Monday 12th January,200411428العددالأثنين 20 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

للرجال مواقف! للرجال مواقف!
بكت زوجته لقلة الحال فأكرم السرحاني ضيفه الغائب!

من المعروف أن للزمان قسوة ربما تجاوزت حدود اللامعقول في بعض الأحيان ففي فترة من فترات تاريخنا مر بأهل البلاد شيء من العوز والحاجة للقمة العيش ولكن هذا لم يخضعهم لذل السؤال أو يحط من قيمهم عند الآخرين إذ كانوا أقوياء أشداء أشد من زمانهم، يحصلون على هذه اللقمة بقوة الزند والسلاح عندما يتطلب الأمر ذلك، وفي أثناء تلك الفترة كان هناك مجموعة من رجال قبيلة عنزة وبالتحديد من ولد سليمان اتخذوا الغزو سبيلا للحصول على لقمة العيش رغم ما يمر بالناس من فقر مدقع إذ تتالت الدهور وهلكت الماشية ونفدت من أيدي الناس، ومعنى ذلك ان الغازي للحصول على الماشية لن يجد عند الآخرين ما يشفي غليله ويبرد ظمأته، قلت ان هؤلاء القوم ساروا من أهلهم بقصد الغزو على قبيلة مناوئة لهم لغرض الكسب من ماشيتهم وفي أثناء طريقهم مروا بأرض قوم من قبيلة عنزة أيضا فاراد الغزاة أن يضيفوا على اقرب بيت يواليهم لأنه لا يحق لهم بالعرف القبلي تجاوزه وضيافة غيره من البيوت المتناثرة هنا وهناك طالما أنهم أرادوا الضيافة فأناخوا ركابهم عند البيت الموالي لهم وهو من أكبر البيوت الموجودة في هذا النزل مما يوحي لهم بأن صاحب البيت من أغنياء النزل أو من أشهرهم مكانة، قلت النزل ولم أقل الحي لأن البادية عندما يحطون رحالهم في الصحراء يقال لهم نزلوا أو نزل آل فلان ولا يطلق عليهم في هذه الحالة كلمة حي لأن الحي عند العرب مجموعة من المنازل المبنية من الطين أو ما شابهه المهم أنهم أضافوا على أهل البيت الموالي لهم وكان في لحظتها صاحب البيت غير موجود إذ يقوم أو يغيب عنه برحلة بعيدة ربما كانت للتزود بالطعام، وكان الموجود بالبيت ربته فقط التي رحبت بالضيوف وادخلتهم لمجلس الرجال واحضرت أواني القهوة ووقود النار وعادت لتبحث لهم عن شيء تقدمه كغذاء لهم ولكن مساعيها فشلت إذ كل المحيطين بها على شاكلتها وعادت لبيتها وضيوفها وهي تتجرع الحسرة على عدم توفر أي شيء لها تقدمه.. لضيوفها الذين لم يضيفوا عندها إلا لتناول الطعام وامام هذا العجز سكبت دموعها على خديها كوابل المطر فانتبه رئيس القوم المدعو صياح المرتعد لما جرى لمضيفته وقال لماذا البكاء قالت: صاحب البيت غائب في رحلة بعيدة والمرأة حضرتها ما فيها بركة تقصد نفسها لانها تعجز من القيام بواجب الضيوف إذ لم يتوفر في بيتها ما تقدمه لهم.
فقال رئيس القوم صياح المرتعد لا تهتمي أنت البركة كلها واللي ما يتوفر اليوم يتوفر غدا والدنيا وما فيها زائل إذا ما قدمت لنا اليوم شيئا فالمرة الثانية يكون متوفرا وتقدمينه لنا ولا يكون بخاطرك إلا الزين نحن ضيوف على عجل لا نستطيع الاقامة عندكم أكثر من الوقت الذي أمضيناه في هذا البيت لان نيتنا بعيدة أي المسافة الذاهبين لها.
وأمر اصحابه بالرحيل تلافيا لاحراج ربة البيت وسلكوا طريقهم حتى تجاوزوا هذا المنزل واناخوا ركابهم على ما يسر الله لهم في تلك الليلة ومضوا في طريقهم صبيحة الغد.
أما صاحبة البيت فقد عاد زوجها من رحلته وأخبرته بما حدث فسألها هل عرفت اسم رئيس الضيوف فقالت: نعم انه صياح المرتعد من قبيلة عنزة من ولد سليمان فما كان من صاحب البيت المدعو علي السرحاني إلا أن أمسك باحدى نياقه الغالية ووضع وسم صياح المرتعد «العلامة المميزة» له وأشهد من حوله من الرجال بأن هذه الناقة لصياح المرتعد عوضا عن وليمة عشائه الذي لم يتناوله في وقته بسبب غيابه من ناحية وقلة ما باليد من ناحية أخرى ومرت السنون وأنجبت الناقة وصارت أمًّا لعدد من الإبل وقد عمد علي السرحاني على وضع وسم صياح المرتعد على سلالة هذه الناقة على أنها من بنات ناقته الخاصة به والتي حصل عليها دون علمه مقابل ضيافته على بيت علي السرحاني أثناء غيابه ومكافأة له من ناحية امساك صياح للسانه عن القيل والقال في غفلة السرحاني لأن من عادة الضيوف قليلي الذوق إذا لم يقدم لهم وليمة مرضية يشرعون في ذم مضيفهم لعدم اكرامه إياهم أما صياح المرتعد فانه لم يكن من هؤلاء بل أدعى أمام الناس انه نال من الاكرام ما يفوق الوصف من لدن علي السرحاني حفاظا على سمعته ومكانته القبلية وأخيرا التقى علي السرحاني بصياح المرتعد وقال له هذه الابيات:


يالمرتعد واجبك حق وصايب
حق على اللي يفهمون المواجيب
وسمتها بحضور كل القرايب
ذبيحتك يا منقع الجود والطيب
لو ما بغينا ما علينا غصايب
لاشك ضيف البيت له حق ومصيب
يفداك منهو ضارين للسبايب
لاضاف علق بالمعتزب كلاليب
جماله يا شوق ضاف الذوايب
وذي عادة الطيب بستر المعازيب

وهنا أفاده بأن وسم إحدى نياقه كضيفه له من ناحية وكعرفان بجميل تكتمه على هفوة المضيف حتى وان كان غائبا عن بيته فرد المرتعد بالأبيات التالية موضحاً أن النياق مقسومة من الآن بين المضيف ومضيفه وأهل بيته وأشاد بأبياته تلك بطيبة ربة بيت علي السرحاني وان من جرب قساوة الدنيا لا يمكن أن يشنأ أي يذم الناس..
الأبيات:


الطيب في وجه المشبب وهايب
وطيب الفتى من عند ربه مواهيب
ثلث لنا وثلثن لبيتك حلايب
مقسوم بين الضيف هو والمعازيب
ومعزبتنا يا علي وأنت غايب
نشمية تسوي كثير الرعابيب
من جرب الدنيا يعرف النوايب
تراه ما يشنأ ولا يذكر العيب
واللي يسب لشبعه البطن خايب
أصل القراء زين النبا والتراحيب

القصة أعلاه أخذتها عن الزميل والصديق إبراهيم اليوسف مقدم برنامج البادية فله مني الشكر والعرفان بالجميل..
المرجع
حكايات من الماضي لمحمد بن زبن بن عمير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved