Sunday 12th october,2003 11336العدد الأحد 16 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
رسالة إلى خطباء المساجد!
د.عبدالرحمن صالح العشماوي

يثلج صدر المسلم ما يرى من انتشار هذه المآذن والمناير، وهذه المحاريب والمنابر، لأنَّها منابع خير في الأمَّة، ومصادر عقيدة سليمة، وفكرٍ صحيح، وثقافة مستقيمة، ولأنها علامات مضيئات، عظيمة الدِّلالات، على هذه الخمس الصلوات، التي تصل بين أهل الأرض وربِّ السماوات.
«المآذن والمنابر» أجمل ما تقع عليه العين بين المباني والعماير، وأَنْدَى ما تستمع إليه الأذن من الأصوات التي تكبِّر وتسبِّح، وتتلو آيات القرآن الكريم.
نحمد الله ونشكره، ونستزيده من فضله، فهو واسع الفضل، عظيم العطاء.
هذه المساجد المباركة هي التي تأوي إليها النفوس المتعبة، والقلوب المجهدة، والعقول المكدودة، فتجد فيها الأُنس بعد الوحشة، والسعادة بعد الشقاء، والراحة بعد التعب. نعم، نعم والله الراحة بعد التعب، كما كان يقول أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام لمؤذنه الكريم بلال «أرحنا بالصلاة يا بلال».
منابر هذه المساجد تؤدي رسالة عظيمة من خلال تلك الخطب التي ننصت إليها كل يوم جمعة، ننصت إليها إنصات عبادةٍ وإخبات، وخشوع لله، إنصاتَ طاعةٍ لله سبحانه وتعالى، ولرسول صلى الله عليه وسلم، نستمع إلى خطباءٍ كثيرين، ذوي مستوياتٍ مختلفة في الأداء والإلقاء، والصياغة والأسلوب، والأفكار والمعاني، ونسعد كلَّ السعادة بمن يستطيع أن يرحل بنا مع إعداده الجيِّد، وإلقائه المتميِّز.، وصياغته البديعة، وموضوعاته المهمة، ونشعر بشيء من التضايق أحياناً كثيرة إذا ما ابتلينا بخطيبٍ تدلُّ خطبته على عدم إِحساسه بأهمية هذا المنبر المبارك الذي يعتليه، وأهمية هذه الخطبة «الشرعية» التي ينتظرها الناس كلَّ أسبوع، فلا يعد إعداداً جيداً، ولا يصوغ صياغة مناسبة، ولا يُلقي إلقاءً مؤثِّراً، ونشعر بالضيق الكبير أحياناً أخرى حينما نُبتلى بخطيبٍ لا يعرف من معنى الخطبة إلاَّ الوقوف على المنبر، والقراءة الرَّتيبة التي تزرع الملل في النفوس، وتوزِّع على الحاضرين أكواماً من التثاؤب والنُّعاس تسيطر عليهم حينما يضع وجهَه في ورقته، ويغوص بين سطورها ناسياً أنه يخاطب جمهوراً، فلا هو أحسن الاختيار لموضوع خطبته، ولا هو درَّب نفسه على الإلقاء الجيِّد، ولا هو ترك المنبر لمن هو أقدر. منابر الجمعة منابر خيرٍ وإضاءة، منابر توجيه وإرشاد، منابر كلمةٍ بليغة، وفكرة مؤثرة، وأداءٍ متميِّز، ودعوةٍ إلى الله تلامس شغاف القلوب، وإصلاحٍ لمظاهر فاسدةٍ في المجتمع، ولا بد لهذه المنابر من خطباء ذوي قدرةٍ وخبرةٍ، ومعرفة بمواقع الكلام الجيد ومنابعه، وساحاته ومراتعه، ونسماته وزوابعه، وهذا ما يجعلني أبعث بهذه الرسالة إلى الأحبة خطباء المساجد الذين منَّ الله عليهم باعتلاء هذا المنبر الكريم، وأتاح لهم فرصة الحديث من هذه البقعة الطاهرة، وأمر الحضور بالإنصات إليهم إنصات عبادةٍ لله، فلا يجوز لأحدهم أن يعارض الخطيب إذا تجاوز حدَّه، ولا أن يردَّ عليه إذا أخطأ، فإن من قال لأخيه «صه» والإمام يخطب «فقد لَغا» ومن وقع منه اللغو فلا جمعة له، كما لا يصح لأحدٍ من الحضور أن يخرج من المسجد لأنه في صلاةٍ وعبادة.
هنا تكبر مسؤولية الخطباء الذين يعتلون هذه المنابر، وهي مسؤولية دينية سيسألهم الله سبحانه وتعالى عنها إنْ فرَّطوا فيها.
الخطيب لا بد أن يتعب في إعداد نفسه أولاً، ثقافةٌ وعلماً ومِراناً وتدريباً على أفضل طرق الألقاء، وأن يتعب في إعداد خطبته ثانياً، من حيث الموضوع والشواهد والأمثال، والقصص المناسبة، والصياغة السليمة، وأن يتعب في إعداد نفسه ثالثاً، سلامةَ نُطْقٍ، وبُعْداً عن الأخطاء المؤذية في لغة العرب ونحوها وبلاغتها، وإني والله حينما استمع في بعض الأحيان إلى خطيب جمعةٍ بارد الهمّة، واهن الصوت، ضعيف الحضور، أشعر بالأسف على حالته، وأعجب كيف يرضى لنفسه هذا المستوى في هذا المكان المهمِّ.
أيها الخطباء الفضلاء: أعدُّوا أنفسكم أفضل الإعداد، وأتقنوا لغةَ القرآن إتقاناً يحفظ لحركات الإعراب مكانتها، ولأساليب اللغة العربية سلامتَها، فأنتم عن ذلك مسؤولون أمام ربِّكم، بارك الله في جهودكم، وأجرى الحقَّ على ألسنتكم.
إشارة:


أرأيتَ في الدنيا حكيماً عاقلاً
يجفو الظِّلالَ ويسكن الرَّمْضاءَ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved