اعتاد الرَّاغبون في إجراء حوارات صحفية بهدف الحصول على جديد يمكِّنهم من تحقيق الأوَّلية في عملهم أن يعمدوا إلى الخفايا في شخصية من يقيمون معهم حواراتهم...
والخفايا التي يعمدون التَّنقيب فيها، قد لا تكون جاهزة لأن تندلق بمجرد أن يكون السؤال مباشرة...، فطريقة تقديم السؤال دالَّة الذكاء...، ولئن كان أخذ الحقائق، واعتماد القول من أول شروطهما المهنية أن يكون مصدرهما الشَّخص ذاته مقصد الحوار، فإنَّ الإنسان جُبِل على إخفاء تفاصيل قد يُدرك الصحفي أهمِّيتها، أكثر ممَّا يوليها صاحبها هذه الأهمية. لذلك كثيراً ما وُجد من يردِّد عبارات الدَّهشة وهو يقرأ حواراً يثير الإعجاب في نفسه، ويجده وهو يقرأه كأنَّما يرتشف حروفه كوباً من أشهى ما يحب أن يرتشف...
إنَّ فنَّ طرح السؤال يقود إلى فنَّ صياغة الإجابة، ويبقى هنا دور الصحفي في إخراج أجمل ما تملك الشخصية محور اللَّقاء من كنوز قدراتها تلك التي أهَّلتْها لأن تكون المحور.
فالحوارات الصحفية مهمَّة ليست عابرة بالنِّسبة للصحافة الناجحة، لذلك وجدنا في كبريات الصحف العالمية أن تسند (مهمَّة) إجراء الحوارات مع الشخصيات البارزة إلى الشخصيات المتمرِّسة ذات الخبرة والتي لديها قدرة على الغوص في أغوار الشخصية ومن ثمَّ صياغة ما تخرجه في قوالب لغوية جاذبة ولافتة مع الحرص على أن تكون في الحوارات محصَّلات معرفيَّة تكشف عن جوانب في مجال (مهارات) هذه الشخصية إن كانت في مجال العلم أو الاقتصاد أو السياسة أو الفن أو الأدب.
والملاحظ فيما تقدمه الصحافة مع موجة انتشار (التغذية) الاستهلاكية السريعة أن انتشرت الحوارات على مستوى ما تقدِّمه المطاعم الفورية من حيث عدم اختيار الشخصيات ذات الأثر أو البعد في مجموعة من يمكن تخصيصه بالحوار، ومن حيث مستوى ما يقدَّم من الأسئلة، ومن حيث أسلوب العرض ومدى إجادته في جذب انتباه القارئ. وأخيراً فإنَّ كثيراً من الحوارات تُجرى ولا تُفيد، ولا تعدو أن تكون تعبئة فراغ، وهدر وقت.
إنَّ العمل الصحفي المهني يحتاج إلى مهارة، ودُرْبة، وكلتاهما لابدَّ أن تخضعا لعامل الزَّمن من جهة، ولوجود مسؤولين يحتضنون الصّحفي ويوجّهونه ويعرِّضونه لصقل تجربته، فالمران والتوجيه، والصبر. فالعمل في مهنة النَّور ليس يعتمد على تنظير مقاعد الدراسة.. تلك مهمَّة التجربة العملية والمواجهة المستديمة. ولعلَّنا إن أتحنا فرصاً لفتح ملفات المهنة الصحفية لما وجدنا وقتاً يكفينا كي نقلِّب أوراقها الأولى.. فكيف جميعها؟!
| 
