وصايف بنت عبدالعزيز المقرن، طفلة يحملُ وجهها كل معاني الطهر، لم تتجاوز بعد العشر سنوات من عمرها. والدها هو أشهر المطلوبين أمنياً بتهمة الإرهاب، ويقال انه مخطط التدمير والتفجير وقتل الأبرياء وتشويههم في المملكة، انه للأسف جزء من تاريخ وانتماء هذه الطفلة التي هي بلا شك تخجل وتتألم منه كل صباح وعند كل مساء، رغم أنها بريئة من صناعة هذا التاريخ براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
هذه الطفلة الصغيرة الغضة تحلمُ مثل كل الصغيرات ان يكون لها أب طبيعي مثل كل الآباء.. يُربّيها، يقبّلها كل صباح، يأخذ بيدها إلى المدرسة، يسألها عن واجباتها المدرسية، يشجعها إن هي تفوّقت، ويغضب عليها إن أخلّت بواجباتها، يسهرُ عند رأسها إن مستّها ضراء، يداريها إن حزنت، ويؤنّبها إن هي أخطأت، مثل كل آباء زميلاتها الطبيعيين.
«وصايف» مأساة تجسّدت في طفلة.. تنظرُ إلى ما فعله أبوها، وتبحثُ عن أي شيء تفخرُ به في والدها، فلا تجدُ إلا الدماء المتناثرة، والأجساد الممزّقة، والوجوه التي فعلت بها شظايا تفجيرات والدها ما لم يفعله شارون بالعرب وبالمسلمين. تسأل من حولها، جَدّها، جدّتها، والدتها التي انفصلت عن والدها، أهلها، ذويها: لماذا كل هذا؟.. فيبقى سؤالها بلا إجابة، يُدينُ أول من يُدين ذلك الوالد المنغمس في جرائمه البشعة حتى العنق.
في المدرسة تقرأ في عيون زميلاتها وهم ينظرون إليها عبارة: «هذه ابنة الإرهابي»!، فتتمنّى «اليُتم»، وربما «اللا إنتماء»، على أن تحمل بلا ذنبٍ منها فوق كاهلها الصغير الغض جرائم الوالد «الوحش»!.. هل تخيَّلَ أحدكم مدى معاناة إنسان «ينتمي» رغماً عنه إلى «وحوش»، فضلاً عن أن يكون هذا الإنسان طفلة لم يتجاوز عمرها العشرة أعوام؟.
وستكبرُ «وصايف»، وستكبر مصيبتها معها، وستتكرَّس في أعماقها عقدة «الوالد الوحش»، وستبقى في ذاكرتها طوالَ حياتها صور الأجساد الممزّقة، والعيون المفقوءة، والوجوه المشوّهة، بفعل أب كان من المفروض ان تفاخرَ به، وأن تُباهي بانتمائها إليه. فبماذا تفخرُ وبم تُباهي، أبمصّاص دماء؟.
وماذا ستحدِّثُ أطفالها عن جدّهم، وماذا ستحكي لهم عنه؟.
مأساة «وصايف» يا سادتي ليست وقفاً عليها، وإنما يشاركها فيها كل أبناء الإرهابيين ممن لهم أبناء أو بنات. فهؤلاء الكائنات البشرية لا يحملون من الإنسانية إلا شكلها الخارجي، أما في الداخل فلا علاقة لهم بالإنسان، ولا قيمة لديهم للرحمة، ولم تعرف أذهانهم ولا قلوبهم «الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن» كما علمنا ديننا. ألغت «الأيديولوجيا» فيهم كل معنى للإنسانية، احتكروا لأنفسهم دون غيرهم تفسير الحقيقة الدينية، وتضخّمت في أعماقهم «الأنا»، واكتنفتها نزعة شريرة مدمّرة، فأصبحت ناراً تتأجّج في صدورهم تجاه كل شيء حولهم، لا يطفئها إلا مشاهدة برك الدماء، ولا يشفي غليلهم وحقدهم على مجتمعاتهم إلا أن يروا البيوت وهي تخر على رؤوس ساكنيها، فيشعرون بنشوة ما بعدها نشوة، ونصر ما بعده نصر!.
أما أبناؤهم، أما أهلهم وذووهم، أما معاناة مجتمعهم، وقبل كل ذلك ضوابط وأوامر ومنهيات دينهم وعقيدتهم، فلا قيمة لكل ذلك في حساباتهم إلا كقيمتها عند قطيع من «الذئاب المسعورة» وهي تتداعى لتمزيق فرائسها.
صورة «وصايف» التي تم نشرها مؤخراً، كانت أبلغ من ألف مقال، وأدقُّ في تعبيراتها من أي وصف، إنها تحكي مأساة طفلة حوّلها والدها «المؤدلج» إلى ضحية من ضحاياه، وكأنها تقول: هذا جناه أبي عليّ وما جنيتُ على أحد!..
|