* تغطية - سعيد الدحية الزهراني:
ضمن نشاطه المنبري والثقافي لهذا الموسم نظم مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية محاضرة لمعالي أ.د علي بن إبراهيم النملة وزير العمل والشؤون الاجتماعية رئيس فريق الاستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر حيث ألقاها معاليه تحت عنوان (مواجهة الفقر: المشكلة وجوانب المعالجة).
وقد قدم المحاضرة وأدارها الدكتور إبراهيم الجمهور مشيرا بالشكر والتقدير لمركز الملك فيصل والقائمين عليه على الإعداد لمثل هذه المواضيع، متحدثا بعد ذلك عن المحاضر معالي الدكتور النملة ومشيرا إلى أهم وأبرز محطاته العلمية والعملية، بعدها انتقل الحديث إلى معالي الدكتور النملة، والذي قدم ورقة بحثية ذكر في بدايتها من منطلق الأمانة والتجرد من الذات أثابه الله جهود العاملين والمعدين لورقته البحثية التي قدمها تلك الليلة من زملاء وأساتذة جامعات.
بعدها استهل المحاضرة مشيدا حيث قال أبو محمد علي بن حزم الظاهري: (وفرضٌ على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، أن لم تقم الزكوات بهم، ولا فيء سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك وبمسكن يكنهم من المطر، والصيف والشمس وعيون المارة).
وتؤكد دراسات علمية (أن الفقر في كثير من الدول الإسلامية ليس مشكلة طارئة، أو حالات فردية، إنه يشكل اليوم ظاهرة مستوطنة تشمل من ثلث إلى نصف عدد سكان المجتمعات في ظل بيئة مساعدة ومنتجة للفقر هذه البيئة تتكون من ثلاثة أبعاد: الجهل والمرض والعوز المالي، فالفقير إما مريض لا يقدر على العمل، أو جاهل غير مدرب على مهنة يكسب القوت منها أو ليس لديه مال يقيم به عملا يدر عليه دخلا كافيا ، أحيانا تجتمع هذه الأسباب كلها، أو بعضها وبهذا يستمر الفقر طالما ظلت هذه الأسباب قائمة ولا يمكن للمساعدات الطارئة أن تخرج الفقير من فقره، لأنها لا تعالج أياً من الأسباب). و(سيظل الفقير فقيرا رغم هذه المساعدات الدورية التي تقدم له بل أنها ستورث الفقر لأبنائه).
وأضاف معاليه: فعلى إثر رغبة المسؤولين في المملكة العربية السعودية في مواجهة مشكلة الفقر مواجهة علمية عملية كان لابد من الاعتراف أولا بوجود المشكلة رغم ما يقال عن الطبيعة البشرية في مجال ضعف الرغبة في الاعتراف بالمشكلات وكذلك في الرغبة في الابتعاد عن مواجهتها، والاستئناس بالرؤى التي تستبعد تلك المواجهة بنفي وجود المشكلة ناهيك عن السعي إلى حلها.
وهذه الورقة تركز أساساً على توضيح الخطوات العلمية والعملية الفنية المناسب اتباعها، والتي ينبغي أن تسير فيها جهود معالجة الفقر، وفقاً للأصول المرعية في مجال التخطيط الاجتماعي، لمواجهة المشكلات الاجتماعية، والتي تتمثل فيما يأتي:
1- تحديد المشكلة، وذلك من خلال تعريف الفقرة.
2- تحليل أسباب الفقر.
3- وضع الاستراتيجيات والسياسات والخطط التنفيذية.
4- وضع أنظمة المتابعة والتقويم الكفيلة بتقدير درجة فاعلية تلك السياسات والبرامج والخطط التنفيذية في تحقيق الأهداف المرجوة منها.
تعريف الفقر
وهناك من يعرف الفقر بأنه: (الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد إلى الدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم، وكل ما يعدُّ من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق في الحياة).
ونقدم فيما يأتي عينة من الطرق المستخدمة في قياس الفقر، دون تفصيل لمجرد بيان العلاقة بين قضايا التعريف وقضايا القياس:
1- المقاييس الكمية النقدية الموضوعية:
ويقوم هذا النوع من المقاييس على أساس مؤشرات الاستهلاك أو الدخل.
2- المقاييس غير النقدية:
وجه نقد متعدد الأبعاد للمقاييس النقدية، لاعتمادها على ما يقرره الناس، وما يقدمونه من معلومات حول طرق إنفاقهم.
تحليل أسباب الفقر
إن كافة الجهود التي تبذل لتحديد المشكلة والتي تتضمن تعريف الفقر، واختيار الطرق المناسبة لقياسه، بل وتلك المتصلة بالتعرف على توزيع الفقر على المناطق المختلفة والفئات الاجتماعية المختلفة (خريطة الفقر) لا تمثل إلا نقطة البداية لجهود منظمة وجادة، تقوم على أساليب التحليل العلمي الدقيق لتحديد (أسباب) المشكلة، وتحديد العوامل المرتبطة بها، قبل الانتهاء إلى اقتراح البرامج والمشروعات التي نظن أنها يمكن أن تسهم في معالجة الفقر ذلك أن اقتراح العلاج دون تشخيص دقيق لا يجدي نفعا، لا سيما عند التعامل مع مثل هذه المشكلات الاجتماعية شديدة التعقيد.
ويضيف معاليه: إذا انتقلنا إلى مرحلة البحث عن الأسباب، أو ما يشار إليه أحياناً بتحليل الفقر، فإننا نجد أن فهم أسباب الفقر عملية ترتكز في جوهرها، كما هي عليه الحال في كل البحوث العلمية، على (المقارنات) و(البحث عن الارتباطات)، وفيما يلي نقدم مجرد إشارات تعريفية لتوضيح المقصود هنا:
1- مقارنة خصائص الجماعات المختلفة: وتتضمن:
أ- مقارنة خصائص الفقراء بغير الفقراء.
ب- مقارنة خصائص الفئات المختلفة من الفقراء أنفسهم.
ج- مقارنة خصائص الفئة نفسها من الفقراء في المدد (الفترات) الزمنية المختلفة.
ومع كل هذه الاعتبارات لا ينبغي إغفال العامل لاقتصادي في البحث عن أسباب الفقر، فقد (ارتبط الفقر في المنطقة العربية برباط وثيق مع ضعف الأداء لاقتصادي، وهي سوأة تعكس فشل كل من السوق والدولة. فالنمو الاقتصادي ليس شرطا كافياً للتخفيف من الفقر، ولكنه لابد من اقتصاد موسع (يخلق فرص عمل جديدة كافية، ويرتب أجوراً أعلى من حد الفقر) لنجاح أية عملية تنموية تقلل من الفقر). كما يذكر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
تصميم الاستراتيجيات والسياسات والبرامج
إن من الطبيعي في هذه المرحلة أن ننطلق من فهم الأسباب المحددة للوقوع في دائرة الفقر أو الاستمرار في داخل اسوار تلك الدائرة، لكي نقوم بوضع استراتيجية وطنية لمعالجة الفقر، تتضمن الأهداف المحددة المطلوب تحقيقها كما تتضمن البرامج التنفيذية التي يمكن من خلالها تحقيق تلك الأهداف، مع تحديد الجهات والهيئات التي تتولى تنفيذ تلك البرامج، وتحديد مصادر التمويل اللازم لإنجاز أنشطتها وتنفيذها، ولقد أثبتت خبرات الدول المختلفة خلال ربع القرن الماضي أن استراتيجيات معالجة الفقر وسياساتها وبرامجها لا يمكن أن تنفصل عن سياسات التنمية وخططها، يقول جرينسبان: (إنه مع مطلع الألفية الجديدة فإن كل المشاركين الأساسيين في عملية التنمية قد انتهوا إلى الحقيقة التالية: (أن جهود معالجة الفقر ينبغي أن تكون هي محور الجهود التنموية)، كما أضاف: (انه قد أصبح هناك إدراك واضح بأن النجاح في مواجهة هذا التحدي، وهو أن تكون مكافحة الفقر محور الجهود التنموية، يتطلب تعبئة كل الأجهزة والمؤسسات الوطنية خلف أهداف متفق عليها لسياسة محددة، يتم تضمينها في استراتيجية وطنية لمعالجة الفقر).
كما أضاف معاليه قائلاً: في كل الأحوال فإن المحاور التي أكدت عليها الهيئات الدولية، والتي أشرنا إليها من قبل، والمتمثلة في (التنمية الموالية للفقراء) وتلك المتمثلة في (الخدمات الاجتماعية الأساسية) ينبغي ألا تصرفنا عن إعطاء الاهتمام الكافي (لشبكة الأمان الاجتماعي) التي تتصل بما يأتي:
1- دعم منظومة التأمينات الاجتماعية، والضمان الاجتماعي، والمساعدات العامة، وبرامج رعاية الأسرة والطفولة، ورعاية المعوقين وغيرهم من الفئات الخاصة من غير القادرين على العمل، التي تحول ظروفهم دون الحصول على دخل كافٍ وخدمات كافية تناسب أوضاعهم.
2- دعم منظومة البرامج الموجهة نحو التخفيف من الظروف الانتقالية التي تواجه الاقتصاديات المتغيرة.
وأكد معاليه على أن البطالة تعد أحد مواطن الفقر التي يمكن أن تحصر في المواطن الآتية:
1- النساء بوجه عام، والمرأة العاملة بوجه خاص، حتى ليرمز على الفقر بصورة امرأة، كما يتحدثون عن (ظاهرة تأنيث الفقر).
2- الأطفال وصغار السن.
3- كبار السن.
4- المعوقون.
5- العاطلون عن العمل، والعمال غير الماهرين.
6- العمال المهاجرون.
متابعة السياسات والبرامج وتقويمها:
والجهود الموجهة للمتابعة تهدف أساساً إلى التأكد من أن تنفيذ الاستراتيجيات والسياسات والبرامج يتم وفقاً للأهداف المرجوة وتبعاً للإجراءات المتفق عليها، وذلك من خلال جمع البيانات بصورة دورية ومستمرة حول مدخلات البرامج والأنشطة التي تتم في إطارها، بما يقدم صورة واضحة أمام متخذي القرار للتعرف في وقت مبكر على أي ابتعاد للتنفيذ عما هو مخطط له، ومن ثم إجراء التعديلات التي تضمن استمرار الجهود في الاتجاهات المرجوة.
أما تقويم السياسات والبرامج والمشروعات الموجهة لمعالجة الفقر فإنها لا تكاد تحتاج دليلاً على أهميتها، فالتقويم يهدف أساساً إلى التأكد مما إذا كانت البرامج والمشروعات قد حققت الأهداف المرجوة منها من عدمه، وهو ما يعرف بفاعلية المشروعات، فإذا كانت المشروعات قد حققت أهدافها بفاعلية، وإذا كانت المشروعات مصممة في جملتها ضمن استراتيجية لمواجهة الفقر، تتكامل فيها الأهداف ضمن منظومة متكاملة تقوم على إطار نظري واضح، فإن هذا يعني نجاح السياسات والبرامج في معالجة الفقر.
كلمة حول نظرة
الإسلام لمعالجة الفقر
عند التعرض لأسباب الفقر من منطلق مادي، ينظر علماء الأمة الشرعيون والاجتماعيون والاقتصاديون عدم إغفال أسباب جوهرية تؤدي إلى الفقر، سواء على المستوى الفردي، أم على مستوى المجتمع المتمثل في الدولة أو التجمع السكاني الأوسع الذي تجمعه ثقافة واحدة، أو لنقل تجمعه نظرة اقتصادية موحدة.
ولقد قيل أن الفقر، من هذا المنطلق، قد يكون عقوبة، أو يكون ابتلاء، يبتلى به الأفراد، كما تبتلى به الأمم. فيكون عقوبة للأسباب الآتية، مجتمعة أو متفرقة:
1- تعاطي الربا، بالمفهوم الشرعي للربا.
2- الحكم بغير ما أنزل الله، على مستوى الفرد، أو الأمة.
3- الانصراف عن عبادة الله تعالى وحده.
4- دعوة المظلوم، لا سيما إذا كان هذا المظلوم صاحب حق لدى المعاقب بالفقر.
5- التكالب على الدنيا، على حساب إعطاء الآخرة حقها.
6- السؤال من غير ضرورة.
7- الفساد الإداري والمالي، على مستوى الفرد أو الأمة، مثل الرشوة والاختلاس والسوق السوداء والسرقة.
8- منع الزكاة والتقصير في جبايتها.
9- تراكم الديون على الفرد أو الأمة.
الخاتمة
واختتم معالي د. النملة محاضرته قائلاً: فهذه عجالة علمية حول نظرتنا في هذه البلاد، مسؤولين ومواطنين، لمشكلة الفقر، من حيث الاعتراف بوجودها أولاً، ثم من حيث مواجهتها بالمعالجة العملية من خلال مبادئنا ومثلنا وقيمنا ومنطلقاتنا الثقافية القائمة على دين يؤمن بأن المال مال الله تعالى، استأمن ابن آدم عليه ليؤدي عليه حقه الذي فرضه الله عليه، ومن خلال قدرة المخلوق على أن يسترزق وتتاح له البيئة التي تعينه على أن يعمل بيده، بدلاً من أن يمدها إلى الآخرين، ينتظر منهم الهبات في المناسبات الدينية، مثل شهر رمضان المبارك، حيث يتركز لدى كثير من المسلمين موسم إخراج الزكاة.
|