Wednesday 2nd June,200411570العددالاربعاء 14 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

بإدارة مميزة من «السميح» في جمعية الثقافة بإدارة مميزة من «السميح» في جمعية الثقافة
البواردي يصف شعر الحداثة ب«الطلاسم» ويعترف بأنه «يجتر نفسه» ويكشف سر دواوينه قبل 40 عاماً

** الثقافة - سعيد الدحية الزهراني:
ضمن فعاليات الأنشطة الثقافية للجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون وتواصلاً مع الجمهور والمتابعين أحيا الشاعر الكبير الأستاذ سعد البواردي مساء الاثنين 5-4- 1425هـ أمسية شعرية تحدث فيها عن تجربته الشعرية والثقافية والحياتية كما ألقى عدداً من النصوص والقصائد.
وقد أدارها الشاعر الأستاذ عبدالله السميح بادئاً بالترحيب بفارس الأمسية والحضور وشاكراً للجمعية تواصلها ونشاطها، حيث قدم السميح شاعر الأمسية البواردي بكلمة جاء فيها:
على أديم شقراء خطا شاعرنا خطواته الأولى شقراء المدينة التي تتكئ على الشموخ وتدفن قدميها في كثبان (نفود السر).
نفود السر، وكم تساءلت عن هذا المسمى!!
الآن العشاق من العرب الأوائل، وقفوا بها ذات أصيل وسكبوا زلال البوح العذري على أطراف تلك الكثبان، واستودعوها جواهر أسرارهم، ودونوا خلجات عشقهم في كتاب الرمال.
هنالك كان موعد شاعرنا مع الكلمة، وهنالك ناغى بأحلامه الطفولية هسهسة النخيل، نسيم الصبا، وأصداء قصائد عمالقة الشعر في مهد الشعر، الذين قال عنهم أبو تمام مخاطباً طلل ديارهم:


طلل الجميع لقد عفوت حميدا
وكفى على رُزئي بذاك شهيداً
أذكرتنا الملك المُظلل في الهوى
والأعشيين وطرفة ولبيدا
حلوا بها عقد النسيب ونمنموا
من وشيها حللا لها وقصيدا

دعت شاعرنا هموم الحياة فامتطى عزمه معانقاً قوافل الكادحين، وبعد حين!
ضاق باللغة الصدئة، فغادرها صوب ضفاف اللغة العذراء ليعب من ألقاها، وذات زمن بعيد كان هذا الرجل يمخُرُ عباب الدجى، حين انتصب أمامه جدار
الليل فوقف متمثلاً قول (أمل دنقل):
آه ما أقسى الجدار عندما ينهض في وجه الشروق
ربما ننفق كل العمر كي ننقب ثغرة
كي يمر النور للأجيال مرة
ربما لو لم يكن هذا الجدار ما عرفنا قيمة الضوء الطليق
وقف البواردي محاولاً أن ينقب ثغرة في ذلك الجدار، أن يفتح نافذة للإشعاع، لكن سهماً ظلامياً اخترق قلب تلك النافذة.
على أن شاعرنا لم يستكن ولم يسلم لسمادير الغياهب، بل مضى في دورب المعرفة ينشد النور في صحبة المتنبي وأبي العلاء وأبي ماضي والشابي حتى حلق بجناحي الشعر بين غيمات الجمال ثم أزجى لنا عدة غيمات أو عدة مجموعات منها: قصائد تتوكأ على عكاز، وقصائد تخاطب الإنسان، وأغنيات لبلادي، ورباعيات، وإبحار ولا بحر، وذرات في الأفق، ولقطات ملونة، وأغنية العودة، وحلم طفولي.
وفي المجال النثري للأديب البواردي سبعة كتب هي (حتى لا نفقد الذاكرة، رسائل إلى نازك، فلسفة المجانين، أجراس المجتمع، وللسلام كلام، حروف تبحث عن هوية وثرثرة الصباح).
وللأستاذ سعد البواردي فلسفته في رسالة الكاتب ومدى تأثيرها في جمهوره، هذه الفلسفة تتساءل عن مدى فائدة النغم إذا يرتد صداه باهتاً، يلامس الأسماع وتغلق دونه الجوانح.
وعن جدوى الوردة تبث عبيرها فلا يأبه له العابرون
وعن النجمة تشع لا ترى بريقها في أعين المدلجين
وأخيراً أوى شاعرنا إلى صومعة الفكر، وجميل من الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون أن تخرجه من صومعة الفكر، ليضيء شرفة الشعر ويمطرنا في هذا المساء البهيج بقصائده وتجربته المترعة بالحس الإنساني.
بعدها انتقل الحديث لفارس الأمسية الشاعر سعد البواردي، حيث ألقى كلمة اتسمت بالشفافية وخفة الظل ابتدأها بسيرة ذاتية مقتضبة وهي:
السيرة الذاتية
** سعد بن عبدالرحمن بن محمد البواردي
** من مواليد شقرا حافظة محافظة الوشم عام 1348هـ
** أحمل ثلاث شهادات
1) شهادة ميلادي 2) شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله 3) والشهادة الابتدائية
** أصدرت مجلة الإشعاع الشهرية بمدينة الخبر في المنطقة الشرقية بداية عام 1375هـ
صدر منها ثلاثة وعشرون عدداً.. ثم توقفت عن الصدور لأسباب خاصة بها.
** اشرفت على اصدار مجلة المعرفة الفصلية التابعة لوزارة المعارف.. وللنشرة الإعلامية الشهرية في بيروت.
** ساهمت بجهد متواضع في مجموعة من الصحف والمجلات منها:
صحيفة اليمامة، الجزيرة، اليوم، المسائية، قريش، الأضواء, الرائد، الفيصل، المعرفة الجديدة، المجلة العربية، الحرس الوطني، المنهل، أهلاً وسهلا.
** صدر لي عشرة دواوين شعرية، وسبعة مؤلفات نثرية، وكتيب قصة قصيرة.
** ما لم يصدر من المكتب تسعة وعشرون مؤلفاً بعضها نثري، أو شعري، أو قصصي.
** شغلت في حياتي الوظائف التالية:
مدير إدارة العلاقات العامة، اضافة إلى إدارة مجلة المعرفة، وسكرتارية المجلس الأعلى للتعليم، وسكرتارية المجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب. في وزارة المعارف.
الملحق الثقافي للشؤون الإعلامية في كل من بيروت والقاهرة. وزارة التعليم العالي.
لديّ ولدان وابنتان هما أهم رصيد احتفظ به واعتز به.
هذا هو كل ما في الأمر.. حصاد حياة فيها فشل وفي بعض جوانبها ما يدعو إلى الأمل..
بعد ذلك ألقى كلمة تناول فيها تجربته الحياتية الفكرية.. جاء فيها:
اسمحوا لي بادئ ذي بدء أن الخص تجربتي الفكرية المتواضعة بهذه الموجزة المقتضبة التي مفادها أنني مجرد طالب مجتهد في مدرسة الحياة بقدر ما أعرف ازداد معرفة بجهلي فيما لا اعرف.. إنه واقع لا مكان فيه لتواضع..
الشكر لمن دعا وبارك والتحية لمن دعي وشارك بحضوره في هذه الدعوة..
ماذا عن التجربة الحياتية التي عشتها، كيف بدأت؟ وإلى إين وصلت؟
بداية من البداية.. تقول عني أمي.. وقالو ما قالت حذام.. إنني ولدت في العاشر من شهر شعبان عام 1348هـ أي أنني أكثر من الأربعين وأقل من المائة وعليكم الحساب..
المكان شقراء.. أخذت عن الكتاتيب أولى مفردات الألف والباء.. أبي كان أميراً لمنطقة الوشم في عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -.. عشت في كنفه غبياً لا شقياً..
آثرت وأنا طفل أن اصطفي أكل التراب على ما لذ وطاب من طعام وشراب..
لحظة فراق بين أبي وأمي - رحمها الله - اختار والدي أن أكون بعيدا.. إلى عنيزة الطيبة كانت رحلتي الطفولية الأولى.. عامان وشهور امضيتها طالباً في مدرستها الأولى الابتدائية عرفت بين زملائي بالشقراوي.. وبعد أن عادت المياه المقطوعة بين الأبوين إلى مجاريها عدت والعود أحمد.
في شقراء افتتحت اول مدرسة حكومية عام 1361.. التحقت بها حتى نهاية الفصل الدراسي الخامس ثم في مدرسة دار التوحيد بالطائف حيث حصلت مع زملائي على الشهادة الابتدائية نهاية إلى الفصل الثاني المتوسط الذي توقفت عنده المسيرة فالعين بصيرة.. واليد قصيرة.. لماذا؟
مات أبي.. لم يورث مالاً.. وإنما عيالاً وأسرة كبيرة أنا عائلها بعد الله.. وإذا كان المثل العامي يقول: ما مع الفقر عيشة.. فأيضاً أقول: (ما مع الفقر فكر لمواصلة رحلة العمر..).
بحثت عن عمل.. فشلت في تجربتي الأولى وطردت شر طردة.. وفي الثانية نصف نجاح ونصف فشل.. وفي الثالثة كانت الأمثل نسبياً خلالها أصدرت مجلة الاشعاع في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية ويبدو أن براقش جنت على نفسها لطول لسانها فصمتت عن الكلام المباح ولم تفق على صياح ديك الصباح.. لقد اراحت واستراحت بعد عمر يناهز العامين بداية من عام 1375هـ حتى نهاية شهر القعدة عام 1376هـ.
عدت إلى مسقط رأسي.. ثم إلى الرياض حيث عملت موظفاً حكومياً بوزارة المعارف شغلت خلالها عدة وظائف.. هي على التوالي:
ناموس التعليم الثانوي - أي سكرتير ثم مساعد مدير البعثات الخارجية ثم مسؤولية الوظائف التالي:
إدارة العلاقات العامة اضافة إلى إدارة مجلة المعرفة وسكرتارية المجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب برئاسة خادم الحرمين الشريفين الذي كان وقتها وزيراً للمعارف.
ومن الرياض إلى بيروت ملحقاً ثقافياً للشؤون الإعلامية, ومن بيروت إلى القاهرة لنفس المهمة..
وفي الستين من العمر منذ قرابة الثمانية عشر عاماً تقاعدت وأنا أتمتم:
أعطني حريتي اطلق يدي
إنني اعطيت ما استبقيت شيا
وجدتها.. كما قال ارخميدس..وجدت أن السنين أزهى أيام العمر شريطة المحافظة عليه من صدمات الواقع.. وخمول الحركة.. وإجهاد النفس..
الصدف في حياة الإنسان تغير مجرى حياته وتلعب لعبتها دون تقدير ولا تفكير منه..
في خط حياتي البياني المقروء لا وجود لشيء اسمه مهنة الفكر.. آخر نقطة في دائرة الارتكاز الوظيفي تشير إلى ثقافة لاتقرأ.. ولا تفكر.. ولا تتعامل مع الخيال.. كانت ثقافة قطع الغيار حيث كنت أتعامل في عملي مع البواجي والبلتين، الدينمو والديلكو والكاربريتر.. كان هذا هو الحلم. والعلم الذي يمنحني مرتباً (أكد) منه على أسرتي الكبيرة.. وتدخلت الظروف الطارئة لتأخذني معها في نقلة احسبها التحول التاريخي في حياتي.. فمن ثقافة قطع غيار السيارات إلى ثقافة المعرفة والمعارف.. وسبحان مغير الأحوال..
ما بين غمضة عين وانفتاحتها
يغير الله من حال إلى حال
شكراً لمن جاء ضرره نفعاً من حيث لا يدري
لقطات من الرحلة على درب الكلمة:
1) في مدرسة دار التوحيد بالطائف كانت لديَّ شهية ليس فيها عافية.. شهية القراءة لا من أجل المعلومة وإنما لاختلاس الجمل الرومانسية الجميلة وتوظيفها في مادة الإنشاء إلى درجة أعجاب مدرس المادة والإشادة بأسلوبي الجيد.. ولو كان يدري لأشبعني ضرباً.
2) أول تجربة لي في الكتابة الصحفية كانت عام 1364هـ يوم أن أعلنت صحيفة البلاد السعودية عن مسابقة في القصة القصيرة للشباب.. حينها كتبت قصة قصيرة تحت عنوان:
(على قارعة الطريق) تتحدث عن إنسانة بائسة مشردة لفظتها الحياة ورفضها الأحياء.. ولحسن الحظ فازت بالجائزة الأخيرة وقدرها عشرون ريالاً.. ربما لأني ثالث ثلاثة تقدموا..
3) الاشعاع والولادة القيصرية..
لم تكن يوم أن ولدت بالصدفة المحضة مؤهلة للبقاء لا مادياً ولا أدبياً.. كيف لها أن يكتمل نموها وميزانيتها الشهرية ثلاثمائة ريال اقتطعها من كامل مرتباتي البالغة ستمائة ريال وكيف لها أن تظل على الحياة بفم مملوء بالكلمات من غير أدوات وخبرات تغطي بعطاءاتها الصفحات.. كانت مغامرة غير مأمون الجانب يوم أن تقدمت إلى الجهات المعنية طالباً اصدار مجلة أدبية اجتماعية شهرية تحت مظلة هذا الاسم.. كان هذا على ما اعتقد في الشهر الثامن من عام 1374هـ بعد أن احتجبت صحيفة الفجر الجديد التي كانت تصدر في مدينة الخبر..
جاءت الموافقة مبكرة وصاعقة لا بد لرحلة السفر من زاد.. ولا بد لمرحلة الإعداد من استعداد ولكن.. يظل الممكن غير ممكن إلا في حدوده الدنيا والمتاحة.. استجمعت ما أمكن استجماعه استنجدت بمن أقدر على استنجاده.. وصدر العدد.. ولأني مرغم لا بطل هومت في كل اتجاه فرضت نفسي كاتباً وشاعراً وقاصاً وناقداً تحت هذه الأسماء:
سعد البواردي. س ب. فتى الوشم. أبو سمير,. أبو نازك.. المهم ملء بياض الصفحات بمداد أسود.. وبمادة لا يطرب لايقاعها المداد.. بدأت حبواً.. ثم تحركت خطواً.. ثم عاجلها الشلل ولما تكمل عامها الثاني.. وتوقف نبض قلبها المعتل.. عاجلها الأجل قبل أن تحقق الأمل..
وفي الرياض الفيت باب أخي وأستاذي الشيخ الجاسر مفتوحاً على مصراعيه.. في صحيفة اليمامة بدأت من زاوية (من النافذة) تدرجت من النافذة نحو (الباب المفتوح) والباب المفتوح أوصلني إلى الناس في زاوية (مع الناس) وتوقفت الصحافة الفردية.
ومن يمامة الجزيرة إلى صحيفة الجزيرة برئاسة تحريرها الأستاذ خالد المالك حيث زاوية (السلام عليكم) اليومية..وزاية (عالم فوق صفيح ساخن) في مسائيتها, ثم احتجبنا وعادت في ثقافة الجزيرة الأسبوعية زاوية (استراحة داخل صومعة الفكر) وفي صحيفة (اليوم) التي تصدر في الدمام زاوية لم تكن أحسن حظاً تحت عنوان (نافذة على عالمنا العجيب).
وفي المجلة العربية زاوية شهرية عنوانها (ما قل ودل) ما زالت قائمة.
وأخرى في مجلة الحرس الوطني بعنوان (أفكار مضغوطة) ما برحت تنبض بالحياة.
إلى جانب مشاركات متواضعة في قريش السباعي ورائد أبي مدين، وأضواء باعشن. ومنهل الأنصاري. ومجلة الفيصل، والجيل، والمعرفة، وأهلاً وسهلاً.. هذا عن الصحافة..
أما التأليف فقد صدر لي عشرة دواوين شعرية. وسبعة نثرية.. وكتيب قصة قصيرة..
وما لم يطبع بعد تسعة وعشرون مؤلفاً.. ليس العبرة بالكم فالكم كثير.. وإنما بالكيف والكيف ضعيف.. تلك هي الحقيقة. وأهل مكة أدرى بشعابها كما يقول المثل..
ماذا عن مهنة المتاعب؟
في حياة كل كاتب عثرات, وعبرات, وعبر. وأحياناً صدمات لا تقتل وإنما تبطيء من حركة تطلعاته إلى الأفضل..
خمس تجارب مرت بمسيرتي دون أن تتعثر.. أولى هذه التجارب يوم أن فاز فريق المملكة لكرة القدم للشباب في شرق آسيا.. قامت دنيانا ولم تقعد فرحاً.. ومن حقنا أن نحتفل ونفرح بفوز حقق لنا كسباً إعلامياً لا يمكن تجاهله.. كان هذا هو المدخل لكلمتي وصولاً إلى ما هو أهم..
قلت جميل أن نحقق الأهداف الكروية في مرمى الفرق المنافسة.. وذكرت أنه ما زال في شباكنا ثلاثة أهداف سددتها إسرائيل هي الأخطر.. هدف في سيناء وآخر في الجولان.. وثالث في فلسطين علينا تسديدها في مرمى العدو كي تكون فرحتنا أكبر..
نشرت المقالة منقوصة بعد أن تعرضت لعملية المسخ والسلخ والنسخ.. نشر منها ما يتعلق بالكرة وأُسقط منها ما يتعلق بالكرة.. كنت حينها في القاهرة هاتفت رئيس تحريرها وهو غير أخي خالد المالك.. عاتبته.. ومن يومها لم أعد أتعامل مع صحيفته إلى أن عادت المياه إلى مجاريها هذه واحدة..
الثانية أذكر أنني كتبت كلمة تحت عنوان (أمي تعشق وأنا أتزوج) منذ قرابة نصف قرن أتحدث فيها عن مشاكل ما قبل الزواج اتبعتها بكلمة اقترحت فيها فتح فصول ابتدائية مشتركة للبين والبنات وفي سن مبكرة لاخشية معها.. هذه الزمالة المبكرة قد تساعد الشاب بعد أن يكبر اختيار شريكة حياته من بين زميلاته في المدرسة ومن خلال ما ارشم في ذاكرته عنها شكلاً وموضعاً.. ما إن نشرت الكلمة حتى ثارت ثائرة البعض مستهجنة ورافضة.. هذه الثانية.
الثالثة تحدثت فيها عن الفراغ وأخطاره على السلوك الاجتماعي بالنسبة للمواطنين وغير المواطنين على حد سواء.. كان هذا قبل أن تفتح قنوات التلفزة الفضائية بثها.. أي منذ اكثر من أربعين عاماً اقترحت فتح دور عرض سينمائي ومسرحي تشرف عليه الدولة يقدم وجبات اجتماعية وتاريخية هادفة تساعد على امتصاص الوقت الضائع.. يومها قامت الدينا ولم تقعد.. تسعة وعشرون من صحيفة الجزيرة في صفحتها قبل الأخيرة كان الهجوم والاتهام إلى درجة التكفير من أناس لا يفرقون بين المسرح والبار.. أو الكباريه.. الصورة تغيرت إلى الأحسن.. هذه ثالثة..
أصدرت منذ ربع قرن مؤلفاً تحت عنوان (رسائل إلى نازك) حملتها العظة.. جعلت من نفسي كبش فداء حتى لا يعتقد أحد أنني أعنيه.. قلت لابنتي نازك في الكتاب الذي جاء على شكل رسائل موجهة إليها:
(كنت يا بنيتي أنتهل الكذب كي احذرها منه.. كنت يا بنيتي اغتاب الآخرين كل لا تغتاب.. على هذا النسق من الخطاب التوجيهي الإرشادي كانت محصلته.. فوجئت بأن أحد الشباب يشن عليَّ هجوماً شرساً في صحيفة يتولى والده رئاسة تحريرها. اتهمنى بالجنون.. وطالب بمحاكمتي وإدانتي.. وحين بعثت إلى صحيفة والده الرد تصحيحاً لفهمه لم ينشر الرد.. هذه رابعة.. أما الخامسة والأخيرة فعمرها لا يتجاوز السنوات العشر يوم أن انعقد مؤتمر مشبوه النوايا والأهداف في الدوحة بقطر كتبت كلمة في مجلة أسبوعية وفي صفحتها الأخيرة كلمة تحت عنوان (حوار بين حمار وحمار) تحدث فيه هيهان إلى زميله جحشان عن هموم عصره.. والغيوم التي تطبقُ على سماء المنطقة مطرها دماءً لا ماءً..
جحشان الغاضب من واقعه وصف مؤتمر الدوحة الاقتصادي المشبوه الذي لم يشارك فيه بمؤتمر الدوحة.. وأشار بشكل رمزي إلى بعض الوجوه التي تتحرك على المسرح السياسي العالمي على أنها مجرد أداة ظاهرة لخدمة الصهيونية العالمية.. وبالتالي الكيان الاحتلالي المزروع في خاصرة جسدنا العربي على أرض فلسطين..
نشرت الكلمة في حينها.. وكانت الأخيرة التي تنشرها لي تلك المجلة التي اعتز باسمها..
وأخيراً.. وقد ولجت دون أدري إلى عالم مهنة المتاعب.. وبالذات ما له صلة بالأحداث من حولنا تذكرت حكاية الغزو الذي كنا صغاراً نعد له ونستعد له بإقدامنا وأقدامنا التي لا تقتل وإنما ترمح دون ان تجرح.. كل منطقة تغزو مثيلتها تحتل منطقتها ثم تنسحب بعد أن تظفر بالنصر.
كنت الوحيد من بين شباب البلدة الذي يمتع دون غيره بحصانة السفراء.. وفيتو الكبار.. كنت أَرمح ولا أُرمح لأنني ولد أمير المنطقة.. صورة مصغرة لما هي عليه حال الدول الكبرى التي تضرب بآلة الموت ولا تضرب لأن سلاح الفيتو في يديها.. وحصانة حق القوة تحصد دون مبالاة قوة الحق..
كلنا في الغزو سواء.. غزونا شقاوة صغار. وغزوهم جريمة كبار.. إنه الاستبداد الذي يولد صغيراً ثم يكبر.. إنما العاجز من لا يستبد.
حفظ الله لوطننا أمنه وإيمانه.. ووقاه غدر المتربصين بسلامه وإسلامه من داخله ومن خارجه. فلا أمان دون إيمان.. ولا أمان دون حب.. ولا حب دون انماء.. ولا انتماء دون ولاء.. ولا عمل دون عطاء.. والسلام عليكم ورحمة الله.
بعد ذلك ألقى عدداً من القصائد نذكر منها:
قصيدة الحب


لا يصنع الحب لا مال ولا جاه
الحب أجمل ما أعطى لنا الله
لو أن للصخر قلباً في تحجره
لأنطق الحق من أعماقه فاه
النهر من غير حب ما أفاض روى
إذاً لغار ولم يسعفه مجراه
والطير في الأيك ما غنى لغير هوى
الحب في وكره ترجيع مغناه
والبدر ومضه حب في تألقه
يهدهد الليل والأجفان مسراه
والصبح حب تغشينا بشائره
مرآته الشمس ما أحلى محياه
والغصن من غير حب لا ثمار له
من بذرة الحب سقياه ومجناه
مد الشراع يداً للموج فانبسطت
كلتا يديه ليأوي وسط مرساه
بالحب جئنا إلى الدنيا لنعمرها
بدونه ما اجتلى فرد لدنياه
الحب عش وعيش وارتياد مني
في الحب تنهل أفكار وأفواه
بالحب نزرع احلاماً لنقطفها
ما كان يقطف حلم الحي لولاه
ويلي على بشر جنّ الخصام بهم
وفي سراديبه الرعناء قد تاهوا
نأوا عن الوردة الحمراء عشقهموا
دماً يرجعه قبل الصدى (آه)
شاهت حياة بلا حب يزينها
والناس فيها بدون الحب قد شاهوا

عقب ذلك ورد عدد من المداخلات والأسئلة.. ومنها:
** محمد القرعاوي ألقى مقطوعة امتدح فيها البواردي. ثم ذكر أنه قرأ في احد مواقع شبكة الانترنت عبارة نصها (البواردي فاشل.. يأكل التراب). قد طلب التعليق من البواردي.
- البوادري: ذكر أنه أشار في مقدمته إلى أنه طالب في مدرسة الحياة واستطرد قائلاً: إن الفشل هو سلم النجاح.
** سعد الثنيان: تساءل على إسهامات الشاعر في مجال الكتابة للطفل؟
- البوادري: اعترف بتقصيره في مجال الكتابة للطفل عدا محاولات قليلة منشورة هنا وهناك.
** سلطان العبيد: انتقد عدم مساهمة البواردي في دعم وتشجيع الشعراء الجدد أو القادمين؟
- البواردي: تساءل عن ما يمكن أن يقدمه لهم، قائلاً كل ما لديَّ وما يمكن أن أفعله لهم هو إبداء رأيي المتواضع على ما يصلني من دواوين وأنا لست مؤسسة وإنما فرد ولا أملك ألا مكتبي وعلى أي حالة فأنا مقصر.
** الشيخ عبدالمحسن التويجري تحدث عن علاقته بالشاعر البواردي وكما أشاد بتجربة الشاعر وامتدحها.
- سعد البازعي: تحدث عن الشاعر، البواردي كأحد رواد الثقافة والأدب لدينا كما تحدث عن أهمية دراسة ونقد وإبراز أعمال الرواد أمثال البواردي.
كما تساءل عن مدى الاتصال والتفاعل ما بين الشاعر وبين الثقافات العربية المختلفة خصوصاً أنه تواجد من خلال عمله ملحقاً ثقافياً لعدد من السفارات السعودية في البلدان العربية كالقاهرة وغيرها؟
** اضافة إلى سؤال عن قراءته لواقع الساحة الشعرية لدينا؟
- البواردي: شكراً اشادة د. البازعي. وأجاب عن تساؤلاته قائلاً: وجودي في القاهرة كان ذا صيغة سياسية دبلوماسية وهذا يتطلب مني أن أكون حذراً عن نشاطات قليلة جداً ولا تكاد تذكر. أما في بيروت فذكر أن الوضع مختلف فكل ما هناك مفتوحة والأفق هناك أوسع وأرحب إلى جانب تعدد الأنشطة واختلافها.
أما عن الشعراء المعاصرين والواقع الشعري لدينا الآن فذكر أن التصنيف لا يهمه أبداً بقدر ما يعينيه المضمون والفكرة والبناء الشعري الجيد.. منتقداً موجة الحداثة التي ذكر أنها تغزو ثقافتنا وشعرنا لتعطينا طلاسماً وألغازاً لا يمكن فهمها وتقبلها فضلاً عن الإعجاب بها.
مؤكداً على أهمية مخاطبة القارئ, بما يفهم حيث أن أجود الشعر أسلمه وأوضحه مضيفاً أنه منذ 50 عاماً على ضوء شعر موجة الحداثة التي غزتنا ولا يفهم منه شيء ويتساءل كيف يمكن للقارئ أو المتلقي أن يفهم مثل هذه الطلاسم.
على شعراء الحداثة أن يذهبوا مع كل من يقتني ديواناً لهم لكي يفسروا ما احتوى عليه من طلاسم.
بعد ذلك ورد عدد من التساؤلات والملاحظات التي تولى الشاعر سعد البواردي التعليق عليها حيث اختتمها باعتراف مفاده أنه يجتر نفسه فهو قد يكتب فكرة واحدة في عشر قصائد لا يختلف فيها إلا العناوين.
كما تطرق إلى معاناة الثقافة قائلاً: الثقافة تعاني فهي لا تقرأ فأنا مازلت أحتفظُ بأعداد ونسخ كثيرة من أعمال طبعتها قبل أكثر من 40 عاماً.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved