Sunday 18th January,200411434العددالأحد 26 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من شيء من
فريدمان..وعلاج الإرهاب بالمسكنات
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

في مقاله الذي نشرته «الشرق الأوسط» مؤخراً نقلاً عن «النيويورك تايمز» يحاول «توماس فريدمان» أن يتلمس شروطاً من شأنها القضاء على الإرهاب، ليحصرها في ثلاث نقاط هي:
«1» تحسين معلوماتنا الاستخباراتية لردع واعتقال الارهاببيين قبل شروعهم بفعلهم.
«2» تعلم العيش في أجواء خطر أكبر بينما نحافظ على مجتمعنا المنفتح.
«3» والأكثر أهمية إيجاد سبل لجعل المجتمعات التي يأتي منها هؤلاء الإسلاميون تردعهم أولا، فهم الوحيدون الذين يعرفون أناسهم، وهم الوحيدون القادرون على كبح متطرفيهم.
هذه الشروط، رغم أنها تصدر من كاتب أمريكي كبير ومؤثر، إلا أنها- للأسف- تتجاوز السبب الأول الذي جعل الإرهاب الذي يتكئ على فكر «البغضاء والكراهية» لكل ما هو غربي وأمريكي، يجدُ له مؤيدين ومناصرين ومصفقين، وغني عن القول إن هذا الفكر هو الممول العقدي والبشري والعاطفي، وربما الاقتصادي أيضاً، لفكر الإرهاب، هذا السبب الذي تجاوزه فريدمان في مقاله يكمن تحديداً في علاقة أمريكا المجحفة والظالمة بالقضية التي يراها أغلبية العرب والمسلمين قضيتهم المركزية وهي «القضية الفلسطينية».
صحيح أن فكر البغضاء والكراهية للغرب في المجتمعات العربية والإسلامية له جذور فلسفية ضاربة في أعماق ثقافتنا التقليدية، ومن واجبنا الملح تطويقه والقضاء عليه، إلا أن هذا الفكر، مثله مثل الأفكار الأخرى الموجودة في تراثنا، ما كان له أن ينمو ويزدهر بهذا الشكل الوبائي والتدميري الذي وصلنا إليه جميعاً لو لم يجد البيئة المناسبة والمناخ الصالح للنمو والتجذر والانتشار.
أما أحد الأسباب التي شكلت هذه البيئة وساعدت على تهيئة مثل هذا المناخات فهم الأمريكيون أنفسهم.
فماذا سيقول السيد فريدمان للإنسان العربي البسيط وهو يرى الفلسطينيين تسحقهم الآلة العسكرية الإسرائيلية لمجرد أنهم يطالبون أن يعيشوا كما يعيش الآخرون، في ظل دولة مستقلة آمنة، لهم فيها من الحقوق الإنسانية ما للآخرين؟
ثم كيف سيبررُ له موقف أمريكا الداعم والمؤيد لإسرائيل رغم الممارسات الدموية، وتهديم المنازل، وتشريد ساكنيها، التي يمارسها شارون بشكل يومي تقريباً، فلا تجد من أمريكا إلا الحماية والمؤازرة، ودعك من التصريحات «الخجولة» التي تصدر من بعض مسؤولي البيت الأبيض التي تنتقد الممارسات الإسرائيلية بين الحين والآخر، في حين أنها تحمي إسرائيل من أي ضغط دولي من خلال استخدامها حق «الفيتو» في مجلس الأمن، والذي وصلت مرات استخدامه من قبل الأمريكيين لحماية الممارسات التعسفية الإسرائيلية إلى 27 مرة حتى الآن كما تقول الإحصائيات.
وإذا كان «العدلُ أساس الملك»، فإن العدلَ في التعامل مع القضايا العالمية هو- أيضاً- أساس القضاء على الإرهاب. وهذا هو السبب الرئيس الذي سيجعل الأمريكيين عاجزين عن القضاء على الإرهاب إن هم تجاوزه أو أهملوه، فتحسين المعلومات الاستخباراتية، ومحاولة التعايش مع الأجواء الخطرة مع الإبقاء على الانفتاح- كما هما شرطا فريدمان- ستبقى قضايا إجرائية بحتة، إذا لم تكن هلامية، تتعامل مع الهوامش وتتجاوز الجوهر، ومآلها للفشل الحتمي في النهاية.
فبإمكانك- مثلاً- أن تكتشف 99 محاولة إرهابية من خلال أجهزة استخباراتية غاية في اليقضة وتحبطها، غير أن حادثة واحدة فقط تمر على التتبع الاستخباراتي كما جرى في 11 سبتمبر- وهو أمر متوقع علمياً بالمناسبة- كفيلة بأن تجعل كل هذه الجهود كأن لم تكن.
أما الشرط الثاني الذي يدعو فيه فريدمان إلى التعايش مع خطر الإرهاب مع إبقاء «الانفتاح» قائماً، فهو ضرب من ضروب التفكير اللامنطقي الذي يقوم على الجمع بين الشيء ونقيضه، وليست الإجراءات الاحترازية المتشددة التي تمارسها السلطات الأمنية الأمريكية، تحت شعار محاصرة الإرهابيين، والتي هي بكل المقاييس ممارسات «تضييقية» في مجتمع يقوم على الانفتاح والحرية، إلا مثالاً عملياً ينسف هذا الاقتراح من أساسه.
ورغم أنني أؤمن إيماناً كاملاً أن الإرهاب لا يبرر، إلا أنني أؤمن في الوقت ذاته أن الإرهاب كوباء ومرض فتاك لا يمكن علاجه إلا بتشخيص أسبابه بموضوعية ثم علاج هذه الأسباب وليس فقط الأعراض، دون ذلك يكون الأمريكيون كمن يحاول أن يعالج الإيدز بحبة بندول.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved