Sunday 18th January,200411434العددالأحد 26 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المرأة والرجل... وميزان التحرر!! المرأة والرجل... وميزان التحرر!!
بقلم: ناهد بنت أنور التادفي(*)

التحرر.. رغم الإشكالية المُغرقة التي تلقي حول هذا العنوان الكثير من الشبهات في التفسير والممارسة والتأويل والمتشابه، إلا أنه إضافة إلى ضرورة الجرأة في مواجهة واقع الحال فانه موضوع يُثير شهيتي كي أخوض فيه، ولكن علينا أن نتفق أولاً وندرك ماذا نعني بالتحرر؟ وكيف نفهمه؟ وكيف نصيّره فعلاً إيجابياً وسلوكاً وخطاً موازياً يتماشى مع ديننا الحنيف وأخلاقنا العربية وتراثنا العريق وقيمنا الأصيلة ولا يلغيها؟.
إذاً هي أسئلة مشروعة فإذا لم يكن الإنسان قادراً على تحرير نفسه من الداخل فلن يلتقط من هذا التحرر سوى ما يتناسب ورغباته الشخصية النابعة من أخلاقه ذاتها، وكي نفهم ما معنى التحرر علينا أن نتخلص أولاً من عُقدنا الكثيرة أوّلها وأهمها موضوع تقييم سلوك المرأة وهو الموضوع الأكثر إشكالية في هذه المسألة برمتها، فإذا لم يفهم الرجل ويؤمن أن المرأة هي نصفه المكمّل وهي النصف السوي الذي قد يكون أكثر فعالية من الرجل في المجتمع، وأكثر حاجة وضرورة لاستمرار النوع والحياة فلن يستقيم الحوار، واليوم بات لزاماً على الرجل أن يفهم المرأة كذلك وأن يضعها كإنسان في ترتيب أولوياته بل وفي موقع التبجيل، وأنا أتحدث هنا عن المرأة بصفتها الأم والأخت والابنة ورفيقة العمر والسكن ونعمة الله العظمى على ذات القدر مع الرجل النصف الآخر وعلينا أن نعي بأنها ليست سلعة رخيصة للإثارة كما تصورها «مع الأسف» بعض وسائل الإعلام المرئية والمنظورة والمقروءة أولئك الذين اتخذوها سلعة ممتهنة يتّجرون بها إرضاء للرغبات والأهواء وتافه المقاصد، إذ نجدهم قد صوروها وسوّقوها بأجسام مغرية وصدور مشدودة ونبرات محمومة ونظرات داعية معروضة على عبوات منتجات الشامبو، وملابس اللانجري، واللوازم النسائية، وحتى العلكة والبسكويت والشوكولاتة والمرطبات وو.. إلخ، وتكاد لا تخلو دعاية من صورة مثيرة لها وتزداد الأمور سوءاً مع تسابق الفضائيات على إبراز مذيعاتها وهن يُلاحقن الجميع بجمال هلامي ساحر واستعراض أنثوي لملامح متجمدة تحت صقيع الابتذال وحضور هش وزائف بمشاهد خارجة عن النص مسكونة بحمى الوادي وعزف مشروخ منفلت من إطار المشروعية يسعى لجذب أناس مبهورين بالنغم الأنثوي المسافر في أعماقهم المستحوذ على عقولهم الهشة الأمر الذي يلجم إجابات اللحظة ويحرث الشفاه بتساؤلات حادة موغلة بالألم كيف يهزؤون بقيمة المرأة ويستخفون بإنسانيتها ويستبيحون حرمتها وينتهكون عالمها المكنون بهذه الطريقة الرخيصة إلى درجة التقزز، ونحمد الله أن ديننا الحنيف قد صان المرأة ونأى بها من أن تُمتهن فحفظ لها جسدها وكيانها كله وجعلها موطناً للصيانة والحصانة ورمزاً للعفة والوقار فمنع عنها نظرات زائغة من قلوب مريضة كما كفاها أذى الخبثاء وصرف عنها كل سوء وأبقاها في حصن الفضيلة والشرف لتعيش في ظل دينها بكرامة وعزة تملأ أوقاتها بالحب والخير وتجعل الحنان يرفرف على مملكتها والدفء والأمان يظللان أسرتها.
وبات علينا أن نؤمن أن المرأة ليست مخلوقة لتحقيق مآرب الرجل وكأن وظيفتها في الحياة مقتصرة على أن تكون مطية للزوج ومتعته وخادمته وحاملة (بلاويه) دون الالتفات إلى كونها إنسانة والنصف الآخر والأجمل، وهذه بعض إفرازات سطوة المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه، إذ متى أحسّت المرأة أنها أدنى من المرتبة اللائقة بها، «ولا أتطرق للظروف والأسباب والدوافع فهذه لها مكان ووقت آخر» فإنها باللاشعور تلجأ إلى الإيغال في حالة تمرد وتسابق نحو تهمة صلب كل ما يقلل من قيمتها الفطرية على شماعة التحرر وهو في الحقيقة ليس تحرراً بل سقوطاً أكثر في مستنقعات الضياع والهلاك، وهذا أيضا ينطبق على عالم الرجال؟ فالشباب هم الأكثر حيرة وسط العرض الكثيف وضآلة الطلب والمردود، ولا أعتقد أن امرأة قادرة أن تعطي زوجها بلا حدود كل طلباته وتلبي كل رغباته دون قناعة وإلى ما لا نهاية، ولا أعتقد أيضاً أن مجتمعنا الذكوري رغم جنوحه للتحرر المزيّف غير المدروس ولا المرفوع على هيكل تاريخنا وديننا الحنيف وقيمنا ومنبت أخلاقنا يقبل تطبيق هذا التحرر المغلوط على خاصّة من حوله، وحديثي هذا بالمطلق ولكل قاعدة شواذ.
دعونا نتساءل هل تفهم الأنثى وهي تبحث عن نصفها ما معنى الرجولة؟ وهل يفهم الرجل كيف تكون الرجولة؟ المفترض أن يكون الرجل مجموعة قيم ودين وأخلاق وأحاسيس في كيان، وليست الوسامة وحدها ولا الثراء الفاحش وحده ولا إتقان الرقص وفضائل المكياجات والصبغات ولا الصرعات ولا التقصّع والتلوّن، بل من يستحق لقب الرجولة عليه أن يكون - وبتقديري الشخصي دون مجاملة - كريماً بمعنى الكرم المطلق بأخلاقه ويده وعواطفه وإنسانيته والتزامه بدينه، وأن يؤمن أن المرأة نصفه الضروري الذي ينبض وداً وعاطفة وألا يتجاوزها بأنانية لا تستجيب إلى أحاسيسها التي قد لا تعلن عنها جهاراً، وأن يكون لمّاحاً يقدّر عواطف زوجته وطلباتها دون إفصاح وعليه أن يحفظ كرامتها التي تعد من أساسيات استقرارها، وبالتالي يكون ذكياً ويفهم أن استقراره وسعادته الحقيقية لا يمكن أن يكتملا إلا إذا أحسّت رفيقته الحلال بالاستقرار وعاشت ذات السعادة، وليست الرجولة في أن يكون صارماً وقاسياً وعنيفاً بل على العكس تماماً حيث المواقف تفرض نفسها فعليه التعالي عن صغائر الأمور كي يفرض احترام الآخرين كما عليه الالتزام بخطوط حمراء بكل تصرفاته ليوحي بالثقة والوقار، أي لابد له أن يكون طفلاً في مواقع وكهلاً في مواقع أخرى شاباً وعجوزاً وهكذا، وهذا لعمري هو فن التعامل الراقي وفق ما حث رسولنا الكريم الرجال بقوله «رفقاً بالقوارير» ولأننا لا نستطيع العيش في زجاجة مغلقة علينا أن نتعلم كيف نتعامل مع الآخر وهنا مركز دائرة التحرر الذي يليق بنا ويخصنا والمرأة بطبيعة تكوينها «الفسيولوجي» رقيقة تنتظر لمسات حب رقيقة تشعرها بكينونتها فالزوجة تذوب أمام نظرة نقية مخلصة أو كلمة صادقة وهمسة دافئة توصلها إلى أقصى درجات الحب والإخلاص والتقدير لزوجها وهي أيضا بقطرة الرومانسية الزائدة التي تحلت بها منذ بداية الخلق تتوق إلى شخصية واعية تحسن التعامل معها بحب ورقة ونعومة، وعليه فان الكلمة السحرية والهمسة الآسرة بمسيرة حياة الأسرة لها بقلب الزوجة تقديراً كبيراً تشعرها بحب زوجها الذي يعانق فيها الروح، وعلى الرجل أن يتصوّر هذا الشعور النبيل وماذا سيتركه في قلبها الرقيق من آثار سحرية ستنعكس ايجاباً على كل تصرف مهما كان صغيرا مع من تحب «شريك عمرها» وبالتالي مع بيتها ومجتمعها.
ويقولون إن المرأة إذا أحبّت بصدق أعطت بلا حدود وقاتلت كاللبوءات في سبيل احتفاظها بحبها وبيتها فهي بإخلاصها تأخذ بالألباب وتترك الأثر البليغ في النفس والقلب بما تملكه من أحاسيس وعواطف وأنوثة غامضة تجعلها تشع جمالاً وبريقاً وترفل في عالم حسي يلامس مشاعرها العميقة، فمتى يدرك الرجال ذلك؟ حيث هذه هي الرجولة .. مجموعة قيم نبيلة في كيان واحد ولا أقول هو الكمال .. فالكمال لله سبحانه ولكنها صفات تجعل الهفوات الصغيرة قابلة للغفران.

* عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
الرياض - فاكس 014803452


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved