Monday 12th January,200411428العددالأثنين 20 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا من أين أتينا
َحرية التعبير.. المفهوم الغائب
د. عبدالله بن ناصر الحمود(*)

يبدو من الأمور المستقرة لدى المجتمعات الإنسانية قاطبة - على مر العصور والأزمنة - أن حرية التعبير عن الآراء والأفكار حق مشروع لبني البشر، وقيمة اجتماعية نبيلة. ولذلك، يمكن أن يُرد عدد من الصراعات التي جرت وتجري في المجتمع الإنساني إلى سوء تعامل الإنسان مع هذا الحق البشري، ومع هذه القيمة الحياتية. ومن خلال الجمع بين التسليم بأهمية التعددية الفكرية وكفالة الحقوق المجتمعية في التعبير عن الآراء والأفكار من جانب، ومن جانب آخر وجود خلافات بشرية متعددة تتخذ من تلك الحرية في التعبير محورا لها، تظهر أمامنا مشكلة مجتمعية لا تزال تتجذر في فكر المجتمع الإنساني وتنخر أركانه، ويبرز سؤال مهم جدا قد لا يتعلق بمدى قبول التعددية الفكرية ذاتها أو الحق في التعبير عنها، ولكن ربما يرتبط بأسلوب التعبير عن الأفكار والآراء وآليات ذلك التعبير.
وبنظرة فاحصة لواقع مجتمعنا السعودي يمكننا الخلوص إلى نتيجة مفادها أن مشكلتنا - كمجتمع إنساني - مع موضوع التعبير عن الآراء والأفكار تتسق مع ما سبق. فنحن مجتمع يؤمن بأهمية التعبير عن الآراء والأفكار، وتضمن مؤسسات المجتمع المختلفة «من خلال سياساتها ولوائحها» أن لكل فردٍ الحق في التعبير عن آرائه وأفكاره. لكن ثمة مشكلة لدى بعض الناس - كما يبدو - في فهم طبيعة هذا الحق وآليات ممارسته.
المفهوم الشامل للتعبير عن الآراء والأفكار لا يزال مفهوما غائباً لدى بعض الناس، بل ربما أعتقد عدد من كيانات المجتمع وأفراده أن الحق في التعبير عن الآراء والأفكار هو حق مشاع لا تحده حدود ولا أعراف ولا أخلاقيات. و من هنا وقعت بعض كياناتنا المجتمعية كما وقع بعض الأفراد في مهلكة «سوء التعبير عن الرأي مع ظنهم أنهم إنما يمارسون «حقهم في التعبير عن الرأي». والفرق بين الأمرين هو فرق في المفهوم والأسلوب. التعبير عن الرأي مكفول في مجتمعنا السعودي بمستوى عال جدا. لكن سوء استخدام هذا الحق أمر مرفوض، ليس في مجتمعنا فقط، ولكن في كل مجتمعات الدنيا. ولذلك، أعتقد أننا مجتمع لا يزال يحتاج إلى مزيد من المران والتدريب لمعرفة كيفية ممارسة عدد من الحقوق المجتمعية، ومنها الحق في التعبير. ولأن مساحة هذا المقال لا تفي بالتفصيل، فلعلي أوجز كثيرا وأقول إنه ليس من الحق في التعبير النيل صراحة أو تلميحا من شخصيات مجتمعية أو من شخصيات معنوية لمؤسسات المجتمع، وليس من ممارسة الحق في التعبير أن تُطلق الآراء والأحكام على الناس والأشياء «المعينة» دون دلائل ومعلومات موثقة ودون استطلاع دفاع الجهة موضوع الآراء والأفكار.
التعبير عن الآراء والأفكار قيمة سامية ونبيلة، ويجب أن يكون استخدامها استخداما سامياً ونبيلا، خاليا من الهوى الجائر على الناس والأشياء، ومترفعا عن الإسفاف في القول، وأن يكون القصد والغاية والأسلوب والوسيلة محققات للمصلحة الوطنية. ثم هناك شرط مهم جدا من شروط التعبير المسؤول عن الآراء والأفكار، وهو أن لا يعتقد من يعبر عن فكره أو رأي ما، ان هذه الفكرة أو أن هذا الرأي مصادران لغيرهما ونافيان لذلك الغير أن يكون له الحق في الاختلاف وربما السيادة، انطلاقاً من القناعة بأن الرأي الآخر ليس إلا خطأ يجب العدول عنه. وهنا يقع المحظور فيما شاع لدى بعض الناس من مفاهيم حول حرية التعبير عن الرأي.
أخشى أن نكون قد أتينا من منقصة في فهمنا للأسلوب الأمثل في التعبير عن الآراء، ذلك الأسلوب الذي يُفتح له كل باب في مجتمعنا الكبير. وأن يكون منا من اعتقد أن حرية التعبير عن الرأي تكفل له النيل ممن شاء، كيفما شاء، بأي أسلوب أو وسيلة شاء.

( * ) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved