حققت المملكة خلال الحقبة الماضية قفزات تنموية وانجازات تنظيمية مهمة، ولم تقتصر هذه النهضة على مجال واحد وإنما شملت جميع المجالات وبخاصة المجال التنظيمي، حيث يعد اصدار الأنظمة الأربعة الأساسية «النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام مجلس الوزراء، ونظام المناطق» نتاج تجربة بدأت منذ تأسيس هذا الكيان، وهي منبثقة من شريعتنا الاسلامية التي هي الأساس والقاعدة.
ولقد سبق ان أكد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - عزمه على اجراء التطوير والتحسين على هذه الأنظمة متى دعت الحاجة لذلك «عكاظ العدد 111000 وتاريخ 23/8/1417هـ»،وهذا التأكيد يتفق مع مقتضيات التطور وتلمس مواطن التطوير في الأنظمة المطبقة ومنها نظام مجلس الشورى.
ولقد ظهر من خلال التجربة العملية لمجلس الشورى أهمية تعزيز دوره بما يحقق خير البلاد وصلاح شعبها والحفاظ على روابط الأخوة والتعاون على البر والتقوى ووحدة الجماعة وكيان الدولة ومصالح الأمة حسبما نص عليه نظام المجلس، وهذا يعزز مطلب زيادة الاختصاصات الموكلة الى المجلس وبخاصة أن المادة الخامسة عشرة من نظام المجلس قد أتاحت حيزاً مهماً لمشاركة المجلس في السياسات العامة للدولة التي تحال اليه من رئيس مجلس الوزراء، ومن هذا المنطلق تظهر المصلحة في اقتراح أن يدخل في اختصاص المجلس الحق في المبادرة باقتراح ما يراه من أنظمة، وكذلك اقتراح تعديل الأنظمة النافذة، وهو أمر يتفق ودواعي التنمية المستمرة ومقابلة الحاجة الى مسايرة العصر الذي يتسم بالمستجدات والمتغيرات المتلاحقة والمتسارعة التي تستدعي مراجعة الأنظمة وتطويرها بصفة مستمرة.
وباستقراء المادة السابعة عشرة ومقابلتها مع النص السابق يتضح الآتي:
1- ان قرارات مجلس الشورى ترفع الى الملك الذي يقرر ما يحال منها الى مجلس الوزراء مما يعني أنه ليس بالضرورة أن تحال جميع قرارات مجلس الشورى الى مجلس الوزراء وفقا لهذا التعديل إذ يمكن تبني بعض قرارات مجلس الشورى أو اتخاذ اجراء بشأنها دون الحاجة الى احالتها الى مجلس الوزراء، وهذه القراءة خاصة بالموضوعات المندرجة تحت بند الاختصاصات الرقابية الواردة في المادة الخامسة عشرة من نظامه وتتمثل في التقارير السنوية وخطط التنمية اضافة الى ابداء الرأي في السياسات العامة، أما فيما يتعلق بقرارات مجلس الشورى المتعلقة بالاختصاصات التنظيمية المتمثلة في مشروعات الأنظمة واللوائح والاتفاقيات والمعاهدات الدولية وعقود الامتياز وتفسير الأنظمة فإنه في ظل استمرار العمل بالأحكام الخاصة باصدار هذه الأنظمة في النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الوزراء «المادتين 20و21» فإنه يلزم ان تحال قرارات مجلس الشورى الخاصة بهذه الموضوعات الى مجلس الوزراء للنظر فيها وفقا للأحكام المشار اليها.
2- أكدت المادة السابعة عشرة في ضوء نصها الجديد على أنه يلزم اعادة كل موضوع تتباين بشأنه وجهات النظر بين مجلس الشورى ومجلس الوزراء الى مجلس الشورى ليبدي ما يراه بشأنه، في حين أنه وفقاً لمقتضى النص السابق فإن المسألة تقديرية وغير ملزمة.
وهذا التعديل يعطي المجلس دوراً أكبر بما يتفق وطبيعة الدور الذي يباشره، كما أنه يعزز موقفه في الخريطة التنظيمية للدولة اضافة الى أنه يجعل المجلس يقف على المعطيات والحيثيات التي دعت مجلس الوزراء لتبني موقف متباين مع مجلس الشورى.
3- ان مقتضيات المصلحة العامة ومتطلبات العمل تستدعي ان ينحصر التباين المنصوص عليه في المادة السابعة عشرة على الجوانب الموضوعية فقط أما فيما يتعلق بالجوانب الصياغية والاجرائية فإنها لا ترتقي لتكون محل تجاذب وتباين بين المجلسين، كما أنه ليس لها أثر قانوني يستدعي شمولها بالحكم الوارد في المادة السابعة عشرة المعدلة.
أما فيما يتعلق بالمادة الثالثة والعشرين فإنه ينبغي التنويه الى الآتي:
1- ان المجلس فيما مضى لم يكن يملك المبادرة لدراسة الموضوعات وكان يقتصر دوره على دراسة ما يحال إليه مما قيّد المجلس كثيراً وقلل من فرص مشاركته في تطوير وتحديث الأنظمة السارية، وهو بهذا التعديل أصبح صاحب المبادرة ولتحقيق قدر أكبر من الأهداف المرجوة من هذا التعديل وللاستفادة من خبرات أعضاء المجلس ومؤهلاتهم فإنه يلزم ان توضع القواعد الاجرائية الكفيلة بتفعيل هذه المادة بعد تعديلها ويمكن أن تطرح في هذا السياق البدائل الآتية:
البديل الأول: يعد المقترح ويرفع لرئيس المجلس لاحالته الى المجلس الذي ينظر فيه من حيث الملاءمة فإن وافق عليه تتم معاملته كما تعامل الموضوعات المحالة الى المجلس وفقاً للمادة الخامسة عشرة من نظامه بأن يحال المقترح الى احدى لجان المجلس المتخصصة لتقوم بدراسته والتعرف على مواقف الجهات ذات العلاقة ومن ثم اعداد تقرير بشأنه يرفع الى المجلس.
البديل الثاني: عند موافقة المجلس على المقترح من حيث المبدأ «الملاءمة» يتم الطلب من الجهة الحكومية المعنية بإعداد صيغة مشروع نظام أو صيغة تعديل نظام نافذ وإعادته للمجلس ليأخذ دوره كسائر الموضوعات الأخرى المحالة الى المجلس.
البديل الثالث: يرفع المقترح لرئيس المجلس الذي يحيله الى لجنة الأنظمة والادارة التي تقوم بإبداء الرأي بشأنه من حيث مناسبة اصداره كنظام وهل هو من الموضوعات التي يلزم ان تصدر بصورة نظام والتي تم تحديدها في النظام الأساسي للحكم على سبيل الحصر، كما أن على اللجنة ان تتأكد من مدى اتساقه مع الأنظمة السارية، وترفع اللجنة تقريرها للمجلس الذي يقرر فيه فإن وافق على دراسته تتم احالته الى اللجنة المختصة لتتم دراسته والتعامل معه على غرار الموضوعات المحالة الى المجلس وفقاً للمادة الخامسة عشرة من نظامه.
ويظهر لي مناسبة البديل الثالث باعتبار ان المادة الثالثة والعشرين حصرت العناوين التي تدخل في نطاقها وقيدتها بتلك التي تصدر على هيئة نظام وفقما حدده النظام الأساسي للحكم، لذا فإن الموضوعات والمقترحات التي لا تدخل في اطار الاختصاصات التنظيمية وغير المشمولة بالحكم الوارد في المادة الثالثة والعشرين المشار اليها لا يمكن تبنيها وفقاً لهذا الحكم.
وسيعطي هذا البديل المجلس دوراً أكبر في صياغة مشروع النظام أو التعديل وسيكون دوره أبلغ وأقوى نظراً لأن المشروع المقترح غالباً ما تبرز فيه شخصية مقترحه.
ولدعم وتفعيل ما استجد من تعديلات على نظام مجلس الشورى فإنه يمكن تبني المقترحين التاليين:
المقترح الأول:
لإعطاء المواطنين فرصة للتفاعل مع مجلس الشورى والتعامل معه ولتوسيع دائرة المشاركة في اتخاذ القرار وهي السياسة التي تبناها ودعا اليها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وولي عهده الأمين فإن بالإمكان النظر في تكوين لجنة متخصصة تسمى لجنة المقترحات والعرائض للنظر في مقترحات المواطنين وآرائهم ودراستها، والنظر في الاستفادة منها في اطار المادة الثالثة والعشرين المعدلة، وتكون هذه اللجنة بديلة للجنة العرائض المكونة حالياً من بعض الموظفين الاداريين، أو يعدل مسمى لجنة الأنظمة والادارة ليصبح لجنة الأنظمة والإدارة والمقترحات والعرائض.
وهذا المقترح سيحقق الكثير من المصالح ومنها أنها ستتيح الفرصة لتعزيز تفاعل المواطن مع المجلس، وستوجد قناة اتصال بين أعضاء المجلس والمواطنين.
المقترح الثاني:
ان متطلبات تعديل المادتين السابعة عشرة والثالثة والعشرين تستدعي النظر في اقتراح تعيين وزير لشؤون مجلس الشورى، وسيحقق هذا التعيين الكثير من المصالح ومنها تقليص صور التباين في وجهات نظر المجلسين، اضافة الى أنه سيتيح لكل مجلس عند نظره في الموضوعات المشتركة التعرف والوقوف على المعطيات والحيثيات التي استند اليها المجلس الآخر عند اصداره قراره.
ويمكن ان يتصدى وزير شؤون مجلس الشورى لاستفسارات أعضاء المجلس وملحوظاتهم، كما قد ينقل بعض مقترحات الأعضاء الى مجلس الوزراء للنظر في الاستفادة منها وبخاصة في الجوانب ذات الصلة بالاختصاصات الرقابية والتنفيذية.
والله الموفق.
|