اللغة العربية لغة جميلة والكتابة عنها أيضا فيها متعة وجمال.. فهي لغة واسعة ثرية تأسرك بأسلوبها وتشدك بجمال صياغة الجمل والعبارات وحسن مقاطعها وإيقاعها وهي كذلك لغة الإيجاز والإبداع.... الخ.
الكلام عن اللغة كثير وطويل ولا ينتهي لكن هذا ليس مقامه ولم نسق هذه الحروف من أجله وإنما هناك أمر آخر يهمنا نحن العرب والمسلمون جميعاً وهو ضعفنا بهذه اللغة وبعدنا عنها وغيابها عن أذهاننا وعدم تمكننا وتعمقنا بها.
اللغة العربية.. لغتنا، صنعتها وأبدعت فيها ألسنتنا لكنها الآن أصبحت لغة غريبة نجد صعوبة في فهمها وفك رموزها وطلاسمها بل أحياناً نحمل معنا القاموس المحيط والمعجم الوسيط لكي يعرّفنا ويقربنا اكثر من لغتنا فكأنها أصبحت الآن في وضعنا الحالي لغة أخرى معزولة عنا نتعلمها، نجري بحوثا جامعية عليها، نتفلسف حولها.. لكننا حقيقة لا نتكلمها ولا نعيشها ولا نعمل بها في سائر تقلباتنا الحياتية. إذاً ما سر جهلنا بلغتنا وغرابتها علينا وثقلها على ألسنتنا؟.. وبصياغة أخرى إلى من نرجع هذا الغياب وهذا الضعف باللغة؟.. إلينا نحن أم إلى هذه اللغة (المسكينة)..! الحقيقة أن اللغة ما فتئت سامقة شامخة، والقرآن الكريم ما انفك يحييها ويغذيها ويحفظها.. لتكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} والسنّة أيضا حفظت اللغة، وعلماؤنا الأفاضل بشروحهم وفقههم وتفسيرهم للقرآن والسنة واجتهاداتهم وآرائهم وأفكارهم، والأدباء والشعراء والكتاب والمفكرون كل هؤلاء اثروا المكتبة بنتاجهم وعطائهم اللغوي البليغ الفصيح ومازال مدد هؤلاء متصلاً وممتداً، وما برحت اللغة كل يوم تزداد وتتسع بينما نحن كل يوم نزداد جهلاً وبعداً عن اللغة.
إذا نحن المبعدون عن اللغة، المقصرون في حقها، نحن الضعفاء وليست اللغة وضعفنا بها أثر على امتدادها وسيرها وتفاعلها مع تجددات العصر.. ولهذا الضعف عدة أسباب، وبعدا عن الإطالة لا يسعني هنا إلا أن آتي على شيء منها:
-انتشار اللهجات العامية وفشوّها في سائر المجتمعات العربية وتقبل الناس لها وتنازلهم عن لغتهم الفصيحة وهناك مؤسسات مغرضة تعمل الليل والنهار لهدم اللغة وإقامة العامية على أنقاضها عن طريق مجلات أنيقة الشكل والإخراج على صفحة الغلاف فتاة بازهى زينة تشد المتلقي وتجعله يقتني هذه المجلة ويشتريها وكذلك صحف وقنوات فضائية لا يتوقف بثها ومستمر تدميرها للغة العربية بعقد لقاءات ومقابلات وأمسيات تحيي العامية وتضيع اللغة العربية.
-ضحالة الثقافة اللغوية لدى الناس وعجزهم وعدم اهتمامهم لإحياء اللغة والنهل من معينها ونبذ اللهجة العامية وإقصائها عن مجالس الناس ومنتدياتهم..
-عدم التقيد بالأنظمة النحوية والعروضية والضيق منها والخروج عليها ومحاولة تمييعها وتشتيت المتلقي بنظريات لغوية عبثت بأنظمة اللغة وشوشت على أبنائها، نظريات مضطربة لم يكتب لها الحياة في أرضها مثل البنيوية والتوليدية.. الخ واقر بفشلها أصحابها فضلا عن تستنبت في غير بيئتها وأرضها.
-عدم وجود مرجعية لغوية أو مؤسسة لغوية فاعلة تنزل إلى الواقع وتعيش الحدث وتواكب العصر وتنظر في الجديد فتقبله أو ترفضه، تغربل اللغة وتنقيها من العوالق والشوائب التي تذهب نضارتها وتؤثر على جمالها.. في حدود علمي انه لا يوجد مؤسسة لغوية بهذا الشكل متحركة وفاعلة وقد يوجد مجمع اللغة العربية بمصر لكنه شيخ هرم يتحرك ببطء وإمكانياته تضيق عند هذه الحركة السريعة والاتساع المعلوماتي الكبير..
وفي الأخير فيجب علينا جميعا أن نحفظ اللغة ونقرب أبناءنا منها ونعرفهم بها لان الحفاظ عليها حفاظ على لغة القرآن فلا يستطيع نشؤنا أن يفهموا القرآن ويتدبروا معانيه حتى يعرفوا اللغة ويهضموها..
|