Friday 9th January,200411425العددالجمعة 17 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الحق والقوة الحق والقوة

قامت دعوى بيتا وبين نفر من بلدياتنا المجاورين لنا في البلاد لمسنا من الذي جلس لنا أنه ليس هادئاً وليس متواضعا والمتهم الذي اتهم بجريرة هو متهم فقط لم يثبت عليه شيء لكنه بسبب ضعف شخصيته وكثرة كلامه قوي التهمة الموجهة اليه ووالدنا كبير لا يستطيع التعبير عما يريد كما أنه فقير الحال والمشتكي إلى الله فبما تبذلون نصحكم العام؟ خاصة المتهم المدان بسبب شخصيته/ فقط..؟

أحمد .م.ن سعيد. م. ن قطر.. الدوحة.
ج: أجيب على ما أوردتما بمقتضب من القول أوجهه لمن ينظر قضية ما ولمن تحمل مسؤولية فيريد براءة ذمته وسلامة دينه.
فأقول:
قال في أعلام الموقعين: «كتب عمر إلى أبي موسى، أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أُدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له». «آسِ الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك، حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك». البينة على المدعي، واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالاً. ومن ادعى حقا غائبا أو بينة فاضرب له أمداً ينتهي إليه فإن بيِّنه أعطيته بحقه وان أعجزه ذلك استحللت عليه القضية فإن ذلك هو أبلغ في العذر وأجلى للعمى. ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق فإن الحق قديم لا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.
والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجربا عليه شهادة زور أو مجلوداً في حد أو ظنياً في ولاء أو قرابة فإن الله تعالى تولى من العباد السرائر وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان، ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك ممات ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة. ثم قايس الأمور عندك واعرف الأمثال ثم اعمد فيما ترى أيها أحبها الى الله وأشبهها بالحق، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر عند الخصومة أو الخصوم.
شك أبوعبيد فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ويحسن به الذكر. فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس في نفسه شانه الله، فإن الله تعالى لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصاً، فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته.
وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه». فعلي هذه الحال تكون حال القاضي في مجلس القضاء وفي مجلسه الخاص به عند إخوانه وفي نظره واطلاعه وسبره للأمور والحوادث والنوازل فالقضاء له حال تخالف حال غيره وحال القاضي لها صفات هي الزهد والورع ولزوم السنة ومتابعة الحق وحفظ اوامر الله واجتناب نواهيه والعدل وقول الحق بعقل وحكمة، وبذل الوسع في المجلس أن ينصر المظلوم من الظالم في الحقوق والدماء والأعراض وعامة ما تقوم من أجله الخصومات فحال القاضي هي في تحليلي حال القدوة العليا فلا عنف ولا لهو ولا غلظة ولا عبوس ولا بطر وعجلة ولا جرم فالقاضي أحوج الناس بأن ينسب عنه أنه القدوة في حله وترحاله وأن يصدق في هذا مع الله ثم مع نفسه بفرض إرادة التقوى وقول الحق وطلب رضاء الله في حاله ومقاله ولا ريب عندي ان القاضي منظور إليه اليوم كما هو منظور إليه بالأمس أنه الموقع عن الله في الحكم والنظر وهو بهذا أحوج ما يكون إلى هذه الامور:
1 نصرة الضعيف حال التهمة وتقوية عزيمته والشد منها جدا وإحساسه أنه في موقف عدل فلا نهر له ولا رفع صوت عليه ولا زجر ولا إهانة أو تحقير.
2 إشعار القوي بمساواة الضعيف له وأن البينة هي القاطع في هذا المقام وأنه لا فرق بين قوي وضعيف لا في النظر ولا في المجلس ولا في توجيه الكلام أو إصدار الحكم ولاشك أن القوي إذا شعر أن الحق هو المطلب فإما أن تكون الحكومة له أو عليه.
3 التمهل جدا وسعة البال والسماع لكل قول فإن لصاحب الحق مقالاً، وإذا لم ينفس المدعي أو المدعى عليه عما في نفسه فإن هذا يكون مجلبة لقصور الإحاطة بحقيقة القضية والقاضي هنا واجب حاله الحاضرة سماع القول كله فإن تصور حقيقة القضية لا يكون إلا بعد السماع كاملاً وإنهاء قضية واحدة على مهل خير من إنهاء قضايا كثيرة، يعود القاضي في بعضها إلى خلاف ما ذهب إليه من قبل.
ولا ريب أن حالة القاضي العقلية وحالته النفسية حالتان لحصول حقيقة الدعوى وأدلتها من المدعي والمدعى عليه والشهود والوقوف على ما فيها من صدق وادعاء وذلك بما يكون عليه ناظر القضية من عمق ونباهة وصدق ظن. قال في الطرق الحكمية «فقد سألني أخي أن الحاكم أو الوالي يحكم بالفراسة والقرائن التي يظهر له فيها الحق والاستدلال بالأمارات ولا يقف على مجرد ظواهر البينات والأحوال حتى أنه ربما يتهدد أحد المدعيين إذا ظهر له منه أنه مبطل وربما ضربه وربما سأله عن أشياء تدله على بيان الحال فهل ذلك صواب أم خطأ». وقال: «ولم يزل هذا من الحكام والولادة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادة تخالفها ولا إقرار.
وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود فرقهم وسألهم كيف تحملوا الشهادة وأين تحملوها وذلك واجب عليه متى عدل عنه أثم وجار في الحكم وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سأل المدعي عن سبب الحق وأين كان ونظر في الحال هل يقتضي صحة ذلك وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله والمدعى عليه وجب عليه أن يستكشف الحال ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال. وقل حاكم أو والٍ اعتني بذلك وصار له فيه ملكة إلا وعرف المحق من المبطل وأوصل الحقوق إلى أهلها.
وإذا كانت هذه حالة القاضي في مجلس القضاء وفي مجلسه مع نفسه ينظر ويدرس ويختبر ويقارن ويستشير فما هي حالة المتهم بعد أن رأينا حالة القاضي النفسية والعقلية والحكميةقال صاحب الطرق: «القسم الثاني من الدعاوى دعاوى المتهم وهي: دعوى الجناية والأفعال المحرمة كدعوى القتل وقطع الطريق والسرقة والقذف والعدوان فهذا ينقسم المدعى عليه فيه إلى ثلاثة أقسام: فإن المتهم:
1 إما أن يكون بريئاً ليس من أهل تلك التهمة.
2 أو فاجراً من أهلها.
3 أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم حاله.
فإن كان بريئاً لم يجز عقوبته اتفاقا واختلفوا في عقوبة المتهم على قولين أصحهما يعاقب صيانة لتسلط أهل الشر والعدوان على أعراض البراءة.
والقسم الثاني: أن يكون المتهم مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام والمنصوص عليه عند أكثر الأئمة أنه يحبسه الوالي».
لكن الصواب خلاف ذلك لبراءة ذمة المتهم.
«القسم الثالث: أن يكون المتهم معروفاً بالفجور كالسرقة وقطع الطريق والقتل ونحو ذلك فإذا جاز حبس المجهول فحبس هذا أولى».
وهذا كله من ابن القيم مراداً به إدراك حالات المتهم عند حصول التهمة وما ذكره فيه ليس شيئاً يراد به أن المتهم هو المتهم لكنه يراد به إدراك واقع التهمة وإلا فالأصل براءة الذمة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved