* فلسطين المحتلة - بلال أبو دقة:
بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي باستخدام أسلحة وصواريخ تم تطويرها حديثا في عمليات اغتيال طالت المئات من أبناء الشعب الفلسطيني، فبالإضافة إلى استخدام المروحيات الاسرائيلية المقاتلة صواريخ تتسبب في اشتعال واحتراق الهدف الموجهة نحوه، استخدم سلاح الجو الإسرائيلي صواريخ جديدة في قصف سيارات فلسطينية يستقلها مقاومون فلسطينيون في قطاع غزة، هذه الصواريخ تشبه الصواريخ الحارقة والمدمرة من حيث التوجيه بالليزر، وهي من الصواريخ الذكية والدقيقة في إصابة الهدف، إلا أن هذه الصواريخ المتطورة تسبب أضرارا كبيرة للهدف، لكنها لا تتسبب في احتراقه، وأضرارها ليست كبيرة لمحيط الهدف، وتنبعث من هذه الصواريخ كميات كبيرة من الشظايا والقطع الحديدية، إذ إنها تنطلق نحو الهدف وتدمره لكنها لا تحرقه، فإذا كان الهدف سيارة فهي تظهر وكأنها تعرضت لحادث سير أو لكمين إطلاق نار، لكن أحدا في داخلها لن يكون لديه أمل في النجاة..
مصادر طبية فلسطينية قالت ل (الجزيرة): في أغلب الأحيان تصل جثث الشهداء الفلسطينيين المستهدفين بعمليات الاغتيال ممزقة أشلاء، ومحترقة ومتفحمة..
د. جمعة السقا مدير العلاقات العامة بمستشفى الشفاء في مدينة غزة، قال في حديث خاص ل (الجزيرة) : من خلال متابعتي وتشخيصي لجثث شهداء عمليات الاغتيال، تبين أن نسبة (90 %) من الجثث تصلنا ممزقة أشلاء ومحترقة ومتفحمة، لا نستطيع تشخيصها من أول وهلة، بل يتم التعرف عليها بواسطة الأهل والأقارب من خلال ملابس الشهداء وعلامات قد تكون في جسم شهيد..
وأكد مدير العلاقات العامة على أنه في الغالب ما تختلط أشلاء الشهداء ببعضها البعض في عمليات الاغتيال، ففي حادثة اغتيال الشبان الفلسطينيين الثلاثة (محمود جودة، وأيمن وأمين الدحدوح) من حركة الجهاد الإسلامي اختلطت أشلاؤهم ببعضها البعض، ووصل إلينا الشهيد محمود جودة بلا رأس.. في هذه الحادثة أطلق الطيران الحربي الإسرائيلي مساء (الجمعة الموافق 27-2-2004) ثلاثة صواريخ باتجاه سيارة مدنية من نوع (سوبارو)، كانت تسير في ميدان الصفطاوي شمال مدينة غزة، ما أدى إلى احتراقها بالكامل واستشهاد جميع ركابها (محمود جودة، وأيمن وأمين الدحدوح)، وتناثرت أشلاؤهم في المكان ما أدى إلى صعوبة التعرف إليهم، إذ كان الشهيد محمود جودة بلا رأس، وتم التعرف إليه بعد ساعة كاملة، من ملابسه وعلامة في جسده، وأصيب في الغارة اثنا عشر مواطنا فلسطينيا من المارة، بينهم طفل في السادسة من عمره أصيب بشظايا في رأسه ودخل في حال موت سريري..
وفي حادثة اغتيال ثلاثة من عناصر حركة حماس (طراد الجمال، ابراهيم الديري، وعمار حسان) التي وقعت الأربعاء الماضي، الموافق 3-3 - 2004 وصلت جثامينهم محترقة ومتفحمة وممزقة أشلاء، ولم نستطع من أول وهلة تشخيصها، إلا أن أهالي الشهداء الثلاثة استطاعوا معرفة أبنائهم من الملابس التي كانوا يرتدونها..
وإذا سألتني كيف نتعامل مع أشلاء الشهداء، يقول د. جمعة السقا ل (الجزيرة) : عندما تصلنا أشلاء للشهداء الفلسطينيين نحاول تجميع قطعة على قطعة حتى نكون ما يشبه الجسد، ونلفه في قطعة قماش بيضاء، فيظهر للعيان أنه جثمان شهيد، لكنك إذا فتحت الكفن فإنك لا ترى سوى قطع لحمية صغيرة ملفوفة بالقطن والقماش الأبيض..
دراسة توثيقية، أرقام وإحصاءات..
وفي هذا الصدد أظهرت دراسة فلسطينية توثيقية حديثة، أعدها المركز العربي للبحوث والدراسات بمدينة غزة، وصلت نتائجها الجزيرة:؛ أن العدد الإجمالي للشهداء الفلسطينيين الذين تم اغتيالهم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية انتفاضة الأقصى التي اندلعت في الثامن والعشرين من أيلول / سبتمبر عام 2000، وحتى نهاية العام الماضي، بلغ (438 شهيداً)..
وجاء في نتائج الدراسة: أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كانت في المرتبة الأولى من حيث عدد الشهداء الذين تم اغتيالهم، بواقع (159 شهيداً) بنسبة (36.3%) من إجمالي عدد الشهداء الذين قضوا جراء عمليات الاغتيال..
وأشارت نتائج الدراسة إلى أن المواطنين المدنيين، الذين لا ينتمون إلى أي جهة سياسية أو تنظيمية، جاءوا في المرتبة الثانية، بواقع (143 شهيداً)، بنسبة (32.6 %)، حيث استشهدوا بينما كانوا في منازلهم أو في السواق أو كانوا متوجهين إلى المدارس أو إلى أعمالهم..
وقالت نتائج الدراسة: إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) حلّت في المرتبة الثالثة بواقع (70 شهيداً)، (16 %) من إجمالي عدد الشهداء الذين سقطوا جراء عمليات الاغتيال، فيما جاءت حركة الجهاد الإسلامي في المرتبة الرابعة بواقع (42 شهيداً)، ما نسبته (9.6 %) من إجمالي عدد شهداء الاغتيالات، بينما حلّت لجان المقاومة الشعبية في المرتبة الخامسة بواقع تسعة شهداء، نسبة (2.1 %)، وجاءت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في المرتبة السادسة بواقع (8 شهداء) ما نسبته (1.8 %)، فيما حلّ المواطنون المقاومون المستقلون الذين لا يتبعون أية جهة سياسية أو تنظيمية في المرتبة السابعة بواقع (4 شهداء)، ما نسبته (0.9 %)، وجاءت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في المرتبة الثامنة بواقع شهيدين اثنين، وهو ما نسبته (0.5 %)، فيما حلّت الجبهة الشعبية n القيادة العامة في المرتبة التاسعة والأخيرة بواقع شهيد واحد وهو ما نسبته (0.2 %) من إجمالي عدد الشهداء الذين سقطوا جراء عمليات الاغتيال الاسرائيلية..
وأوضحت الدراسة أن (255 شهيداً) من شهداء الاغتيالات سقطوا الضفة الغربية، بينما سقط (182 شهيداً) في قطاع غزة، فيما اغتيل فلسطيني واحد خارج فلسطين ..
سقط (145 شهيداً) من غير المستهدفين،
و (86 عملية اغتيال) وقعت في المنازل ..
وجاء في نتائج الدراسة: أن (293 شهيداً) من إجمالي عدد شهداء الاغتيالات كانوا مستهدفين، فيما سقط (145 شهيداً) فلسطينيا من غير المستهدفين، أما المستهدفون الناجون فكان عددهم (38)، بينما اغتيل (ثمانية فلسطينيين) نجوا من محاولة اغتيال أولى تم اغتيالهم لاحقا..
وأشارت الدراسة الفلسطينية إلى الفئة العمرية لشهداء عمليات الاغتيال، حيث إن (364 شهيداً)، بنسبة (82.5 %) من إجمالي عدد شهداء الاغتيالات تراوحت أعمارهم بين (18 و 50 عاما)، بينما استشهد (52 شهيداً)، بنسبة (12.3 %) ممن تقل أعمارهم عن (18 عاما)، بينما سقط (22 شهيداً) ممن تزيد أعمارهم على (50 عاما)، بنسبة (5.2 %) من إجمالي عدد شهداء الاغتيالات..
وأكدت الدراسة أن قوات الاحتلال نفذت (213 عملية ومحاولة اغتيال)، منها (177 عملية أصابت أهدافها)، بنسبة (83.1 %)، و (36 محاولة اغتيال فاشلة) لم تصب أهدافها بنسبة (16.9 %) من إجمالي عدد عمليات الاغتيال ومحاولات الاغتيال..
وأشارت نتائج الدراسة إلى أن (46 عملية) إغتيال أصابت أهدافها عبر استخدام أسلوب الطائرات المروحية من طراز (الأباتشي)، وفشلت (16 محاولة اغتيال) عبر استخدام أسلوب طائرات الأباتشي.. فيما بلغت عمليات الاغتيال التي أصابت أهدافها عبر استخدام أسلوب الطائرات المقاتلة من طراز (إف16)، عملية واحدة فقط، وفشلت (خمس محاولات اغتيال) عبر استخدام أسلوب طائرات (إف16)..
أما بالنسبة إلى عمليات الاغتيال التي أصابت أهدافها عبر استخدام أسلوب العبوات الناسفة (المتفجرات) فكانت (20 عملية)، فيما فشلت سبع محاولات اغتيال عبر استخدام أسلوب العبوات الناسفة..
وبلغت عمليات الاغتيال التي أصابت أهدافها عبر استخدام أسلوب المحاصرة والمداهمة والاشتباك (59 عملية)، وفشلت ثلاث محاولات اغتيال منفذة عبر استخدام أسلوب المحاصرة والمداهمة والاشتباك..
وبلغت عمليات الاغتيال التي أصابت أهدافها عبر استخدام أسلوب الكمائن والقوات الخاصة (35 عملية)، وفشلت ثلاث محاولات من إجمالي عدد عمليات ومحاولات الاغتيال المنفذة عبر استخدام أسلوب الكمائن والقوات الخاصة، بينما بلغت عمليات الاغتيال التي أصابت أهدافها عبر استخدام أسلوب الحواجز والمواقع العسكرية (16 عملية)، فيما فشلت محاولتان اثنتان من إجمالي عدد عمليات ومحاولات الاغتيال المنفذة عبر استخدام أسلوب الحواجز والمواقع العسكرية الاسرائيلية..
وأشارت نتائج الدراسة التي تعرض الجزيرة أهم ما جاء فيها إلى الأماكن والمواقع التي وقعت فيها عمليات ومحاولات الاغتيال، حيث احتلت المنازل (أماكن السكن) المرتبة الأولى بواقع (86 عملية ومحاولة اغتيال)، ما نسبته (40. 4 %) من إجمالي عدد عمليات ومحاولات الاغتيال.. ثم جاءت السيارات (وسائل النقل) في المرتبة الثانية بواقع (74 عملية ومحاولة اغتيال)، بنسبة (34.7 %) من إجمالي عدد عمليات ومحاولات الاغتيال، بينما احتلت الشوارع العامة المرتبة الثالثة بواقع (27 عملية ومحاولة اغتيال)، ما نسبته (12.7 %) من إجمالي عدد عمليات ومحاولات الاغتيال.. وجاءت المرافق العامة والمؤسسات في المرتبة الرابعة بواقع (22 عملية ومحاولة اغتيال)، بنسبة (10.3 %) من إجمالي عدد عمليات ومحاولات الاغتيال، فيما جاءت الأماكن القريبة من الحدود والمستوطنات اليهودية في المرتبة الخامسة والأخيرة بواقع (أربع عمليات ومحاولات اغتيال)، ما نسبته (1.9 %) من إجمالي عدد عمليات ومحاولات الاغتيال..
هذا وأجرت الدراسة التي أعدها المركز العربي للبحوث والدراسات مقارنة إجمالية بين عدد الشهداء الذين اغتيلوا على يد قوات الاحتلال الاسرائيلي في كل سنة من سنوات انتفاضة الأقصى الثلاث على حدة، حيث احتلت السنة الثالثة حتى تاريخ 31-12-2003م المرتبة الأولى بواقع (212 شهيداً)، ما نسبته (48.4 %) من إجمالي عدد شهداء الاغتيالات، وجاءت السنة الثانية في المرتبة الثانية بواقع (146 شهيداً)، بنسبة (33.3 %) من إجمالي عدد الشهداء المغتالين، فيما احتلت السنة الأولى المرتبة الثالثة والأخيرة بواقع (80 شهيداً)، ما نسبته (18. 3 %) من إجمالي عدد شهداء الاغتيالات..
عمليات الاغتيال دعوة مفتوحة لتنفيذ عمليات فدائية
وخلصت الدراسة الفلسطينية إلى أنه عقب ثلاثة أعوام ونصف العام تقريباً من القتل البشع والاغتيال المنهجي لقادة المقاومة الفلسطينية ورموزها وعناصرها إبان انتفاضة الأقصى تبين أن الشعب الفلسطيني بأسره يقع في دائرة الاستهداف، شيباً وشباناً، أطفالاً ونساءً، وأن الإسرائيليين يفتقرون إلى أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية في سياق حربهم المعلنة ضد الشعب الفلسطيني، وأن رغبتهم في اغتيال شخص ما تبرر لهم قتل عشرات المدنيين ومحو منطقة سكنية بأكملها عن خارطة الوجود .. مشيرة إلى أن الشعب الفلسطيني رغم كافة أشكال القتل والاغتيال والدمار لازال صامداً على أرضه، متمسكاً بحقوقه، متشبثاً بتطلعاته، يرنو ببصره إلى الحرية الحقيقية والاستقلال الكامل دون أي تنازل أو استسلام أو تفريط، وأن كثافة الاغتيالات لم تزده إلا قوة وثباتاً وصموداً.
ومما أكدته الدراسة أن شدة وتصاعد عمليات الاغتيال الاسرائيلية قد خلقا نتائج عكسية مناقضة لمضمون حسابات الاحتلال، التي اعتقدت أن مواصلة وتصعيد جرائم الاغتيال ستدفع فصائل المقاومة الفلسطينية إلى رفع الراية البيضاء والإقلاع عن المقاومة أو تحجيمها في أضيق نطاق، ليثبت الواقع فشل الحسابات والمراهنات الاسرائيلية، فما من حادثة اغتيال إلا ويعقبها انتقام جاد وثأر موجع، وما من قائد أو مقاوم يترجل في ميدان المواجهة إلا ويخلفه عشرات بل مئات، يرفعون الراية ويحملون اللواء ويعاهدون على استكمال المسير بشكل أذهل قادة وأركان الدولة العبرية.
وفي هذا السياق تتبادل أجهزة الأمن الاسرائيلية الاتهامات، إذ تقول جهات أمنية في اسرائيل: إن عمليات الاغتيال التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في الأراضي العربية المحتلة هي دعوة مفتوحة إلى المنظمات الفلسطينية لتنفيذ عمليات فدائية داخل العمق الإسرائيلي، وضد أهداف إسرائيلية في المستوطنات والمواقع العسكرية..
وحسب مصادر مطلعة في الشرطة الاسرائيلية: فإنها تتعامل مع كم هائل من التحذيرات التي تنقل إليها بشكل يومي عن عمليات مسلحة وتفجيرية مرتقبة، وأن تنفيذ عمليات الاغتيال يضاعف من حجم تلك التحذيرات..
ففي أعقاب اغتيال ثلاثة من المقاومين الفلسطينيين، الذين ينتمون لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس الأربعاء الماضي أعلنت الشرطة الإسرائيلية حالة التأهب في جميع أنحاء الدولة العبرية في أعقاب تلقي الكثير من الإنذارات حول وجود نوايا بتنفيذ عمليات خلال عيد إسرائيلي، يسمونه عيد المساخر (بوريم)..
وحسب مصادر الشرطة الاسرائيلية: تم رفع مستوى حالة التأهب إلى (درجة 3)، وهي الدرجة التي تسبق إعلان حالة الطوارئ.. وفي هذا الإطار، سيتم نشر الآلاف من أفراد الشرطة، وأفراد شرطة حرس الحدود، والحرس المدني، وجنود الجيش الإسرائيلي في مراكز المدن الإسرائيلية، كما سيتم تعزيز الحراسة في منطقة خط التماس.
وحسب الشرطة الاسرائيلية ستستمر حالة التأهب كونها أجهزة الأمن الإسرائيلية تلقت (56 تحذيرًا) حول اعتزام فلسطينيين تنفيذ عمليات في قلب إسرائيل رداً على عملية اغتيال الفلسطينيين الثلاثة.
|