بلا تردد
همهمات مطر الربيع
هدى بنت فهد المعجل

فنجان قهوتي المحببة لدي عن يميني..
رواية (وجهة البوصلة) للمبدعة (نورة الغامدي) بين يدي..
والساعة تشير إلى ال1.55 فجراً حينما سمعت همهمات حبات المطر في الأعلى..
دقائق لم تتجاوز الخمس وتوقف صوت الهمهمات.
اعتقدت أني واهمة! نظرت من خلال النافذة فتيقنت أنه المطر.
مطر.. مطر.. مطر.. حسب قصيدة الشاعر (أمل دنقل) أنشودة المطر والتي شدا بها (محمد عبده).
هل أتى ليودعنا بوداع الشتاء لنا؟
أم جاء ليحيي القلوب الموات؟
الفلكي (جبر بن صالح الدوسري) صرح بأن السبت 29 محرم بداية فصل الربيع، إذاً فحبات المطر المتسابقة تلك أرسلها الله مع بداية فصل الربيع لنا تطرق الأبواب مستأذنة في المجيء.
لم يحبذ اقتحامنا على حين غرة!!
منذ متى كان قدوم الربيع اقتحاماً؟.. ونحن له منتظرون لتزدهر الأماني في أفئدتنا..
ويورق الأمل في صدورنا.. وتخضّر الحياة في ناظرينا فيعبق الجو بشذا الفل والجوري والريحان والكادي.. وتهب الأشجار واقفة بهمة وحيوية ونشاط الشباب، وثبات الشيخ المفعم قلبه بالحب والطهر والنقاء.
***
مطر.. مطر.. مطر
صوت اجتاز صلابة سقف الغرفة.
همهمات المطر..
حديث المطر..
صوت الشجي يأتيني في ساعة خلوة متجاوزاً صلابة سقف الغرفة لإدراكه بأني إلى المطر أتوق.. وأستعيد في ذاكرتي قصيدة الأمير (بدر بن عبدالمحسن):
يا طفلة تحت المطر
تركض وأنا أتبعها بنظر
تركض تبي الباب البعيد
تضحك على الثوب الجديد
تبتل.. وابتل الشعر
الأرض بالمطر ستبتل فيفصح وجه المزارع عن ابتسامة فرح ورضا وهو يحمد الله.
المنازل بالمطر ستغتسل فيبدو لنا الجدار الأنظف، والسور الأجمل.
حبات المطر فوق الشوارع تدحرجت وبللت إطار المركبات لتصبح أشد سواداً وأكثر لمعاناً.
***
مطر.. مطر.. مطر تساقط لدقائق معدودة لا تتجاوز الخمس.. سحابة مرت من هنا.. أعلى سقف غرفتي فسقت الأرض العطشى.. وتركت بقعة لطير يبحث عن ماء يسد بها ظمأه ويبلل ريقه، وريق صغاره وظمأهم.
مطر صيف.. حبيبي شوفه مطر صيف
على الكيف.. متى ما هو يبي جاني على الكيف
هكذا هو المطر.. قلما ينبئنا بمقدمه..
ونجهل مدة غيابه، وفترة مكوثه.. فنستجديه بصلاة الاستسقاء.. وطلب السقيا من الله.
السقيا لكل ذات كبد رطبة.
السقيا لكل شجر وثمر.
السقيا لكل أرض وحجر.
السقيا للجميع.. حيث الكل للمطر يترقب.. وله يتوق.. وبه يفرح ويستأنس ويستبشر.
فبه يحيي الله الأرض بعد موتها، بعد أن جعل من الماء كل شيء حي.. سبحانه منزل من المعصرات ماء ثجاجاً، ليخرج به حباً ونباتاً، وجنات ألفافاً، ويدع للجو رائحة عبقة تشهد بأن المطر مر من هنا. يكون الجو في الخارج قارصاً لشدة برودته فينزل الغيث/ المطر ليغيث البشر ويلطف البرودة ويلقي في قلبه (الحنان) لأجلنا فنقول هاهو الربيع قد أتى.. محرضاً ذاكرة المرحلة الدراسية.. والكرسي والطاولة.. والسبورة وقد كتبت عليها المعلمة:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً
من الحسن حتى كاد أن يتكلما
وقد نبه (النيروز) في غسق الدجى
أوائل وردٍ كنّ بالأمسِ نوّما
لم أكن نائمة حينما شدا المطر بمعزوفته البكر في الخارج، لكنه أيقظ قلمي المضطجع أمامي، وحرّض ذاكرتي الساكنة على استرجاع أبيات شعرٍ تحاكي الربيع ومطر الربيع وورد الربيع.
مجيء الربيع سيمنح الذاكرة صفة التجدد بعد أن تغتسل في مطره، حيث لن نحتفل بمهرجان ربيع دائم ما لم يعاود المطر همهماته وزخاته من جديد ولكن ليس لدقائق.. بل لساعات وأيام وشهور.
خاتمة المطاف
بحسب ما جاء عن الفلكي (جبر بن صالح الدوسري) فإن فصل ربيع هذا العام 1425هـ قد دخل يوم السبت 29 محرم الساعة التاسعة و49 دقيقة صباحاً، وأول أيام الربيع يسمى (النيروز) باللغة الفارسية (ذو روز) ومعناه اليوم الجديد، وسيمكث فصل الربيع 92 يوماً و18 ساعة و8 دقائق.