سؤال أطرحه على جميع المنتمين للمجتمع الرياضي بجميع فئاته، ابتداء من المسؤولين عن التحكيم وشؤونه في الاتحاد السعودي لكرة القدم وأصحاب القرار فيه، ومروراً برؤساء الأندية ومديري الكرة ومن يجلس على مقعد الاحتياط من إداريين ومدربين، ومن يمس قرار الحكام أداءهم من لاعبين داخل وخارج الملعب، ومن جماهير رياضية متابعة سواء في المدرجات أو من خلال شاشات التلفاز عبر القنوات الفضائية، وأخيراً وليس آخراً الإعلام الرياضي المؤثر جداً على مختلف مستوياته والذي هو صاحب القرار غير المباشر في أي قضية رياضية.
ولعل أهم وأول خطوات إعادة صافرة الحكم إلى يده والثقة إلى نفسه هي الايقاف المباشر للبرنامج التلفزيوني (صافرة الحكم) الذي تبثه القناة الرياضية، فأنا لا أرى حتى الآن ما هي الأهداف الحقيقية من هذا البرنامج ولا مدى تحقيقه لها، فهل هدف البرنامج هو الإثارة وجذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين؟ أم هل الهدف هو إدانة إعلامية للحكام من خلال التلفاز وإدانة رسمية للحكام بأخطائهم والاعتراف والإقرار بها من قبل اتحاد اللعبة ممثلا بحكم دولي ممارس للتحكيم ونائب رئيس للجنة الحكام الرئيسية!!! أم هل هذا البرنامج تنفيس للضغوط النفسية لرؤساء الأندية وإداراتها الناشئة من التحكيم، وبالتالي الاتفاق معهم على ما يصرحون به في الصحافة وإقراره أو تأكيده؟ أم هل هذا البرنامج قناة للدعوة بالإطاحة والتشكيك في قدرة الحكم السعودي وما بقي منها؟ أم محكمة تصدر فيها الأحكام على كفاءة الحكام وان كانت كذلك فهي محكمة غير عادلة لأن المتهم فيها غائب ولا يوجد من ينوب عنه للمحاماة والمرافعة عنه! أم هل هذا البرنامج تثقيفي وتوعوي كما يدعي المشرفون والقائمون عليه، فإن كان هذا هو الهدف، فيجب ايقاف البرنامج فوراً وإعداده بصورة علمية احترافيه تراعى فيه أولاً المعرفة القانونية المتفاوتة والمتباينة للمشاهدين وانتماءاتهم المختلفة، كما توظف فيه التقنية الإعلامية والتقدم العلمي في إنتاج البرامج المصورة بصورة حديثة من دون الحاجة لعرض مباراة معينة والتشهير بأخطاء غير مقصودة لحكم ما مباشرة أو بعد يوم أو يومين من انتهاء المباراة وفي نفس الموسم الرياضي الذي يرتكب فيه الخطأ.. فالبرنامج يمكن إعادة تقديمه بصورة مغايرة، فعلى سبيل المثال من الممكن تقديم مواد القانون وشرحها للمشاهدين وتقديم حالات مختلفة مماثلة وتوضيح الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الحكم وأسبابها وكيفية تلافيها، كما يمكن أيضاً تقديم حالات مختلفة ايجابية وسلبية لمواقف تحكيمية وقعت في الملاعب السعودية مع استخدام التقنية في اخفاء شخصية الحكم وتبيين الخطأ بدون مناقشة نتيجة تلك المباراة وتأثير ذلك القرار عليها، كما يجب الاستعانة بمواقف مصورة تمثل احترام اللاعبين والمدربين والإداريين لقرارات الحكم وتقبلها بصدر رحب وايضاح دور ذلك في مساعدة الحكم في اتخاذ القرار المناسب والصحيح.
وأما إذا كان سبب بث البرنامج هو ادراك القائمين على القناة الرياضية بتدني مستوى التحكيم لدينا وان هناك أخطاء كبيرة يجب تلافيها وتصحيحها، فكان من الأجدر بالقناة الرياضية انتاج وتقديم برامج إعلامية يدعى لها جميع الأطراف المعنية بهذه القضية ويتم من خلال هذه البرامج مناقشة القضية بموضوعية وبهدوء وبعيداً عن الاتهامات اللاأخلاقية والممارسات الخاطئة والنقد غير البناء والتوصل إلى أفضل الحلول الممكنة والمرضية للجميع.
ومما لا شك فيه هنا ان للجنة الحكام الرئيسية بالاتحاد دورا مهما وفعالا في التصدي لظاهرة الهجوم على التحكيم والتصدي له وإعادة الثقة للحكم والصافرة ليده، ولكن هذا لم يحدث للأسف حتى الآن، ولسوء الحظ فإن المواجهة بين منتقدي التحكيم ولجنة الحكام حدثت في منتدى كان يجب ان يكون هو آخر هذه الأبواب التي يجب ان تطرقها اللجنة ألا وهو منتدى الإعلام المرئي والمقروء.. كان من الأجدر بلجنة الحكام الدعوة إلى عقد عدة لقاءات وحوارات مختلفة تستضيفها اللجنة بالاتحاد وتناقش من خلالها هذه القضية بدلا من المشاركة في برنامج صافرة.. بل كان يجب على اللجنة مقاطعة المشاركة في هذا البرنامج في صورته الحالية وعدم السماح لأي حكم بالمشاركة فيه، وفي نفس الوقت تقديم التوجيه والتدريب المطلوب وتوفير الدعم المعرفي والتطبيقي المتواصل لتطوير الحكام والاستعانة بالخبرات التحكيمية سواء من داخل المملكة أو خارجها لتحقيق ذلك.. كما ان اتحاد اللعبة كان ينبغي عليه مواجهة الحملة الانتقادية على الحكام بقوة وبصرامة منذ البداية وفرض عقوبات على الأندية تتناسب مع حجم الممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعض رؤساء الأندية الرياضية وأعضاء إداراتها خاصة الخارجة عن الروح الرياضية والتي تمس الحكم وذاته كإنسان ومواطن وتشكك في ذمته وكرامته وشرفه.
فالتحكيم مهنة لا تختلف عن أي مهنة أخرى في أي مجال من مجالات الحياة المختلفة كالتعليم أو الصحة أو الأمن أو غيرها من المهن الأخرى، ويجب احترام هذه المهنة وتقدير العاملين بها وطرح الثقة بهم والتصدي لهذه الحملة ولن يتحقق ذلك إلا بايقاف برنامج صافرة الحكم اولا واعادة تلك الصافرة ليد الحكم وسلطته.. فمن منا يرضى بأن يصور أثناء قيامه بعمله ويحلل سلوكه وينتقد ويوجه له اللوم والاتهامات وعدم القيام بالواجب وتأثير أخطائه سلباً على سلوك وأداء الآخرين وكل ذلك يبث مباشرة وعلى الهواء لجماهير مختلفة تضم في فئاتها الصغير والكبير والجاهل والعالم داخل الوطن أو خارجه.. فكيف نطالب بعد ذلك كله الحكم بالنجاح في تحكيم المباريات المحلية وكيف نقنع مواطني الدول الأخرى بأهلية وكفاءة حكامنا وقدرتهم على إدارة المباريات المهمة والقوية ونحن أساساً لم نقتنع بهم كصناعة وطنية، وهل تعتقدون فعلاً أن الدول الأخرى التي نستعين بحكام منها ستستعين بحكامنا في المستقبل!! انني أشك في ذلك.
إنها تساؤلات كثيرة وكبيرة تدور في ذهني وذهن غيري خاصة حكامنا فهل نعيد الصافرة إلى أيديهم والثقة إلى نفوسهم والطمأنينة إلى قلوبهم.. إنهم منا ونحن منهم وانهم أبناء هذا الوطن المعطاء وهم قبل أي شيء اخوة لنا ونجاحهم نجاحنا وفشلهم فشل لنا جميعا ومن حقهم علينا دعمهم وتشجيعهم وتلمس العذر لهم ونصحهم، ولنا في التوجيه النبوي الشريف نبراس وهدي بذلك حيث قال صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف (انصر أخاك ظالماً أو مظلوما).
(*)قسم التربية البدنية وعلوم الحركة - جامعة الملك سعود
|