يعمل كالمكينة لإيجاد لقمة العيش.
كبر معهم الألم
محمد أحمد شاب لم يبلغ الثلاثين بعد تزوج مبكراً وله ستة أبناء اثنان منهم مصابان بالشلل.
يقول محمد: (منذ ان كنت صغيراً وأنا أتمنى أن تكون لي زوجة وأطفال يملأون عليّ الحياة بهجة وسروراً ولكني وبمجرد أن تزوجت حتى فوجئت بالحلم يتحول إلى كابوس حين اكتشفت أن طفلي الأول والخامس مصابان بالشلل، لم اهتم لذلك كثيراً في البداية حيث ظننت أنها مرحلة وسيستطيعان المشي وواصلنا أنا وأمهم الإنجاب أو التفريخ إن صح القول لكن كلما كبر طفلاي كبر الألم الذي يعتصرني باعتباري أنا المسؤول عما اصابهما بسبب عدم متابعتي لحالتيهما منذ البداية بسبب مشاغلي.
وقد لا يكون الجانب الصحي هو الجانب الوحيد السلبي في إنجاب أطفال بشراهة ولكن هناك جوانب أخرى أهمها العاطفي، فالأطفال الكثيرون في الأسرة الواحدة يفتقدون لعطف الأم التي غالباً ما تكون في مثل هذه الحالات أما أمية أو أنها لم تكمل تعليمها وبالتالي لم تجد التوعية المناسبة.
لم نجد الوقت
السيدة مطرة أم لتسعة أطفال لم يجدوا الرعاية الكافية نتيجة عدم اهتمامها وزوجها بهم بسبب مشاغلهم، فزوجها اشغلته حياته عن أطفاله الذين لم يجدوا أي رعاية من والدهم والتي جعلته غير مبال لما يقترفه أبناؤه من أخطاء لا يجدون من يرشدهم ويوعيهم ويعطف عليهم، ويعاقبهم إن لزم الأمر فنشأوا مستهترين لا يهمهم أحد حتى أنا التي أنجبتهم، وتضيف صحيح إنني لم أجد الوقت الكافي لرعايتهم وصحيح أنني لم استطع أن أحبهم كما يجب بسبب كثرتهم ولكن هذا لا يعني أنني لم اجتهد في تربيتهم وأكرس عمري لأجعلهم أناسا صالحين.
زهبة لديها أحد عشر ابنا تقول إن زوجها استمر فترة طويلة في نسيان أسماء أبنائه بل ويخلط بينهم فينادي هذا باسم ذاك ويضرب الأكبر بجرم الأصغر مما جعلهم يحسون بفراغ عاطفي تجاه والد لا يعرفهم ولا هم يعرفونه جيدا.
شمعة هي أيضا امرأة لم يجد أبناؤها الرعاية الكافية فعرفوا طريق الجريمة منذ كانوا أطفالاً ثم أحداثا حيث لم يجدوا لا أما تعطف ولا أبا يوجه فكان ان انتهى مستقبلهم على عتبات سجن الأحداث بسبب عبثهم الطفولي الذي كبر ليتحول إلى جرائم.
بدأ الوعي
ورغم ان مسلسل الإنجاب والتكاثر وتفريخ الأطفال لا يزال مستمرا إلا ان هناك نظرة مغايرة لدى بعض بنات وشباب هذا الجيل والذين بدأوا يدركون خطورة المغامرة بإنجاب (الدستات) من (الأطفال) دون تأمين لحاجاتهم.
سأهتم بهم
ليلى شابة في العشرينات لديها طفل واحد وتقول إنها مصرة على تنظيم أسرتها وفي نيتها عدم إنجاب أكثر من ثلاثة أطفال وعلى فترات متباعدة حتى تتمكن من تربيتهم ورعايتهم والعطف عليهم هي وزوجها وتأمين مستقبلهم وليست مستعدة لأن تكون صورة من أمها أو جدتها في هذا الجانب.
أما عبدالرحمن فهو الآخر يرى أن عليه التفكير جيدا قبل الإقدام على إنجاب طفل واحد فما بالك بالعشرات، حيث قال انه لا يريد أن يعيش طفله تلك الحياة التي عشتها مع ثمانية إخوة يتصارعون على اللقمة وينام الأربعة منهم على سرير ويتناوبون في ارتداء الثياب واحتياجات المدرسة ولن يسمع أحد منهم يوماً كلمة (احبك).
رأي الطب
هناك إجماع على شرعية الإنجاب والتكاثر وفق ما أمر به الله ورسوله مستندا إلى الأدلة من القرآن والسنة ومنها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (تكاثروا تناسلوا فاني مباه بكم الأمم يوم القيامة) ولكن الأطباء أكدوا أيضاً ان التكاثر بعشوائية مخالف للتشريعات لأن فيه مخاطر على الأم والطفل في نفس الوقت ولكن التكاثر بانتظام ورعاية ومتابعة دقيقتين هو المقصود.
حيث أكد الأطباء ان الفحص قبل الزواج واختيار سن الزوجة المناسب والذي هو بين 17 - 25 سنة وكذلك الاهتمام بصحة الأم وتغذيتها وعلاج كافة الأمراض والمباعدة بين فترات الحمل سيكون الحل الناجع حتى ولو أنجبت الأسرة العديد من الأطفال فسيكونون أصحاء ولكن الأطباء أشاروا إلى أن مخاطر التكاثر العشوائي على الأم والطفل كثيرة وتؤدي في الغالب إلى الوفاة ومن أهمها:
أولا - المخاطر على الأم:
الدكتورة ابتسام السيد حسنين اخصائية أمراض النساء والتوليد ماجستير أمراض النساء والتوليد جامعة عين شمس قالت: إن من ابرز المشاكل التي قد تواجه الأم التي تنجب بطريقة عشوائية دونما الأخذ بالإجراءات الاحترازية هي إصابتها بأمراض خطيرة مثل فقر الدم وهشاشة العظام وترهل عضلات البطن وزيادة الوزن.
وأكدت انه كلما زادت الولادات زاد وزن الطفل مما يؤثر على أربطة الرحم وأربطة الحوض وبالتالي يؤثر على صحة الأم التي تتعرض لتغيرات فسيولوجية متتالية نتيجة هرمونات الحمل.
كما ان كبر حجم الجنين يزيد من عمليات الولادة المتعسرة مما يعرض حياة الأم وبالذات التي تلد في المنزل إلى خطر الموت.
كما انه مع زيادة الحمل وتقدم الأم في السن خصوصاً في سن الأربعين فان نسبة ولادة طفل (منغولي) كبيرة جداً وذلك بسبب كبر سن البويضة حيث ان عمر البويضة = عمر المرأة + 40 أسبوعاً أي عمرها داخل الرحم.
وقد تؤدي كثرة مرات الحمل إلى زيادة حدوث أمراض الحمل مثل ارتفاع الضغط وحدوث زلال في البول وهو ما يسمى (ما قبل بتسمم الحمل) وقد تتطور الحالة آلي حدوث تشنجات أثناء الحمل والولادة وبعد الولادة وهو ما يسمى بتسمم الحمل الذي قد يقضي على الأم والجنين لا قدر الله، وأضافت الدكتورة ابتسام أن من أشهر الأمراض الموجودة في المملكة خاصة مع تكرر الحمل هو السكر حيث يزيد وزن الطفل عن أربعة كيلو جرام وهو ما يشير إلى قرب إصابتها بالمرض وقد يؤدي أيضاً إلى التهاب في المسالك البولية التي قد تتطور إلى فشل كلوي بسبب الالتهاب الصديدي وهناك ارتباط قوي جدا بين التهاب المسالك والأنيميا المنجلية التي هي من اخطر الأمراض وأكثرها انتشارا في الجنوب.
ثانيا - المخاطر على الطفل
الدكتور محمد عبدالحميد البهواشي أشار إلى أن ابرز المشاكل الصحية التي قد يتعرض لها الطفل هي:
- مع كثرة الإنجاب بطريقة غير منظمة بالإضافة إلى عدم الاهتمام بصحة الأم قد يؤثر ذلك على الجنين لدى الأم الحامل ومن ذلك تكون عدسة عين الطفل والتي تؤدي إلى إصابته بالمياه البيضاء والقتامة.
- هناك أمراض سوء التغذية بعد الولادة حيث يولد الطفل طبيعيا ولكنه يصاب بالأمراض نتيجة عدم الاهتمام والمتابعة.
- لا يحصل الطفل على كفايته من الرضاعة وبالذات في الأشهر الستة الأولى حيث انه في حال حدوث حمل أو استعمال أدوية في هذه الفترة فان حليب الام يتحول إلى ماء ويصبح غير صالح للطفل.
- الحالة النفسية للطفل فالطفل داخل بطن أمه ثبت علمياً ان أول حواسه التي تتكون هي حاسة السمع فهو يسمع دقات قلب أمه وتصبح مألوفة لديه ويصبح بينهما رابط فإذا ما أنجبت الأم فان حالة الطفل النفسية قد تتأثر وتتحول إلى مرض عضوي كالتبرز اللاإرادي وقبل ذلك الغيرة وفقدان العواطف تجاه أمه وأبيه.
- يصاب الكثير بالتبول الليلي اللاإرادي والمنتشر بنسبة غير بسيطة بسبب غياب التجانس في الأسرة.
- من الأمراض المشهورة التي قد يصاب بها الأطفال نتيجة الولادة المتكررة ما يسمى بمرض لين العظام حيث يتأخر ظهور الأسنان اللبنية وكذلك حدوث تشوهات في العظام من انحناءات وتقوسات مما يؤدي إلى إصابة الأطفال بالكسور المختلفة وقد يصبح معاقاً لا قدر الله.
- عدم إعطائه الرعاية والحنان الكافيين مما يؤثر سلبا في تكوين شخصيته ويؤدي إلى تكوين جيل ذي شخصية انطوائية أو عدوانية.
الرأي الاجتماعي
يؤكد الاخصائيون الاجتماعيون ان بين صحية هذا الظاهرة المتمثلة في زياد أعداد المجتمع وإحداث طفرة إنسانية وبشرية وبين لا صحيتها بسلبياتها الكثيرة يبقى أن نتساءل: هل من الضروري ان ننجب أطفالاً لا نستطيع إطعامهم ولا تربيتهم ولا حتى محبتهم؟.
فهل من الضروري أن ننجب أطفالاً غير أصحاء ليقول الناس عنا أننا رجال وفحول وعن نسائنا أنهن ولادات.
ان كنا سنخرج جيلا من المعاقين والمعتوهين والمحرومين وربما المنحرفين فعدم الإنجاب هو أفضل الحلول على الإطلاق.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved