* كتبت الطفلة الصغيرة البريئة، (وصايف بنت عبدالعزيز المقرن)، رسالة مؤثرة بخط يدها، تخاطب فيها (والدها)، المطلوب ضمن قائمة (الإرهابيين الهاربين)، تقول فيها: (أريد أبي أن يسلم نفسه، وأن يكف عن الإرهاب، وقتل الناس، وترويع الآمنين، خصوصاً ممن هم في سني، ممن فقد أمه أو أباه، أو فقد نفسه، جراء تلك الحوادث الإجرامية المريعة.. أريد أبي أن يسلم نفسه، لأني مللت حياة حرمان الأب وعطفه.. أريد أبي أن يعود إلى رشده وصوابه، وأن يكف عن تلك الأعمال، وأن يسلم نفسه للدولة، خصوصاً وأن كثيراً ممن سلموا أنفسهم، تمكنوا من رؤية أهلهم وأبنائهم وذويهم في داخل السجن.. فمتى أراك يا أبي..؟! هل تسمعني..؟ وهل تقرأ كلماتي، وتحس بعاطفتي الجياشة تجاهك..؟!).
* وتقول (وصايف) بعد ذلك: (آخر مرة قابلت فيها أبي ورأيته بعيني، وسمعت صوته، بأذني، أوائل رمضان قبل الماضي، عندما جاءنا في البيت، وسلم على جدي وجدتي، وقبَّلني، وسألني عن مستوى دراستي.. كان الوقت معه حينها يمضي كالبرق، وبعدها لم أره حتى اليوم..!).
* ثم تقول (وصايف): (إلى والدي عبدالعزيز المقرن: إن كنت تسمع وتقرأ رسالتي هذه، فعليك - وأرجوك - أن تسلم نفسك وتعود إلينا.. ليس لي في هذه الدنيا بعد الله ثم جدتي وجدي إلا أنت..! أبكيك ثم أبكيك إلى أن تعود، وان تسلم نفسك، وتضع حداً لهذا الشيء الذي لا نقبله.. والدي عبدالعزيز.. عُد إلينا.. إنني أنتظرك.. ابنتك وصايف.. 12/10/1424هـ).
* قرأت هذه الرسالة المؤثرة في الصحف، ورأيت صورة ملائكية جميلة منشورة لهذه الطفلة البريئة، وأقسم بالله العظيم، أنها أبلغ رسالة توجهها الإنسانية المتضررة من الإرهاب، إلى أرباب الإرهاب، فليست الطفلة السعودية (وصايف)، وحدها من يقول الذي قالت، ولكن كل أطفالنا ورجالنا ونسائنا، يقول الذي قالت، وليس والد (وصايف)، وحده من تُوجَّه إليه هذه الرسالة البليغة، ولكنها إلى كل الذين فقدوا توازنهم، وضيعوا مشيتهم، وسلكوا طريق الشيطان الرجيم، وحتى الحجر الأشم الأصم، لو أن له قلباً يشعر به، وسمعاً يسمع به، ويصراً ينظر به، لرق واسترق، وذاب واستجاب، لهذه الرسالة الإنسانية المؤثرة..! فهل بقي عند والد (وصايف)، وعند كل من هو على شاكلته، من المطلوبين والمنضوين تحت لواء الإرهاب، بقية من حب، وحنان، وعطف، وشعور، تجاه الأبناء والبنات، والآباء والأمهات، وتجاه البشر الأبرياء، والإنسانية المعذبة جمعاء..؟!
* هذه الرسالة العظيمة، التي تسكب دمعاً، وتقطر دماً، وتنزف حرقة ولوعة.. إذا هي وصلت إلى أب مثل والد (وصايف)، فلم تحرك فيه ساكناً، ولا اهتز لها نابض في جسده، فماذا نقول بعد ذلك، غير: (لا حول ولا قوة إلا بالله.. حسبنا الله ونعم الوكيل).
* ها هم الصغار.. نراهم يقعون ضحايا لما تقترفه أيدي الكبار اليوم وفي هذا المشهد الإرهابي الفظيع، ما ذنب الطفلة (وصايف)، وهي ترى صورة والدها على قائمة إرهابية، تقتل الأبرياء وتروع الآمنين، وتفجر وتهدم وتخرب، وتعيث في أرض الله فساداً، وكم هم الأطفال الصغار مثل (وصايف)، الذين استبد بهم الخوف، وملأهم الرعب، من مشاهدة صور آبائهم أو إخوانهم أو قرابتهم، وهي تعرض على التلفزات والصحف، وتوصف بالقتل والاجرام والإرهاب..؟! أو الذين يرون صور آخرين منتحرين أو مقتولين في عمليات إرهابية..؟! ثم.. ما شكل الأحلام التي تراودهم في مناماتهم، بعد رؤيتهم هذه المشاهد المرعبة..؟!
* هل خطر ببال واحد من هؤلاء المطلوبين، فداحة ما يلحقه بأولاده، أو أمه وأبيه وأهله، من شقاء وبؤس وتعاسة..؟!
* ماذا يفعل الكبار بالصغار، في هذا المشهد الدموي الإجرامي، الذي يكاد يكون يومياً..؟
* ماذا فعلت مشيخة التكفير في شباب هذه البلاد..؟
* هل يكفي هؤلاء الأغرار والمخدوعين، ما ظهر من اثنين من هذه المشيخة الآثمة، من تراجع وتوبة وأوبة، فيعودوا هم أيضاً إلى جادة الصواب..؟
* هل الشيخان (الخضير والفهد)، هما وحدهما من غَرَّر، ونَفَّر، وكَفَّر، وثوَّر، وفَجَّر، وبَرَّر، ومَرَّر..؟!!
* إن في صورة المشهد العام الذي يمتاز ب«التشدد والتزمت والتكريه والعنف»، مئات.. بل آلاف الخضير والفهد..! إن هؤلاء جميعهم بدون استثناء، ومن وافقهم أو سايرهم، هم الكبار الذين حفروا حفرة الإرهاب الكبيرة المظلمة المرعبة، وذلك لكي يقع فيها الصغار، من تلامذتهم وطلابهم، وكذلك من أطفالنا وصغارنا، ومن يلحق بهم، من آبائنا وأمهاتنا، الذين لا ذنب لهم، إلا أنهم أبرياء، في وطن الحب والوئام والسلام..!
* ماذا فعل بعض الآباء والأمهات بفلذات أكبادهم، وهم لاهون أو منشغلون أو منصرفون عنهم، فلا متابعة أو مساءلة أو توجيه، حتى تتلقفهم أيدي العابثين والماكرين والمخادعين من تيه الضياع، فتأخذهم بعيداً إلى حيث جحيم الإرهاب..؟!!
* ماذا فعل بعض الأساتيذ بالتلاميذ، أولئك الذين استهانوا بأدوارهم التربوية، واستهتروا بواجباتهم الوطنية، فاستحلوا الأدمغة الطرية، وحقنوها بما يريدون هم، لا ما يريد الله والوطن والأمة..؟!
* ماذا فعل بعض الشيوخ ببعض طلاب العلم، الذين وثقوا في علمهم، واطمأنوا لمنهجهم، فأوردوهم بعد ذلك موارد الهلاك..؟!
* ماذا فعل قياديون ومديرون ومسؤولون، حين قصروا في واجباتهم الوظيفية، اجتماعية ووطنية، فتسلل من بين أيديهم، من استغل الموقع والمنصب والمال، لصالح أفراد وجماعات منحرفة، تخطط لتقويض الدولة والمجتمع، وتأتمر بإمرة فئات ظلامية، خارجة على الأمة..؟
* ماذا فعل بعض الكتاب والصحفيين، الذين زمروا وطبلوا وهتفوا، لأفكار ضالة ردحاً من الزمان، وروجوا لشعارات براقة، واستماتوا في طروحات مضللة، لإيهام الناس وخداعهم، ومحاولة تصدير أسباب وأدوات العنف، إلى عدو خارجي وهمي على الدوام..؟
* ماذا فعل بعض خطباء المنابر، الذين ظلوا يُبغِّضُون ويُكرِّهون، ويُفسِّفُون ويُعلمنُون، ويُكفِّرون، حتى ظن بعض الشباب الجاهل، أنه وحده المؤمن المسلم التقي الورع، الذي يستحق الجنة، أما غيره من الناس، فهو من حطب جهنم..؟!
* ماذا فعل أرباب الفتن، عبر (الشرائط والمواقع والساحات)، الذي ينشرون الاشاعات، وينتهكون الحرمات، ويرددون الأكاذيب، ويُؤمِّنون على ما قيل وقال..؟!
* ماذا فعل من رأى وسكت، أو غطى وستر، أو عاون وساعد، حتى استشرى الداء، فتضاءل معه الدواء..؟!
* لماذا يتجاهل بعض الكُتَّاب في صحفنا المحلية (السعودية)، الحوادث الأخيرة في وطنه، فيُغرِّب المقال، ويُقرِّب المُحال، ويدعونا إلى التبصر في حال غير الحال..؟! ومن هؤلاء، كتاب زوايا يومية، لا شغل لهم ولا هم، إلا الكلام عن قضايا الشيشان، وأفغانستان، و(عجمستان)، وجزر واق الواق..! أو التأصيل والتفصيل، لنظرية المؤامرة (الصهيوأمريكية)، التي - في زعمهم - دبرت ونفذت التفجيرات في نيويورك وواشنطن، ثم في الخبر والرياض، وفي كل مكان على سطح الأرض..؟!
* لماذا نجد مطبوعات، تصدر في هذه البلاد، محسوبة على أوساط إسلامية، تتعامى عن الخطر المحدق بالوطن، وكأن الأمر لا يعنيها، لا من قريب ولا من بعيد..؟
* إن على هؤلاء، الذين حفروا هذه الحفرة الكبيرة، أن يسارعوا إلى ردمها فوراً، وأن يتقوا الله في أنفسهم وفي أمتهم ووطنهم، وأن يحسبوا الحساب لدعوات موجعة مفجعة، تخرج من حناجر مكلومة مظلومة، ليس بينها وبين الله حجاب.. فهذه (أم عبدالمحسن)، والدة (عبدالعزيز المقرن)، وجدة (وصايف)، بثت شكواها ودعواها عبر الصحف، فماذا قالت وهي تجهش بالبكاء..؟ قالت: (حسبي الله على من وضع ابني في هذا المسلك، أدعو الله أن يريني فيهم عجائب قدرته، ونحن كمسلمين، لا نرضى بكل تلك الأعمال التي ترتكب باسم الجهاد والإسلام، ضد آمنين مؤمنين عُزَّل غافلين).. ثم أتبعت كلامها بالبكاء..!!
* ها هي طفلة بريئة تقول لوالدها: (أبكيك.. ثم أبكيك يا أبي)..! وها هي أم حزينة تقول وهي مجروحة مقروحة: (حسبي الله ونعم الوكيل)..!
* وأقول مثلما يقول أهل بلدي كافة في هذه الأيام: (لا حول ولا قوة إلا بالله.. حسبنا الله ونعم الوكيل).
Fax: 027361552
|