** بكيت مع الفتى الليبي الذي لاحق لجنة (سوبر ستار) في مصر فلم يلحق بها..
ثم سافر إلى سوريا لعله يلحق..
فلحق..
فتى عشريني.. أسمر الملامح.. عربي نحيل..
غنّى.. حين وقف بين يدي اللجنة..
وامتشق صوته وحزنه فاستحال إلى طفل حقيقي يرتبك أمام الكبار..
قالت له اللجنة: تخيل أن أسدا هجم عليك فكيف ستصرخ..
فصرخ.. ثم زأر..
وشق كل الحواجز.. فنجح..
فبكى.. أجهش العشريني بالبكاء.. ذاكرا رحلته وخيبته الأولى حين فاته الاختبار في مصر..
** لا أدري لماذا بكيت معه..
حزنا له.. أو فرحا له..
حزنا علينا ونحن نحتج كل يوم على برنامج جديد..
ولا أحد يسمع صوتنا..
لأنه يعلم أننا نشاهد.. ونتابع..
لأننا نحتج لكننا نتابع.. ولأن المعلن يعرف أننا نتابع فهو يقدم إعلاناته بأرقامها الفلكية للبرامج التي نحتج عليها ونتأزم منها ونصرخ عليها..
لأنه متأكد أننا لا نتابع إلا البرامج التي تستفزنا وتغضبنا وتتقاطع مع قناعاتنا..
إننا نصرخ ضدها ونحن الذين أبقيناها بمتابعتنا وصراخنا العالي الذي جعل النائمين يستيقظون ليشاهدوا..
جعل الذين تركوا التلفزيون وقنواته (الفاضية) يعودون إليه ليشاهدوا ما يصرخ الناس من أجله..
ثم تجدهم أكثر الناس متابعة.. وأكثرهم صراخاً.
** بكيت كأم..
تخيلت فرحة أبنائي وولعهم بالنجاح..
تخيلت خيبات الإنسان وشعوره بأنه أخيرا انتشل نفسه منها..
** ليس غريباً أن أبكي..
فدموعي قريبة جدا..
أبكي حين أرى عامل النظافة يحمل الأوساخ من تحت أقدام محشورة بأحذية لامعة يدهس أصحابها على أصابعه دون أن يلتفتوا أو حتى يشعروا بوجوده!
** أبكي حين أرى امرأة قاربت على الاختلال العقلي.. أجدها تهذي وتهذي بعد أن كانت أكثر النساء عقلا واتزانا..
حين خذلها زوجها..
ليس حين تزوج عليها.. بل لأنه تزوج وظلم وجحد وابتلع كل سنوات العمر الجميل في جوفه ومضى يتجشأ أيامه الباقيات برفقة أخرى.. فتترك الخيبات جرحا غائرا ليس في القلب فقط بل وفي العقل!
** أنا لا أنكر أنني قريبة الدمع..
لكن أن أبكي مع هذا الشاب الليبي الذي بشره أعضاء اللجنة بأنه سيتبارى مع المتبارين في بيروت لنيل لقب سوبر ستار..
هل هو التأثير الإعلامي الذي يسترق اللحظات الإنسانية العالية فيستلب منك تعاطفك..؟
أم أنه طعم النجاح مجردا من أي شيء آخر..؟
أم أنه العطف على شباب يلاحقون بضراوة كل ما من شأنه أن يمنحهم بطاقة الاعتراف بذواتهم المشتتة.. إذ ليس في واقعهم العربي السياسي والاقتصادي والثقافي ما يلملم شتاتهم.
|