Saturday 3rd April,200411510العددالسبت 13 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المنشود المنشود
عباءة الوزير!!
رقية الهويريني

وجهها يوحي بسنٍّ أكبر من السن الحقيقي لصاحبته.. فهو مشوب بحزن نبيل تعلوه ابتسامةٌ تليق بمسمى وظيفتها!!
هي ممرضة في أحد المراكز الصحية الذي اعتاد أن يبعثَ واحدةً من الطبيبات وممرضة لمدارس البنات لإلقاء محاضرات توعوية للتلميذات.. تتطلب الممرضة معلومات عن إعداد التلميذات، والأمراض المنتشرة بين الصغيرات وتُسجل تلك المعلومة في ورقةٍ رسمية أحضرتها معها..
شكرت الممرضة وكيلة المدرسة واعتذرت لها عن استخدامها مكتبها.. وبعد أن أنهت مهمتها قدمتْ لها الوكيلة فنجاناً من القهوة تعبيراً عن الضيافة المعهودة، وأثنت على نشاط الممرضة التي بادلتها بابتسامةٍ أشرقت من ذلك الوجه الحزين! وقالت: هذا النشاط مصاحب للعمل الصباحي، أما المسائي فعسى أن يتوبَ علينا الله!!
وحين استفسرت الوكيلة عن مغزى كلامها، تحدثت الممرضةُ عن معاناتها وبعضِ زميلاتها المتزوجات من الدوام المسائي! فدورها في الحياة ليست ممرضة فحسب، بل إنها تقوم بدور الأم والأب في الأسرة، وذلك بعد وفاة زوجها منذ عدة سنوات، وقد ترك لها ثلاثةَ أبناء أكبرهم يبلغ الآن ثلاثة عشر عاماً، وأصغرهم في الصف الأول الابتدائي، وحين كانوا صغاراً كانت تستعينُ بمربية ترعاهم بعد أن تغلقَ عليهم بابَ المنزل حتى عودتها بعد المغرب! تستأنف حديثها.. أما الآن وقد كبروا فلا أستطيعُ إغلاقَ باب البيتِ عليهم، بل إنني أحرصُ على أن يؤدي ابني صلاتي العصرِ والمغرب جماعة في المسجد القريب من مسكننا، واستدركت لتقول: حقيقة لستُ أدري ماذا يحدثُ بين الصلاتين! فالشباب في هذه السن يحتاجون لملاحظة دائمةٍ وحث مستمر على المذاكرة وعدم إضاعة الوقت. نعم، لقد تمكنت - بعون من الله - أن يكون أبنائي متفوقين، ولكن لستُ أدري هل أستطيعُ المواصلة أم سأضطر للتوقف؟!
في كل يوم دراسي قبل أن أذهب إلى عملي أقوم بإيصالهم إلى مدارسهم، وأحضرُ في وقتٍ باكرٍ لعملي، قبل بداية الدوام الرسمي للمركز، وأبقى في العمل إلى ما بعد نهاية الدوام، أنتظر خروج أبنائي لاصطحابهم للمنزل. ثم أستأنف العمل المسائي الذي كان يناسبني في وقت ما، إلا أنني وزميلاتي المتزوجات ممن لديهن اطفال لا يناسبنا نظام الفترتين مطلقاً.
أشعر أن هناك شيئا ما.. يقلقني ويؤثر على مستوى أدائي للعمل، فابني المراهق لا أعلم ماذا يفعلُ أثناء غيابي، وحين أعودُ مجهدة تبدأ مشاركتي لهم وهم يستعدون للعشاء والنوم ويتوجهون لغرفِ نومهم!! فأهدهد الصغيرَ، وأنصحَ الكبيرَ، وأروي الحكايةَ للأوسط الأثير، الذي يأبى النومَ إلى حين يحتضن يدي.. وتعود بي الذكريات حين شجعني زوجي - رحمه الله - على الدراسة في الكلية الصحية، وذلك بعد أن لمس في شخصيتي جانبَ العطف والرحمة بالضعفاء، ولما تخرجتُ رأيتُ أن أعملَ في المركز الصحي وسط نطاقٍ نسائي، وكنت أشعر بالمتعة سيما أنني أحببتُ عملي وأحسستُ بالانتماء للمكان والزميلات اللاتي شاركنني المتعة في أدائه، خصوصاً العمل المسائي الذي أعودُ منه وفي جعبتي بعض المواقف الطريفة التي أُحدِّثُ زوجي عنها، ويشاركني حماسي بتشجيعه الدائم لي وحثي على بذل الجهد والإخلاص في أداء العمل، حيث كان هذا مسلكه في عمله. ولم أكن أشعرُ بالمعاناة من الدوام المسائي إلا بعد أن أصبح لديّ أبناءٌ بحاجةٍ إلى الرعاية ومتابعة تحصيلهم الدراسي.
حقاً إنني ما زلتُ أحبُّ عملي ولكن ينتابني الضيقُ والقلق وأحياناً الندم على الاتجاه لعملٍ محددٍ كالتمريض بسببِ نظامِ الفترتين، وأفكر بالانتقال إلى عملٍ كتابي، أو مراقبة في مدرسة، أحضرُ صباحاً وأنصرف في الظهيرة حتى ولو فقدت جزءا من مرتبي ومميزاته!! هذا إذا لم يُعدَّل الدوام ولو لفئةٍ من الموظفات ليتزامن مع دوام المدارس. وهذا الأمر مشترك بين موظفات المراكز الصحية ممن لديهن أبناء ويعملن في الصباح والمساء، سواء طبيبات أو ممرضات! وتنتفي المعاناة ممن ليس لديهن أطفال حيثُ يجدن نفسَ المتعة التي كنت أجدها قبل أن أرزق بأطفال.
فهل تَتْرك هذه الممرضةُ عملها وهي تشعر بالانتماء له؟؟ وهي (العصامية) التي تكسبُ بيدها اليمنى وتُهدهدُ أولادها بيدها اليسرى، وتدفع عجلة الوطن بسواعدها الأمينةِ المخلصةِ؟! ولو انتقلتْ إلى دائرةٍ أخرى.. ألن يخسرَ الوطنُ إحدى الأجنحة التي تُحلقُ به نحو النماء والبناء؟!!
ألا يمكن أن يمنحَ الوطنُ لهذه الممرضةِ وزميلاتها الاستقرارَ، ولأبنائها الأمانَ والدفءَ في أحضانِ والدتهم لتقيهم صقيعَ الحوادثِ وهبوبَ رياح الأيام؟!
فهل يتكرم معالي وزير الصحة ويُضفي عباءة حنانه على هؤلاء الأطفال وأمثالهم لينعموا بالدفء وحرارة المشاعر مع والدتهم مساء، ويحتسوا من هذا المعين الذي لا ينضب، والذي أجزم أن معاليه - وهو كبير - يجتاحه الحنين للعودة لأحضانِ والدته الدافئة! فكيف بأولادِ ذواتِ الدوامين؟!!

ص.ب: 260564/الرياض: 11342


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved