Wednesday 24th March,200411500العددالاربعاء 3 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مركاز مركاز
رجل مديد القامة
حسين علي حسين

ان أصبح عبدالرحمن منيف ملء السمع والبصر في كل الصحف المحلية، فهناك من ينادي بتكريمه، أو إطلاق اسمه على أحد الشوارع، وهناك دعوات بإعادة الجنسية لأبنائه، بل ان هناك العديد من أبناء القرى، كل منهم يريد ان يثبت أن عائلة المنيف شرقت وغربت، انطلاقاً من قريتهم!
لم يسأل أحد لماذا كان عبدالرحمن منيف يرد الدعوات التي كانت توجه إليه، لاستعادة جنسيته، أو لحضور بعض المناسبات الثقافية، بل ان عبدالرحمن منيف كان يقول بأن والدته عراقية، وكل متابع يعرف ان والدته ابنة لأحد أفراد العقيلات الذين انطلقوا من نجد إلى العراق، بل ان عائلة والدته مازال الكثير منهم في المملكة حتى الآن، إضافة إلى عائلة المنيف نفسها، وهي عائلة فاضلة اتسم العديد من ابنائها بحب العلم والثقافة.
هذه الإشارات المهذبة من عبدالرحمن المنيف، كان ينبغي احترامها وعدم النقر على أصوله أوالمطالبة بأن يعلن عنها في أحاديثه ومؤلفاته خاصة ان المنيف ظل على الدوام كاتباً يحترم نفسه وقلمه، فهو الوحيد الذي عف عن التكسب بقلمه، فلم يكتب - على حد علمي- مهاجماً أو مندداً بالمملكة العربية السعودية، رغم ان القيادة القومية لحزب البعث التي انتمى إليها عبدالرحمن المنيف ردحاً من الزمن، كان من بين طموحاتها او سياساتها القضاء على جميع الأنظمة العربية -وليس الملكية فقط- ليحق لها التربع على امبراطورية قمعية توسعية، رأينا وسمعنا عينة عشوائية منها، في العراق وفي غير بلد عربي حيث التسلط وغياب العدل والحضور الدائم للقمع! بل ان عبدالرحمن منيف حتى وفاته -على حد علمنا- لم يحصل لا على الجنسية الأردنية أو العراقية أو السورية وكان ذلك متاحاً أمامه لو أراد لما عرف عنه من زهد في هذه القطرية التي لاتتلاءم وحسه القومي العربي.
عبدالرحمن منيف عندما خطط ونفذ صدام حسين هجومه الضاري على إيران -الذي استمر ثماني سنوات متواصلة- ضب عفشه وغادر العراق، التي أحب إلى غير رجعة حيث استقر في باريس لأكثر من سبع سنوات في رسالة واضحة لرفضه حرب صدام القذرة ضد دولة اسلامية مناصرة للقضايا القومية العربية وعلى رأسها قضية فلطسين لقد ترك عبدالرحمن منيف عند المغادرة رئاسة تحرير مجلة النفط والتنمية وترك المزايا والمخصصات التي كان يحصل عليها مقابل ألا يلوث اسمه أو يضطر لتأييد تلك الحرب بأي صورة من الصور كما حصل لاحقا من عشرات ان لم نقل المئات من الكتاب العرب الذين قاموا بأكبر عملية نصب وتزوير وتشويه مدفوعة الثمن لحساب صدام حسين حينذاك كان عبدالرحمن يعيش في باريس ينسج بصمت ما تبقى من سجادته الروائية الضخمة!
أما في دمشق حيث حل بعد عودته من باريس فقد استمر في بناء مشروعه ليخرج العديد من الروايات المؤثرة أبرزها أرض السواد هذه الرواية، التي أرادها منيف تحية لوطن عاش فيه وأحبه، وأحب أهله، وختم حياته بكتاب عن العراق جمع فيه بعضاً من مقالاته، التي كتبها انطلاقاً من مرجعاته للكتب والدوريات، التي تتحدث عن الفترة التي تولى فيها داود باشا الحكم في العراق، وكان هذا الكتاب أشبه بوصية أو دين كان لابد من تسديده للعراق.. عراق الناس والأرض والماء والسماء، وليس عراق صدام وجلاوزته!
لقد حيا عبدالرحمن منيف بطريقته الخاصة كل بلد ولد أو أقام أو درس فيه فأصدر روايات، وكتبا تتحدث عن العراق والأردن وسوريا والجزيرة العربية، إنه كاتب قومي عربي هو الكاتب الوحيد الذي تجسدت الوحدة في أرومته على نحو مدهش، وحدة عربية، صلبة وقوية ومتماسكة فالأب من نجد والأم ولدت لعائلة نجدية في العراق، وهو ولد وعاش بعض حياته في الأردن، درس في سوريا ومصر، وعاش وعمل في العراق وسوريا، وهو متزوج من سيدة سورية منذ أكثر من ثلاثين عاماً!
لقد قرأت لمنيف مبكراً، بدءا من الأشجار واغتيال مرزوق التي صدرت في بداية السبعينات الميلادية وحتى شرق المتوسط وقصة حب مجوسية ومدن الملح وسباق المسافات الطويلة وأرض السواد ولم يخامرني الشك في أي لحظة أن منيف كاتب خليجي كنت أنظر إليه على أنه كاتب عربي وكفى، كاتب ركزت رسالته منذ البداية على إدانة العنف والأسر، وتمجيد الحب والبيئة والحوار ومداومة إقامة جسور من العودة بين الإنسان والصحراء والمدن الحجرية وربما كان انخراطه في حزب البعث الذي فارقه دون كلمة وداع، حالما أحس أنه ليس بوابة للتلاحم أو الوحدة بقدر ماهو بوابة كل من يدخل منها لايجد أمامه سوى.. الهاوية!!
وسوف يظل هذا الكاتب الكبير الذي يملك قدرة هائلة على السرد والبوح، ملازما لنا زمناً طويلا، بفعل عبارته المشرقة ومحبته للإنسان حراً وآمناً ومكتفياً، ومندداً بالعنف والسلب والكبت ومناديا بوحدة عربية تجنب هذه الأمة ما تلقاه منذ أكثر من نصف قرن، من ظلم وتعسف وسلب للخيرات ومصادرة للحريات، رغم انه يعرف، ونحن كذلك بأن الجميع ينفخون في قربة مخزوقة فحال العرب يتحمله العرب أولا وأخيرا... رحمه الله.. فقد كان من القلة، الذين احترموا أنفسهم، فاحترمه الناس... حياً وميتاً!

فاكس: 4533173


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved