ومما ورد بـ(رسائل أئمة دعوة التوحيد أمراء وملوك آل سعود) جمع وإعداد الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود ما ورد برسالتين متواليتين من الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه- إلى ابنه سعود -رحمه الله- لما تمَّت له البيعة بولاية العهد وبعد أن صدر الأمر بالولاية.
قال في الأولى: ينبغي أن تعقد نيَّتك على ثلاثة أمور، بدأها بعدة أوصاف يجب عليه أن يتصف بها؛ كالإخلاص لله في العبادة، والصدق مع الله في كل أموره. وثنَّاها بالاهتمام بمَن سيتولى أمرهم (أبناء الوطن) وأن لا تأخذه في الله لومة لائم. وثلثها بالاهتمام بأمور المسلمين عامة، ثم بأسرته، وأن يُنزل كلاًّ منزلته، ثم الاهتمام بعلماء المسلمين وتوقيرهم ومجالستهم وأخذ نصائحهم.
وفي الثانية: بعد أخْذ البيعة له من أهل الحجاز قال: رأينا في الحجاز أمراً ما كنا نظنُّه، كنَّا على يقين من إخلاصهم وولائهم، ولكن الأمر تجاوز الحد وفوق ما كنا نظن؛ فقد شاهدنا منهم محبة وشفقة على ولايتهم، ونصحاً للمسلمين عظيماً. أما أهل نجد؛ فقد كتبنا لهم كتباً وعرَّفناهم أننا أجبنا طلبهم فيما يتعلق بولاية العهد. ثم قال: أُكرِّر عليك وأوصيك بثلاثة أمور:
الأول: تقوى الله، والمحافظة على ما يُرضيه. ثم تطرَّق إلى ما يعنيه كتاب الله وسنة رسوله، وقال: نحن آل سعود ما أخذنا هذا الأمر (المُلْك) بحَوْلنا ولا بقوَّتنا، إنما مَنَّ الله به علينا بسبب كلمة التوحيد (الإخلاص لله بالعبادة، والانقياد له بالطاعة).
وفي الثاني تحدث فيه عن الزمان الحالي وما فيه من خير وشر، وما يجب أن يكون عليه الإنسان المسلم. والثالث عن الحزم في كل الأمور مما يعني ويهم العباد والبلاد، ووضْع الأمور في نصابها، ثم التأكيد على الاهتمام بالعلماء، ووضْع كلٍّ منزلته معتمداً في كل أموره على الكتاب والسنة وما نُقل عن السلف الصالح والخلفاء الراشدين ومَن حَذَا حذوهم من الأمراء ورؤساء المسلمين سابقاً ولاحقاً. ثم ختم الرسالة بتوجيهه إلى النظر في الأمور الخارجية، وكيفية إقامة العلاقات مع الدول الأخرى، والقواعد التي يسلكها من أجل ذلك.
يا سبحان الله! فكل ما تضمَّنته الرسالتان يؤكد أن هذا الرجل العظيم واسع في علمه الديني والدنيوي، شديد التعلُّق بربه، يراقبه في كل شؤونه، يعمل بما يعلم، ويعرف جيداً ما يقوله، واضعاً نُصْب عينيه ما احتواه الكتاب والسنة، أحب العلماء فقرَّبهم وجالسهم وأخذ بنصحهم وغرف من معينهم، عرف الأدباء فاستمع لهم وسمع منهم، عظيم في حنكته السياسية، بصير بأمور الحكم والإدارة، فبنى علاقاته مع الدول على مستويات مختلفة ودرجات متفاوتة، واسع الإدراك، بعيد الغور، عميق النظر في كل أمور الدولة والشعب، يُنزل كلاًّ منزلته، ويُعطي لكلٍّ حقَّهُ، فلم يبخل بالثناء على أهل الحجاز عندما لمس منهم الصدق والإخلاص والولاء، فأعزَّ أمْرَهُم، وأكبر فيهم الإخلاص، وأعظم ولاءَهم. وإني لأهيب بمَن بقي منهم على قيد الحياة وبأبناء أولئك والأحفاد أن يحتفظوا بهذا الثناء ويفخروا به، وأن يُجدِّدوا الولاء لأهل الولاية وللوطن؛ لتسير القافلة حاملةً فيها ومعها وعليها باتجاه الرياح أسباب الفلاح والنجاة، ولتَرْسُو على ساحل الخير والسعادة، وليسعد أبناء الوطن جيلاً بعد جيل بالأمن والأمان والعزة ورفعة الشأن في كل مناحي الحياة، متمسِّكين بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- رافعين أكُفَّ الضراعة الى الله داعينَهُ بأن يرحم ذلك الرجل الذي كان بعدَ الله سبباً في كل ما نحن فيه من عزٍّ ومعزَّةٍ وخيرٍ، وأن يرحم أولئك الرجال الذين كانوا معه وعن يمينه وعن يساره على صهوات الجياد لاستعادة أمجاد هذه البلاد حفظها الله بحفظه، وأعزَّها وأهلها بعزَّته، وجعلها دائماً وأبداً مناراً ومنبراً لعزَّة الإسلام والمسلمين.
ثمَّ انظروا إلى مدى إدراكه -رحمه الله- للأمور الحياتية والأخروية؛ إذ بدأه بنُصحه فيما بينه وبين ربِّه، وثنَّى فيما يجب أن يكون عليه نحو شعبه بصفة عامة وأُسرته والعلماء بصفة خاصة، فإذا اطمأنَّ على الداخل يلتفت إلى ما يهم بلاده تجاه العالم وكيفية التعامل مع الدول الأخرى بصفة عامة والاهتمام بأمور العرب والمسلمين بصفة خاصة. رحمك الله مِن رجُلٍ جاهد في الله حقَّ جهاده، ولم تأخُذْه في الله لومة لائم. فاللهمَّ أسْبِغْ عليه شَآبِيبَ الرحمة والغفران، واحفظ بلادنا وديننا وأُسرتنا وشعبنا من كل مكروه، وأَدِم العزَّة والتمكين لنا دائماً وأبداً. اللهم أَدِمْ علينا الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان، واحفظنا من كل شيطان، والحمد لله رب العالمين.
|