قلوبنا معكم - أصحاب الجلالة والفخامة والسمو - الملوك والرؤساء العرب، في مؤتمركم المزمع عقده في الشقيقة تونس نهاية الشهر الحالي، فالملفات التي تنتظركم قد تضخمت وتعقدت خيوطها، ناهيك عن الملف الجديد الساخن (الشرق الأوسط الكبير)، الذي يمكن أن يمثِّل المحطة الكبرى في سلسلة محاولات الاحتواء والهيمنة.
* ففي الملف الفلسطيني: يتزايد الصلف الإسرائيلي، بفعل الصمت المطبق في أرجاء من العالم، والرضا إلى حد المباركة في أرجاء أخرى، تجاه العدوان الوحشي المتكرر والمتصاعد على شعب لا يملك إلا إرادته وعزمه ألا يفرط في أرضه ووطنه، ولا يقلل من بطولة الصمود الفلسطيني حفنة من ضعاف النفوس، يبيعون دماء ذويهم وأرواحهم بثمن بخس، بالإرشاد عن مواقع المطلوبين وتحركاتهم، مما أفقدهم بعضاً من أعز رجالهم وقياداتهم وهي غصة جديدة في حلق القضية المحتقن بالمرارة، تضاف إلى قائمة الجرائم اليومية التي تستهدف الأطفال والنساء وهدم المنازل على رؤوس أصحابها، ثم ذلك الخلاف بين الفصائل خاصة بعد فشل الرهانات المتكررة على فرص الهدنة والسلام، والتي قبلها بعضهم - على مضض - لكنها كانت تصطدم كل مرة بعقبة شارون الكؤود. الذي لم يعد يعرف غير الحرب والعدوان لغة للحوار، وفرض الإرادة بالحديد والنار، واثقاً من دعم الباب العالي، ومطمئناً إلى عجز عربي عن رد فعل يلجم أو حتى يحجم!
* وفي الملف العراقي: أشلاء ودماء تتزايد على كل الجهات، صرعى بالمئات وجرحى بالآلاف هنا وهناك، وفوضى أمنية توقظ الفتنة النائمة بين الأطياف العراقية، وتنذر بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وربما وجدت القوات الغازية أنها الطريقة المثلى بعد فشلها في إدارة البلاد!
* وثالثة الأثافي ذلك المشروع الذي طرحته الولايات المتحدة الأمريكية على العالم عبر وسائل الإعلام، دون أن تبلغ الدول المستهدفة مباشرة شيئاً عنه! ثم تداركت الأمر بعدة تصريحات على لسان وزير الخارجية، ونائبه، وسفيرها الأسبق في السعودية - الحالي في القاهرة -، فكلهم أكدوا أن بلادهم لا تنوي التدخل في شؤون الدول العربية، ولا فرض عملية الإصلاح بالقوة، إنما من خلال الحوار وتقديم العون، ومع هذا فالأمر يظل غامضاً لأن صاحبة المشروع لا تزال ماضية في عرضه على قمة الدول الصناعية في فيرجينيا بعد نحو شهرين، ثم على قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، واجتماع حلف الناتو - العسكري - في اسطنبول!! فهل هناك حصان طروادة جديد يتربص ببوابة الشرق الأوسط؟ ربما..
وقد فتح المشروع الأمريكي شهية كل من ألمانيا وهولندا واليابان لتقديم مشروعات مماثلة - كل بطريقته - لتطوير الشرق الأوسط!
ولم يكن غريباً أن يواجه المشروع الأمريكي وتوابعه رفضاً عربياً جماعياً، تبدو أبرز ملامحه في الإعلان السعودي المصري، الذي رفض مبدأ الفرض، وتمسك بحق كل دولة في الحفاظ على خصوصيتها واختيار طرق الإصلاح الملائمة لظروفها، وكذلك التحفظات الأردنية بأن تنبع المبادرة من ذاتنا، وأن تتضمن النزاع العربي الإسرائيلي، وألا تبدو وكأنها موجهة إلى الإسلام وترسيخ مفهوم الإرهاب بحقه.
* ويمكن إضافة ملف رابع يتعلَّق بالتهديدات المتواترة ضد بعض دول عربية وشرق أوسطية، تعلو نبرتها حيناً وتفتر حيناً وها هي تعلو الآن تجاه دمشق، والتاريخ علَّمنا أنه لا بد من الحذر طالما بقيت النار كامنة تحت الرماد.
وهكذا تنعقد القمة العربية المرتقبة في ظرف بالغ الدقة، فإما أن تشرق الشمس من جديد، أو يجيب التاريخ على سؤال (نزار) القديم معلناً وفاة العرب. وما يدعو للتفاؤل والتشبث بالأمل في الخيار الأول أعني الإشراقة الجديدة، تلك الزيارات المتبادلة والمشاورات المكثفة على مستوى القادة، واجتماعات وزراء الخارجية - تحت سقف الجامعة العربية - أياماً لتحضير ورقة عمل للقمة تتعلَّق بتطوير الجامعة، ومبادرات الإصلاح الخارجية والمحلية. وحسبما تناقلته الأنباء، يبدو أن هناك إدراكاً عربياً جماعياً لخطورة الموقف الاستثنائي الراهن، فقد انحصرت الخلافات على الآليات والتفاصيل، وليس على الأفكار والتوجهات كما كان الحال. ولا شك أن الجماهير العربية وهي تتطلع إلى القمة وتكتم أنفاسها في انتظار النتائج، لن يكون طموحها خيالياً بأن نتعافى من المرض المزمن العضال بضربة عصا سحرية في لحظة خاطفة، ولكن يكفيها أن يبدأ الإصلاح من الجذور، وعلى أسس سليمة، طبقاً لخطة مرحلية، من المأمول أن تدشنها قمة تونس بخطوة حقيقية، تطمئن العالم إلى أننا قادرون بأنفسنا على الإصلاح، وتؤكد أننا جادون من أجل ذلك، وليرفعوا أيديهم عنا مشكورين.. ومرة أخرى قلوبنا معكم.
|