التكامل الاقتصادي العربي جدير بأن يقدم للوطن العربي منظومتين من الخيارات التي تؤثر على آفاقه التنموية كما رصدت ذلك دراسة قدمت للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الاولى تعزيز القوة التفاوضية للعرب وموقعهم ضمن التكتلات الإقليمية والكبرى الأخرى التي لا تنتمي لعضويتها، وفي هذا المجال فإن أي مجهود مستقبلياً لتصور التكامل الاقتصادي العربي يجب أن يتحرى إجابات واضحة على عدة اسئلة قبل تشكيل بنيته وأهدافه، منها هل سيساعد التكتل العربي في تحقيق القدرة التنافسية والوصول إلى الأسواق الخارجية، وهل سيزداد أم سيتقلص ذلك الوصول، وهل سيتم فقدان مزايا، وما هي حسابات التكلفة والعائد لذلك، وكيف يمكن للعرب أن يحافظوا على مصالحهم الاقتصادية، وكيف يمكن أن يتبعوا سياسات اجتماعية مصاحبة للسياسات الاقتصادية ضماناً لعنصر التوزيع، وماهي أهداف وآليات قيام سوق عربية مشتركة؟ وما هي عناصر التكامل الاقتصادي العربي، وكيف تتحدد القيم الاستعمالية للاصول بين الدول العربية في مشروع التكامل؟ والمنظومة الثانية كما تصنفها الدراسة أن الكتلة العربية في حال قيامها واندماجها اقتصادياً تستطيع أن تتوجّه وبثقة للتكامل مع التكتلات الإقليمية المماثلة من البلدان النامية وإيجاد تكامل غير اقليمي مع تحليل التكاليف والعوائد المترتبة على ذلك، وفي مثل هذه الصيغ للتعاون يتبادر إلى الذهن التساؤل التالي: هل مثل هذا التكامل يوفر بديلاً للروابط التجارية الدولية أم يكون مكملاً لها؟! ولهذا فإنه يتوجب التسليم بأن البلدان العربية كي تمتلك وعياً تاريخياً في التخطيط المستقبلي لمجتمعاتها لا يجوز لها ان تتغافل عما يجري من ترتيبات اقتصادية دولية وتطورات في تشكيل وتوسع التكتلات الاقليمية الكبرى دون أن تبادر الى انشاء تكتلها الاقتصادي القومي وتعزز ترابطاتها التي سيكون لها بالغ الأثر على التجارة والاستثمار ونقل التقنيات.
وتقرر الدراسة ان العمل على احداث تكتلات اقليمية فاعلة للبلدان النامية هو الرد العملي والصحيح على تدويل الاقتصاد وذلك هو المنطق الذي يفهمه الغرب المصنع ويستعد له، فالنظام الاقتصادي العالمي سوف لن يتعامل مع تكتلات يقل سكانها عن مئة مليون.
وهذا ما يجب أن يفهمه الوطن العربي واحداث تكتل اقليمي أعضاؤه يحظون بأفضليات لأسواق البعض الآخر مقارنة بغير الأعضاء وعليه فإن القوى الاقتصادية التي لا تتمتع بالعضوية ستتعرض إلى تآكل نسبي في حظها للوصول الى تلك الأسواق مالم توافق على التفاوض من أجل الوصول إلى اتفاقات تخدم المصالح الاقتصادية المشتركة للأطراف المختلفة شمالاً وجنوباً.
وتضع الدراسة تصوراً لأهم المنافع للتكامل الاقتصادي العربي كما وصفها احد الخبراء الذين ساهموا في وضعها في إطار العمل الاقتصادي العربي المشترك هو ذلك التأثير الدينامي الذي يتجلى من خلال تسهيل نمو هياكل أكثر كفاءة وقدرة تنافسية والذي يتأتى بالحسابات الاقتصادية كنتيجة لأثر وفورات الحجم والتنافس.
ويمكن أن يقود التكامل الاقتصادي العربي إلى الوصول الى اسواق اقليمية أوسع سواء في افريقيا او آسيا، وبذلك تساهم في خلق قوة اقتصادية للبلدان من خلال توسيع الفرص الإنتاجية والتسويقية لمنتجات تلك البلدان واستغلال وفورات الحجم ومن ثم تعظيم الكفاءة والإنتاجية وادخال معادلة جديدة في العلاقات الاقتصادية الدولية. إن منشآت الصناعات التحويلية في البلدان العربية والبلدان النامية تعمل بجزء ضئيل من طاقتها الإنتاجية وبحسب الدراسة فإن ذلك يعود لضآلة اسواقها المحلية وعليه فإن كسر القيود وتحرير التجارة العربية وترابطاتها مع التجمعات الإقليمية الأخرى سوف يوفر فرصاً أفضل لتلك المنشآت من أجل الوصول إلى اسواق أوسع وبشروط أفضل مما هي عليه ومن ثم المساهمة في زيادة القدرة الانتفاعية التي تساعد في زيادة كفاءة الإنتاج، فالأسواق الأوسع تكون عادة اكثر طمأنة للاستثمارات المحلية والخارجية مقارنة بالأسواق الصغيرة. وعلى الله الاتكال.
|