تؤكد الملاحظة المستمرة لواقع العمل الإعلامي المعاصر في مختلف دول العالم أن الإبداع في الممارسة الإعلامية المهنية والمشاركة الحقيقية في إدارة الأزمات المجتمعية ليسا حكراً على أحد، وأنه بإمكان وسائل الإعلام أن تقدم نماذج رائعة من المهنية المتخصصة إذا ما أتيحت لها الفرصة، ووفرت لها الإمكانات، ولذلك فمن الممكن للإعلام السعودي أن يساهم باقتدار في التعامل مع المشكلات التي يمر بها المجتمع، وقد قدم الإعلام السعودي - بالفعل - نماذج مميزة سواء في الإعلام المطبوع، أم المسموع، أم المرئي.
غير أن الرحلة التطويرية أمام الإعلام السعودي لاتزال طويلة جدا، وربما لأسباب لا تملكها أجهزة الإعلام نفسها.
يضاف إلى ذلك، أن دخول الإعلام السعودي في منافسة عنيفة مع الإعلام الاحترافي المعاصر يُعد مرحلة خطيرة، فقد خلالها نسبة عالية من جماهيريته، كما يشير عدد من الدراسات المتخصصة، فتكونت بذلك بوابة مشرعة ولج من خلالها عدد من أقطاب الاختراق، ولعل من الملائم اليوم، الإيمان العميق، بأن تترك المؤسسات الإعلامية لتدار ويخطط لها من قبل الإعلاميين أنفسهم دون وصاية من أي من الكيانات المجتمعية الأخرى.
إن العالم المعاصر يتسم بارتفاع مستوى الوعي الشعبي لدى الناس الذين باتوا يعرفون تفاصيل دقيقة عن أشياء كثيرة من خلال قنوات عديدة، أهمها قنوات الاتصال والإعلام العالمية، التي تطورت تطورا كبيرا.
والإعلاميون هم أقدر فئات المجتمع على معرفة مخرجات العملية الإعلامية والاتصالية العالمية وأسلوب التعامل معها، عالميا، ومحليا، ومن ذلك تفعيل الإعلام في الأزمات المجتمعية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، عندما يترك المجال رحباً أمام أصحاب المهنة، يأتي دور التراكمية، فليس من المتصور أن يطلب من أي وسيلة إعلامية أن تقوم بدور مهني عالي الكفاية، فقط، عندما يطلب منها ذلك فجأة، أو عندما تقع مشكلة ما في المجتمع، بل من المهم جدا أن يكون تسليم زمام أمور الإعلام للإعلاميين على مدار العام، وأن تفعّل رؤاهم وخططهم حتى لو لم تكن مقنعة لآخرين، ثم على المجتمع بمؤسساته وأفراده أن يعطي الإعلام- في هذه الحالة- مجالاً للوقوع في أخطاء مهنية معينة دون أن يسلط عليه هاجس الخوف من العقاب، لأن الإبداع صنو الخطأ، ولا تتطور الشعوب والمجتمعات إلا بالوقوع في أخطاء تتعلم منها. إن البيئة التي يصل فيها الرقيب إلى درجة الرفض المطلق للخطاء، تُعد بيئة غير صحية، وغير قابلة للتطور والنمو، وتنتج بالضرورة إعلاماً غير فاعل في الأحوال العادية، وأكثر عجزاً في حال الأزمات المجتمعية.
(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام بالرياض
|