Saturday 3rd April,200411510العددالسبت 13 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سحابة حنان للمعوقين «1-2» سحابة حنان للمعوقين «1-2»
ناهد بنت أنور التادفي/عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال- عضو جمعية الأطفال المعوقين

في طريقنا للبحث في هذا الموضوع الذي بات موضوعاً عاماً ويلقى اهتماماً من الأفراد والمؤسسات في أكثر دول العالم، ومن أجله تقوم دراسات وبحوث، وتصرف أموال وجهود، ومواصلة بحث عن طرائق مساعدة.. كلها في سبيل تقديم خدمة وتكريس فكرة مؤداها ان المعوق فرد من أفراد المجتمع، له حقوق علينا، ومن أولويات حقوقه علينا ومن واجباتنا الإنسانية ان نعمل على تأهيله لدخول المجتمع دخولاً إيجابياً.
من هذا المنطلق المبدئي نستطيع ان ندرك وان نفهم وان نعطي القيمة للمساعي الحميدة التي يقود خطاها الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي كان السباق وأول من اهتم وقدر، بل وباشر العمل على خطوط متعددة كلها لخير وصلاح المعوق، وعمل على إنشاء كثير من المؤسسات الراعية والقادرة على التأهيل.
ومما لا شك فيه ان الجميع بات يدرك ان حالات الاعاقات كثرت، وتنوعت أشكالها وتسمياتها، وازداد عدد المعاقين في العالم حتى بلغ 500 مليون معوق، خمسهم تقريباً في بلاد العرب والمسلمين، علماً أن الاحصائيات في الدول النامية ليست دقيقة، لانتشار الاعاقة في الأرياف النائية التي قل ان تدرج في الاحصاءات الرسمية، بل لعدم جدية ودقة هذه الاحصاءات غالباً حتى في المناطق التي تشملها، أو لأسباب تتعلق بالحروب والعدوان.
(الدكتور ميشال ريفير) استاذ الطب الفيزيائي وإعادة التأهيل في باريس، يرى ان هناك عشرات الآلاف من المعوقين في فلسطين المحتلة نتيجة حرب (شارون) ضد التجمعات السكانية الفلسطينية، ويضرب أمثلة على ذلك بفتيان أو فتيات أصيبوا في مناطق أثرت في الدماغ، وعطلت عمل العضلات، ويشير إلى أنه لا يستطيع أن يعطي رقماً محدداً في هذا الصدد، فعشرات الألوف الذين دخلوا المشافي العامة، ليس لهم إلا مشفى صغير لا يتسع لأكثر من 45 سريراً في غزة لإعادة التأهيل، فيما ذكرت دراسات أخرى أن مجموعات من هؤلاء المعوقين الفلسطينيين شملتهم حملة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للرعاية الاجتماعية والتثقيف الصحي والتأهيلي التي أطلقت العنان لليد الحانية لتقضي على المعاناة، مع تجاوز كل الحدود المصطنعة، وكذلك في السودان حيث لا تتمكن أي جهة من تقديم احصاءات دقيقة عن اعداد المعوقين بسبب الحرب الدائرة في جنوبه منذ سنوات طويلة، ودون شك ان أريافه المنتشرة على رقعة واسعة يشملها الفقر والحرب مستعصية على أي احصاء، وفي اليمن التي يبلغ تعداد المعوقين فيها 78461 من واقع تعداد 1994 لا يمكن حصر هذا التعداد اليوم في تلك الأرياف المتباعدة والمناطق الجبلية القبلية التي أصبحت بؤرة للمتشددين، وربما أصبحت منبتا للإرهاب.
كان العالم كله، وبخاصة عالمنا العربي والإسلامي، ينظر إلى المعوقين نظرة المحسن التي تغص بالشفقة، فتستدعي الشفقة، وفي جانب آخر منها، كانت نظرة الساخر وبخاصة لأصحاب العاهات الخلقية، سواء في المدارس أو الاحياء الشعبية أو الأرياف، وفي أحسن الأحوال كنت تجد جمعية خيرية تعنى بشؤون الصم والبكم، أو فاقدي البصر تؤسس مدرسة لتأهيل هؤلاء المعوقين، كما كان الحال عليه في سورية مثلاً قبيل منتصف القرن الماضي.
ونذكر على سبيل المثال تلك النماذج المعروفة في الوطن العربي والإسلامي التي كانت تتجول في الشوارع مستجدية المارة، أو متخذة من أبواب المساجد ملاذاً لها تستدر بعاهاتها أو إعاقاتها شفقة المصلين، وربما تجدهم في أحسن الأحوال يترددون على تجمعات المناسبات يستجدون فينالون وجبة طعام أو بعض دراهم، وقد صور الأدب نماذج من الشخصيات المعوقة التي عرفتها بعض العواصم العربية والإسلامية، واشتهرت في مجتمعاتها، وهذا موجود في الغرب أيضاً كذلك، وربما أصبح أحدب نوتردام أشهر شخصية في فرنسا في القرن الثامن عشر والقرن الذي تلاه، وكان هدف الروائيين العرب والمسلمين لفت نظر المجتمع إلى أصحاب الإعاقات وضرورة مساعدتهم، وربما تكون الصور التي قدمها الروائي نجيب محفوظ عن صنع الإعاقات من أجل الاستجداء من أطرف ما قدمه الأدب العربي والتي يمكن ان تبين من جانب آخر تعاطف المجتمع مع أصحاب الاعاقات، ولكنه تعاطف المحسن تستدعيه الشفقة.
وقد برزت شخصيات معوقة لعبت دوراً خطيراً في أحداث معينة، مما دعا الخبرة الشعبية لاطلاق المثل (كل ذي عاهة جبار) ولكن هذا المثل نفسه يحمل في طياته أيضاً دلالة على القوة الإضافية التي وهبها الخالق سبحانه للمعوق تعويضاً عن فقدان حاسة ما يتمتع بها حتى يستمر في الحياة. والصورة التي لا تفارق مخيلتي منذ الطفولة، هي صورة ذاك المعوق جسدياً وذهنياً ونفسياً كان يتجول في الحي الذي أقطنه قديماً، والذي أطلق عليه أهل الحي (المبروك) فكان الكبار يذهبون إليه بالمال والطعام تكفيراً لمعاملة أبنائهم السيئة التي كانت تثيره، فيغضب، ويسيل اللعاب من فمه، فيهتز جسده، مما يثير ضحكهم وعبثهم، ولكنه كان يمضي إلى بوابة مسجد الحي، ويرفع صوته المتهدج المتقطع بالدعاء عليهم، فيسارع الأهل، كما ذكرت، لكسب رضاه بما تجود به أنفسهم أو إمكاناتهم المتواضعة.
في هذا القرن أصبحنا نسمع حديثاً آخر، ووجهاً مختلفا كلياً، كما نرى صوراً لا تمتّ إلى ذلك الماضي بشيء، فقد أطلقت الأمم المتحدة، والمجتمعات المتقدمة، والهيئات المدنية والمعنية بحقوق الإنسان قوانين ومبادرات وحملات ترسم خططاً للرعاية الاجتماعية والتثقيف الصحي والتأهيلي، ودمج الأطفال المعوقين بالمجتمع، وفي هذا الصدد نجد مثلاً ان حملات تلقيح الأطفال ضد الشلل، أصبحت وقاية لمنع الإعاقة أصلا، وفي المملكة العربية السعودية، حظي المعوق بمعاملة إنسانية متميزة، بسبب الوعي الديني لدى المجتمع الذي يتعامل مع المعوق على أساس ابتغاء الثواب والأجر والمعاملة الحسنة التي تفرضها تعاليم الدين الإسلامي، كما ان الدولة وفرت للمعوق، بالإضافة إلى التعليم والتأهيل، المتعة الرياضية بالمشاركة في ألعاب القوى والأولمبياد الخاص، وإنها لعمري فرصة لا تسنح لكثير من السليمين في مجتمعات أخرى مشابهة، وقد شملت تلك الألعاب والأولمبياد الخاص ذوي الاعاقات الذهنية، بل ذوي الاعاقات المتعددة (ذهنية وشلل دماغي، أو حركية وذهنية، أو حركية وبصرية، أو حركية وذهنية...الخ).
وفي النطاق العربي تجري الاستعدادات على قدم وساق لإقامة مؤتمر عربي إقليمي بشأن المعايير المتعلقة بالتنمية وحقوق الأشخاص ذوي الاعاقات والذي سيعقد في بيروت بين 27-29أيار مايو القادم 2004 . ويستدعينا المقام ان نذكر بكثير من العرفان الرعاية اللائقة والتوجيه الدائم والمتابعة التي لا تهدأ التي يعطيها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز من وقته وجهده وماله وحنانه، فهو المشعل الذي يضيء دروب المعرفة أمام خطوات الجميع، ومن حقه علينا ان نقدر بالوفاء والولاء جليل أعماله، فهو بحق امير الرحمة وسحابة الخير التي تظلل كل صاحب حاجة.

الرياض - فاكس 014803452


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved