Sunday 18th January,200411434العددالأحد 26 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

زيارات..(أصحاب المعالي) الوزراء..؟!! زيارات..(أصحاب المعالي) الوزراء..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي

** أورد الدكتور (عبدالإله ساعاتي) في كلمة له ب«الجزيرة» عدد يوم السبت قبل الفارط، مقولة منسوبة لوزير الصحة الدكتور (حمد المانع) نصها كالآتي: (الصحة ووزيرها فاشلون؛ في حال تركيزها على الجانب العلاجي دون الوقائي)..!
** توقفت كثيراً عند هذه العبارة، مثلما توقفت من قبل عند أخبار الزيارات الميدانية، التي يقوم بها وزير الصحة لمختلف قطاعات وزارته فقد لمست -عن بعد- أنها ليست زيارات لمجرد الزيارات ولقاء المسؤولين فقط، ولكن ليتخذ الوزير الزائر، قرارات حاسمة وصارمة ضد الفساد الإداري والمالي إن وجد، ونافعة في اتجاه المواطنين كافة.
** كدت أربط بين ما يصدر من قرارات بعد كل زيارة ميدانية لوزير الصحة وبين مقولته آنفة الذكر، التي هي ترجمة عملية للمثل القائل: (الوقاية خير من العلاج) وهو الذي تعلمناه في الصغر، ثم نسيناه -على مايبدو- في الكبر.
** إن المتابع لنتائج زيارات الدكتور المانع في أيامنا هذه يتذكر دون شك النهج القديم القويم الذي سنه الشاعر الوزير (غازي القصيبي) أيام قيادته لوزارة الصحة حتى ان رجالاً ونساء من كبار السن في محافظتنا هنا كانوا يحتفظون ببطاقات تحمل رقم الهاتف المباشر لوزير الصحة آنذاك فإذا قوبلوا بإهمال أو نقص في عيادة أو غيرها رفعوا هذه البطاقة (الفيتو) في وجه المدير أو الطبيب أو الموظف فتسير أمورهم بعد ذلك على مايرام..!
** شكراً لوزير الصحة (المانع) الذي يسعى إلى الوقوف على كل صغيرة وكبيرة بنفسه فيذهب إلى القرى والأرياف والبوادي من أجل ذلك، والذي ذكرنا بما مضى من عهد جميل، لسلفه في هذه الوزارة المهمة.
** الواقع ان الزيارات الميدانية التفقدية للوزراء وقربهم من منافذ أداء الخدمات العامة أمر في غاية الأهمية؛ بل هو من أوجب الواجبات الوظيفية والوطنية، حتى يشعر الموظف المسؤول ان هناك من سوف يقول له: أحسنت ان أحسن، وأسأت إن أساء، ويشعر المواطن المستهدف بالخدمة ان حقوقه في الأداء الجيد محفوظة أو هي على أقل تقدير مرعية.. إذا هو رفع صوته، وجد صدى لذلك قريباً منه وليس عبر بيانات نفي واستنكار من موظفين في العلاقات العامة.
**كثير من الوزراء يتركون مكاتبهم بعض الوقت لينفذوا جولات أو زيارات تفقدية أو غير ذلك، ولكن نادراً ما نسمع ان أحدا منهم اتخذ قرارات جريئة بتنحية مسؤول مهمل أو معاقبة آخر مفسد أو تنصيب ثالث نشط..!
**على أن معظم جولات وزيارات أصحاب المعالي الوزراء على المناطق والمحافظات إنما تتخذ أشكالاً احتفالية فيصبح صاحب المعالي الوزير في هذه الحالة (ضيفاً) على القوم الذين كانوا بالأمس يمطرونه ببرقيات وخطابات تعترض أو تمتعض أو تشكو حال أصحابها في ديارهم حتى إذا ما (نوى) معاليه زيارتهم عرفوا بالنية المطوية فعقدوا العزم على التظاهر بما ليس فيهم، وبما يناقض شكاواهم السابقة فيحشدون له من الزينات والزبركات ما يلفت الأنظار بل يلويها عن الغرض من زيارته إذا كان في ذهنه غرض ما..!
وينطلق مهرجان كهذا في العادة من الجهة التي تمثل وزارة الوزير في المنطقة المُزَارة ويصبح بقية المسؤولين الآخرين، والأعيان والأهالي، مشاركين معنيين في الإعداد والاستعداد والصرف على برنامج الزيارة، حيث تدبج الكلمات الخطابية وتنمق القصائد الشعرية، وتقام الولائم الاحتفالية.
فإذا جاء الوزير لافتتاح مدرسة في قرية على سبيل المثال؛ فإن مصاريف حفل استقباله قد تفوق تكلفة بناء المدرسة إضافة إلى تعطيل الوزير نفسه وضياع وقته عن أن يرى مرافق أخرى موضع شكوى أو تحتاج إلى دعم ناهيك عن التدليس الذي تعودناه في كلمات الترحيب إياها..! فإذا احتفلت قرية (غرابستان) القابعة في عمق الصحراء بقدوم وزير الماء والكهرباء على سبيل المثال فخطيبهم المفوّه سوف يتطوع ليقول أمام الملأ: بأن (كل شيء تمام)؟! وان الماء يجري إلى الدور والخدور زلالاً سلسبيلاً..! وان أنوار الكهرباء تكشف إبرة مفقودة في الجبل المواجه..!
وأن أبناء وبنات وشيوخ وعجائز (غرابستان) العظيمة كلهم يقرؤون ويكتبون ويتطببون ويشاهدون التلفزة ويسمعون الإذاعة ويطالعون الصحف والانترنت..! أما الطرق والزراعة فهي على مايرام..! وهم لاينقصهم في حياتهم غير المزيد من الدعاء بطول العمر والبقاء لمعاليه..! وهذا كله كما هو واضح تطوع غبي؛ يساهم في توسيع رقعة الوهم عند المسؤولين لا أكثر.
**ومع إعجابي بحركة الزيارات التي ينفذها وزير الصحة كنت أود أن أسأل معاليه: هل زار مرافق صحية أخرى خلاف المستشفيات..؟ هل زار مثلاً مراكز الرعاية الصحية الأولية وشاهد أوضاعها المزرية؛ فهي لا تملك غير أبسط (العلاج) عوضاًً عن الرعاية والوقاية..! في ظروف إدارية متواضعة ومقار مستأجرة يرثى لها..؟! وهل زار مساكن الممرضات، ومخازن الأدوية ومطابخ المرضى..؟! إذا فعل ذلك معاليه في المستقبل فسوف يعود لقراءة مقولته الجميلة أعلاه دون أدنى شك.
**أمامي رسالة موقعة من قبل ثلاثة من أبناء المنطقة الشرقية - (احتفظ بأسمائهم وأرقام هواتفهم)- وهي تتحدث عن زيارة قام بها وزير التربية والتعليم الدكتور (محمد بن أحمد الرشيد) إلى منطقتهم في اليوم السابع والعشرين من شهر شوال الفارط؛ ويأخذون على معاليه أنه اكتفى بالوقوف على مبان جديدة ونموذجية في الجبيل الصناعية وحدها وانصرف وكان أهالي (بلدة) الجبيل قد كاتبوه وراسلوه وناشدوه خطياً وإلكترونياً وعبر الصحف ليقف على نواقص في المباني المدرسية وصيانتها وكانوا ينتظرون هذه الزيارة لكي يقف الوزير على مبان مدرسية للبنين والبنات قديمة ومستأجرة وهي في أوضاع سيئة للغاية وتشكل نصف مدارس الجبيل كما يقولون ويتهمون إدارة تعليم المنطقة الشرقية بترتيب هذه الزيارة وتنظيم جدولها الذي مكّن الوزير من رؤية مايريدون هم؛ لا ما يجب ان يقوم به الوزير ويرغب فيه الأهالي..!
**حقيقة هنا.. لا أستطيع اتهام أحد ولا تبرئة أحد وكل مافي الأمر ان زيارات المسؤولين الكبار إلى مرافق ومصالح تتبع أجهزتهم هي محط آمال عند كافة المواطنين؛ وإذا جاءت بترتيبات مسبقة واستعدادات سابقة، وخضعت لتوجيه وإدارة من مدير هذه المصلحة أو تلك فهل نتوقع ان تؤتي ثمارها بأن يتمكن الوزراء من رؤية الواقع مثلما هو دون مكياج أو رتوش أو ولائم ودسائم وزفات تبدأ من مدخل المدينة ولا تنتهي إلا بعد مغادرة معاليه أطراف المدينة..؟!
** لو تُرك وزير التربية والتعليم في زيارته لمدينة الجبيل دون أدلاء أو مرافقين أو مبرمجين من قطاع التعليم، فهو دون شك سوف يجد الوقت الكافي لتفقد المباني المدرسية التي وصفها أهالي الجبيل بأنها آيلة للسقوط..! وسوف يسمع من أولياء الأمور والطلاب والمعلمين رأيهم الصريح في إدارتهم، التي لم تلتفت إلى صيانة دورات المياه في مبان مستأجرة في الجبيل..!
**ادعو معالي وزير التربية والتعليم إلى زيارة تفقدية مماثلة إلى محافظة الطائف بشرط ان تكون مفاجئة و(سرية) دون نية مسبقة..! ليقف بنفسه على مدارس قابعة في الخلف وسط أحياء سكنية مكتظة، لا تتوفر على الحد الأدنى من شروط المدرسة التربوية المفترضة فالغرف صغيرة والصالات معدومة والتربية الرياضية لا مكان لها في مبان مخصصة في الأصل للسكن الجماعي وحتى يسمع من موظفي الإدارة ومعلميها ومعلماتها رأيهم في إدارتهم الجديدة، ولماذا زهد عدد من رؤساء الأقسام في مكاتبهم..؟! ولماذا يلح عدد منهم في طلب التقاعد المبكر..؟ ولماذا يرفض منسوبو التعليم في الطائف (اليوم) تقلد مناصب إدارية وإشرافية تعرض عليهم دون مقدمات وقد كانوا بالأمس يوسطون ويبذلون من أجل الوصول إليها..؟!
** تقول الاحصاءات بأن (70%) من مدارس البنين والبنات في المملكة مستأجرة..! وقليل منها صالح لإدارة العملية التربوية والتعليمية، وهي دون أمكنة لائقة للتربية البدنية والفنية، ولا فسحة الطلاب (وطابورهم) الصباحي، ومثل هذا العدد من المدارس ينتظر زيارات دورية من معالي وزير التربية والتعليم دون نية مسبقة مقروءة من أصحاب الشأن، ومعروفة عند المتصدرين المستعدين لزيارات الوزراء والمسؤولين بخطب رنانة وقصائد تلتهب شوقاً وحباً للقيا أصحاب المعالي الوزراء..!

fax: 02 73 61 552


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved