Monday 5th January,200411421العددالأثنين 13 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
هجرة كتب أم (اغتراب) عقول؟!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

كنت ممَّن شرُفَ في التعليق على سؤال طرحَتْهُ مجلة (اليمامة) قبل حين على عدد من المهتمّين بالشأن الثقافي المملكة، وتناول السؤالُ (التغريب والهجرة للكتاب السعودي).
***
* وقد أعددتُ لتلك الغَاية مداخلةً قلتُ فيها إننّي كنتُ أتمنّى لو طُرحَ هذا السؤالُ الهام على عيّنة مختارة من الكتّاب السعوديين الذين (لجأوا) إلى الخارج وما برحُوا يفْعلون ابتغاء تفْعيل إنتاجهم الفكري، طباعةً ونشراً، فهُم القادرُون على شَرْح الأسباب والحيثيات التي سَوّغت لهم ذلك الفعلَ، وهم بالتالي، أوْلى بالحديث عن تجاربهم بدلاً من حديثِ الغير نيابةً عنهم!
***
ثم وجّهتُ دفّةَ الحديث ردّاً على السؤال مباشرة فقلت:
لكلِّ كاتبٍ (يلجأ) إلى الخارج لطباعة حصَاده الفكري أسبابُه ومسَوغاتُه، منها ما هو معرُوفٌ، ومنها ما قد يتفزُّ استنباطُه فهمَ القارئ وفضوله، فيبقى أسيرَ مقَاصِد صاحب الكتاب: معنىً وغايةً.
وفي تقديري المتواضع أنّ من أهم أسباب (هجرة) الكتاب السعودي إلى الخارج ما يلي:
أولاً: ارتفاعُ تكلفة الطباعة محلياً، هو أمرٌ يتكرّر طرحُه على السمع والبصر مرةً تلو أخرى مِنْ لدن مَنْ خاض هذه التجربة، أقول هذا رغم أنه يتعذّر التسليم بهذه الفرضيّة أو رفضُها في ظلّ غياب الحقائق الدالّة عليها ميدانياً.
***
ثانياً: عدم توفّر التقنية العالية للطباعة بالمواصفات الفنية التي يتمنّاها الكاتب، مقارنةً بما هو متوفّر في الخارج، وإذا وُجدتْ، فهي تبزّ طاقة صاحبَ المنتَج على الإنفاق، وهذه فرضيةٌ أخرى أتردّدُ كثيراً في نفْيها أو إثباتها في غياب المعلومة الميدانية الخاصة بها.
***
ثالثاً: يُقَال إنَّ بعضَ الكتَّاب يعانُون كثيراً من التعامل فنياً ومالياً و(بيروقراطياً) مع بعض دُور النشر المحلية، مما قد يضْطرّهم للهجرة إلى خارج البلاد حيث الأمور أكْثرُ تقْنيناً، وأدقُّ تنظيماً مما يساعد على حفظ حقوق المؤلف والناشر معاً، واعتقد أنّ لهذه الفرضية قدراً كبيراً من الصواب!
رابعاً: هناك فرضية رابعة تقول إن الكتاب المطبوع محلياً أقلّ حظاً في الانتشَار ممّا لو كان مطبوعاً في الخارج، ولذا يلجأُ الكاتب إلى خارج الحدود طمَعاً في انتشار إنتاجه، قراءةً ونقداً واحتفاءً، وأرى أن لهذه الفرضية نصيباً أكْبرَ من الصواب في ظل ما يُعلمُ وما يُقَال عن شبهة (الكسَاد) الثقافي في بلادنا!
***
* من جهة أخرى، أودّ أن أضيفَ إلى ما سلف القولَ بأنّ التعليق على كلمة (التغريب) التي أوْردَها السؤالُ موضوعُ المداخلة ربما توارَى طرحُه تلميحاً بين بعض سطورها، وربما كان ملائماً الآن التعليقُ على هذه الكلمة بشيءٍ من التصريح لا التلميح، والشفافية لا الانغلاق، فأقولُ باختصار:
هناك مَنْ قد (يسيحُ) ذِهْناً ووجداناً وقَلَماً خارج (سرب) الوطن والثقافة، فيكتب شيئاً (يتنَافسُ) غايةً ومضموناً مع بعض الفرضيات أو المسلّمات أو القناعات التي يتحَدّدُ في ضوئها هامشُ الحديثِ المباح وغير المباح، وأعتقدُ أن الهامشَ (الديمقراطي) للنشر في أيّ بلد، مهْمَا اتّسَعَتْ مسَاحةُ التسَامح فيه، لا بدّ أن تَتَخلَّله (خطوطٌ حُمر) في معظم الأحْوال لحجَبِ التعبير عمَّا قد يُرى فيه مسَاسٌ بالثوابت الدينية أو السياسية أو الاجتماعية، ونحو ذلك، ومن ثَمَّ، فإن من حقِّ كل بلد أن يَتبَنَّى لذلك الهامش سقفاً ما (يمنحُ) من خلاله و (يمنعُ) ما يُنشَر!
***
صحيح أنه قد يكون هناك (غلوٌّ) في تطبيق مفهوم (الأمن الإعلامي) بدرجة ما في بعض البُلدان يؤثّر على هذا السقف علوَّاً أو انخفاضاً، لكن يظلُّ هذا القولُ استثناءً من القاعدة ومُؤكّداً لها!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved