Monday 12th January,200411428العددالأثنين 20 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
عمل المرأة والبَطالة
عبدالرحمن صالح العشماوي

تقول لنا لغتنا الحبيبة: بَطَل العاملُ والأَجير فهو بطَّال، وبطَّلَ فلانٌ عامِلَه أي: عطَّله عن العمل، وقطعه عنه، ويُطلق على هذا التَّبطيل أو التعطيل بَطالةٌ بفتح الباء وبكسرها وبضمِّها، وهذا المصطلح شائع في زماننا هذا بل هو من المصطلحات المهَّمة لارتباطه بخطط التنمية، وتوفير الأعمال والوظائف للناس، وبناءً على ارتفاع مستوى البطالة أو انخفاضه يكون الحكم على استقرار الدول أو اضطرابها.
وهنا نقف عند موضوع «البَطالة» في مجال النساء، وهو موضوع يُطرح كثيراً في وسائل الإعلام في هذه الفترة، وتتعدَّد فيه الآراء، ويتباكى فيه المتباكون على وجود «بَطالةٍ» في عمل المرأة، ونقصٍ في مجالات توظيفها، وقد ساد هذا التباكي وانتشر في معظم البلاد الإسلامية، حتى أصبح ادِّعاء العمل على توفير مجالاتٍ واسعة لعمل المرأة المسلمة سمةً بارزةً لكلِّ من يصنِّف نفسه في صفوف أنصار حرّية المرأة ورعاية حقوقها في هذا العصر.
ولنا أن نعيد الأمور إلى نصابها ونتساءل: هل هنالك مشكلة بَطالةٍ حقيقية عند المرأة المسلمة؟ ومن أين جاءت إلينا هذه الدعوات؟، ومتى بدأتْ تُرْفَع في بلادنا الإسلامية هذه الشعارات؟ مَنْ الذي قال: إنَّ المرأة عاطلة عن العمل، وتشكو من ضيق مجالاته، وتعاني من بَطالةٍ في هذا المجال؟.
يؤكد لنا الاستقراء التاريخي الموثَّق أنَّ هذه الدعوة ليست نابعةً من مجتمعاتنا المسلمة، وإنما هي منقولةٌ من المجتمعات الغربيَّة التي ابتعدت عن الدين الصحيح، وخرجت عن نطاق الفطرة السليمة، وصادمت سُننَ الكون الطبيعية، فأخرجتْ بثوراتها التحرُّرية المزعومة المرأةَ من دائرة عملها الكبيرة، إلى دوائر عملٍ صغيرةٍ، زاحمتْ فيها الرِّجال، وهي لا تقوى على المزاحمة، وبدأت حياة شقيَّة من الركض وراء الأستقرار الوظيفي خارج إطار عملها الكبير عمل المنزل فما رأت إلا التعب والشقاء وهضم الحقّ والاعتداء على العرض من قبل الرِّجال الذين انسلخوا من القيم والأخلاق، فأصبحوا حريصين على رؤية موظفاتٍ مكشوفات النحور والسيقان في مكاتبهم، حتى يستكملوا دائرة اللذَّة المحرَّمة القائمة على تحطيم الأسرة وكيان المجتمع المتماسك.
هنا بدأت مشكلة «البَطالة» عند المرأة، وبدأت المطالبات بفتح أبواب توظيفها حتى يتم توظيف الأعداد الكبيرة من النساء اللاَّتي ينتظرن أعمال المكاتب، والمصانع والمزارع، بعيداً عن مجال عملهم الأهم الأوسع والأفضل في بيوتهنّ.
وإذا التفتنا إلى الوضع الطبيعي لعمل المرأة وجدنا أن وظيفتها الكبرى في منزلها، تعدل كلَّ الأَعمال الأخرى التي تقتحم فيها مجالاتٍ ليست لها إلا في نطاقٍ ضيف.
ليس في مجتعاتنا نساء عاطلات، وليس في حياة المرأة المسلمة بَطالة، إنَّما نشأت هذه القضايا من وجود خَلَلٍ في حياة الأسرة المسلمة، والمجتمعات المسلمة في ظل هذا التّيه الحضاري الخطير الذي يعيشه العالم.
أصل عمل المرأة موجود، مكفولٌ لها من الله عز وجل، ووظيفتها التي يعجز عنها الرجال موجودة في مؤسستها الكبيرة «الأسرة» فهي لا تعرف بطالة أبداً، ما زلت أذكر وتذكرون جداتنا وأمهاتنا حينما كانت وظائف بيوتهنَّ تشغل أوقاتهن، وإذا احتاج العمل في الحقل، أو المزرعة دعمها ومساعدتها خرجت من المنزل في وقت الحاجة لتؤدي دورها في المساعدة، ثم تعود إلى عملها المهم في أسرتها وبيتها، ومازلنا نرى الآن، ونعيش مع نساءٍ من أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا يقمن بهذه الوظيفة خير قيام، وتستغرق أوقاتهنَّ بأعمال نافعة منتجةٍ مهمة للأسرة والمجتمع والأمة، فإذا احتاجت إحداهن إلى عملٍ وظيفي، أو أتيحت لها فرصة لا تضر بعملها الوظيفي الأوَّل خرجت إلى عملٍ يناسبها ويحفظ لها كرامتها.
فلا بطالة إذنْ إلا في عقولِ من ينظرون إلى عمل المرأة بمنظارٍ يُلغي أو يتناسى عملها الحقيقي الكبير في منزلها الذي تنشيء فيه سواعد العمل لأمتها.
هل يمكن أن نعيد هذا الأمر إلى نصابه، ليكون طرحه موضوعياً بعيداً عن المزايدات؟.
إشارة:


أعيذ قلبك أن يشقى بلوعته
وأن يفجِّر فيه الحزن بركانا


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved