Sunday 12th october,2003 11336العدد الأحد 16 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
وماذا بعد؟!
د. فارس محمد الغزي

لكل صراع ثنائي نتيجة أحادية كما تؤكد ذلك سنن التاريخ حيث غالباً ما ينتهي مثل هذا الصراع بانتصار أحد الطرفين على خصمه الآخر، وتطبيقاً لمعطيات هذه البدهية على الواقع العربي الراهن يمكن القول إن الهزيمة هي من نصيب العرب في صراعهم الحضاري مع الغرب. ومع أن سلبيات مثل هذه الهزيمة أكثر بالطبع من أن تستعرض فمن ضمن أخطرها ما يتمثل في امكانية ضياع هوية الطرف المهزوم.. إذن فخطر ضياع الهوية هو أخطر ما يمر به العرب الآن بكل ما يعنيه ذلك ثقافياً وحضارياً وسياسياً ونفسياً الخ.
ومما يزيد الجرح إيلاماً هو حقيقة حدوث هذه الهزيمة في الوقت الذي فيه قد ترسخ في الذهنية العربية اليقين القاطع بحصول العرب على المناعة الأبدية ضد عودة الاستعمار، إنها خيبة أمل خطيرة بالفعل من حيث أنها تمثل في الواقع نكوصاً إلى ما وراء الوراء.. أقصد إلى ما وراء حقب الاستعمار المتخلفة من تاريخنا العربي الحديث والمعاصر على حد سواء. أما عن علاقة مثل هذا القول بأمر ضياع الهوية العربية فقد يتضاعف تأثير الصدمة من هذه الهزيمة ليسفر من ثم عن هزيمة أخرى.. نفسية هذه المرة لتضاف إلى قوائم علل الهزائم الأخرى الغائرة في الكيانات النفسية للعرب الأمر الذي قد يستنبت أولى بذور ضياع الهوية، أما في أحسن الأحوال السيئة - المأمولة رغم ذلك - فقد يتولد عن مثل هذه الحالة نوعاً من الاغتراب الكفيل بتفعيل غرائز الإنكار وأعنى بالإنكار هنا ببساطة عدم الاقرار بالحقيقة المرة.. ومن المعروف علمياً أن الانكار يضفي على الكيانات النفسية ما يشبه أردية العزاء الزائف فيضحي وسيلة من وسائل الانتماء الزائف إلى الواقع المزيف، والطريف - أو المؤسف - ان العلم يبحث الآن في الأسباب التي تجعل من الانكار - فردياً أكان أم جماعياً - مركبة تقود إلى حيث الانتماء غير المنتمي هرباً بالطبع من مواجهة الواقع المرير.. مما يزيد من مرارته مرارة.
في الختام لا مناص من الاقرار - عن قناعة - بما تمخض عنه لنا هذا الصراع الحضاري، فتأتي نجاعة العلاج منوطاً لا شك بشجاعة الاعتراف بالمرض.. وإن لم نفعل فقد يتواصل اصطدام العاطفة بمرارة الواقع المرير، وهذا يعني تواصل عملية احتساء المزيد من جرعات الإنكار من جهة وتواصل التحطم والتشرذم والضياع من جهة أخرى.. وليتضح لكم ما أعنيه هنا فما عليكم سوى الاكتفاء بقراءة عناوين البحوث العلمية التي تم نشرها مؤخراً في الدوائر العلمية والأكاديمية في عالمنا العربي.. أو دعوني أكفيكم عناء ذلك بالقول إن هذه المقالة المتواضعة لم تكن لتتبلور لولا ما قرأته مؤخراً من بحوث علمية محورها الضياع المحتمل للهوية العربية في ضوء الأحداث الجارية ومن ضمن هذه البحوث تمثيلاً لا حصراً المقالات التالية عناوينها وأوعية نشرها: «عولمة الحداثة وتفكيك الثقافات الوطنية» لأحمد زايد في العدد الأخير من مجلة عالم الفكر.. «هل الهوية تؤكد ذاتها عفوياً» لهشام جعيط في العدد الأخير من المجلة المذكورة.. و«مشكلة الهوية والانتماء القومي عند العرب» لجورج قرم في العدد الأخير من مجلة العربي الكويتية، وفي المجلة الأخيرة أيضاً: «هويتنا الثقافية في عصر العولمة» للباحث أبو اليزيد العجمي.. وأخيراً وبكل تأكيد ليس آخراً: «الهوية العربية في عالم متغير» لمحمد جابر الأنصاري في العدد الأخير «115» من مجلة «شؤون عربية».اللهم إننا دوماً بحاجة ماسة إليك.. غير أن حاجتنا لعطفك ولطفك وعونك هذه اللحظة هي في أمس ما تكون..

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved