Sunday 12th october,2003 11336العدد الأحد 16 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أين «التَّمَام».. في زَعْمِهم «كلُّ شيءٍ تَمَام»..؟!! أين «التَّمَام».. في زَعْمِهم «كلُّ شيءٍ تَمَام»..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي*

* لا أدري.. من ذا الذي جاء بفكرة «العلاقات العامة»، والذي ابتدع «إدارة العلاقات العامة»..؟ وما طبيعة مهام وعمل مسئول وموظف «العلاقات العامة»..؟ وما دور إدارته في توثيق الصلة مع الآخر، وتفعيل أداء العمل بكامل الجهاز، الذي «يفترض» أنه يمثله..؟ ثم ما الحكمة من تكبيل معظم الأجهزة كبيرة أو صغيرة، بعدد هائل من الموظفين، والمصروفات والنفقات، إذا انحصر مفهوم «العلاقات العامة»، في «القص واللصق واللزق»، وفي إدارة اسطوانات مكرورة مشروخة مثل:« التبرير، والتكذيب، والتلميع، والتبجيل، والتفخيم»..؟!
* أرجو ألا يفهم مني «بعض» الزملاء، من أولئك المحسوبين على الصحافة، وهم على ملاك وظائف «العلاقات العامة»، في هذه الجهة أو تلك، أني أسعى إلى قطع ارزاقاهم، أو أدس أنفي في خفايا «أعمالهم وحرفهم وصنائعهم»..! لكني أود أن أفهم حقيقة، ماذا يفعل هؤلاء بالضبط..؟ أقصد ما الشيء الذي يضيفونه إلى وطنهم وأمتهم، إذا استغل الواحد منهم مكانه في «مكتب علاقات عامة»، من أجل كسب ودّ رؤسائه ومديريه بطريقة ما، ثم يجير ذلك الكسب، في توصله بصحيفة أو أكثر، لينشر من خلالها، «مدائحياته وتلميعاته»، ثم يقبض عليها من الصحف جعلاً غير قليل، يضاف إلى ما يقبض من وظيفته في العلاقات إياها..؟
* لماذا لا نرى من «عطاءات» موظفي العلاقات العامة في معظم الأجهزة، سوى التصدي لما ينشر في الصحف السيارة، بالتشكيك تارة، وبالتكذيب والنفي تارات..؟ فلا نجد من يقف برهة لتحري الدقة، تحقيقاً لواقع، أو احتراماً لعقل إنسان قارئ متابع، وفي حالات شيوع «الحقيقة المرة»، يلتزم مثل هؤلاء الصمت، حتى تخف حدة المرارة، فيسدل الستار على ما مضى، تقادماً بالنسيان،..؟
* مرة واحدة فقط، وقفت فيها مبجلاً ومحيياً الدكتور «غازي القصيبي»، وزير الماء والكهرباء، فهو الوزير الذي لم يسمح لموظف علاقات عامة، أن ينبري متحدثاً عنه، مكذباً أو مشككاً أو مبرراً، ما وقع من انقطاع للكهرباء في منطقة جازان، بل خرج الوزير نفسه، على الناس علناً عبر وسائل الإعلام، وهو يقول: إن تنقطع الكهرباء عن منطقة جازان.. هذا عار.. ! ثم تحمل المسئولية، وشرع في حل المشكل بكل مسئولية.
* في جهات كثيرة علت أو دنت، يمارس «بعض» موظفي العلاقات العامة مع رؤسائه، ذلك الولاء العجيب الذي يسمونه «ولاء الأغبياء»..! لأن ضرره على الكل، أكبر من نفعه، هذا.. إن وُجد له نفع. ومن علاماته، التهالك على بث شعور عام لدى كافة الناس، بأن «كل شيء تمام»..! وهذا غير صحيح بطبيعة الحال، حتى المسئولين الثقاة، الذين يعمل في إداراتهم أمثال هؤلاء، يقولون بكل صراحة وشفافية ووضوح، بأن ليس «كل شي تمام»، في كل الأحوال، فالنقص والخطأ واردان في الحالة العملية الحركية، أما الذي لا يعمل البتة، فهو الذي لا يخطئ البتة، لأنه في حالة جمود لا حركة.
* لو نذر واحد من طلابنا في الجامعات نفسه، لتتبع ما ينشر في الصحافة اليومية، من أخبار وتقارير، تحمل توقيعات موظفي علاقات عامة، محسوبين على الصحافة أو غير محسوبين، وكذلك ردودهم على ما ينشر من ملاحظات تمس هذه الجهة أو تلك، لخرج برسالة علمية قيمة، توضح مسارات كثيرة في علاقات موظفي «العلاقات العامة»، بكل من إداراتهم وإدارات الصحف، وهي علاقات محورها في الغالب، مكاسب شخصية، تدور في حلقة إيهامية واحدة، هي «كل شيء تمام»..!!
وخذ مثلا وزارة كبيرة لها علاقة مباشرة بالجمهور أكثر من غيرها؛ مثل وزارة البلديات وفروعها، هناك كثير من الانتقادات الجوهرية التي تتعلق بالصالح العام ؛ تكتب كل يوم في الصحف ؛ يقابلها ردود يومية لاتخرج عن مقولة، (كل شيء تمام) ويتكرر من خلالها قولهم:« هذا أمر غير صحيح - وفي مجمله كاذب - وملفق - ولا يطابق الواقع»..!
وكأن الذين يكتبون تجاربهم وقضاياهم مع البلديات وفروعها، هم مخلوقات من كوكب آخر، هبطوا فجأة إلى مدننا وقرانا، فهم بذلك يتقصدون رؤساء البلديات وموظفيها، ويتعمدون عرقلة جهودهم الحثيثة، في تطوير الوطن، وخدمة المواطنين..؟!
* هذه الظاهرة لا تقتصر على جهاز واحد بعينه. هناك على سبيل المثال، موظفون في إدارات للعلاقات العامة والإعلام التربوي، في كثير من المناطق التعليمية، يسيئون إلى أجهزتهم دون أن يشعروا بذلك «ربما»..! واحد من هؤلاء، أراد أن يتصدى لما كتب في الصحف مؤخراً حول تعليم الطائف، فانطلق من فرع البنات، ببيان إحصائي انتقائي، يوضح فيه منجزات التعليم، في توفير الكثير من أجهزة الكمبيوتر، وغيرها من المستلزمات التعليمية، التي توفرت عليها الإدارة في سنوات خلت، فلم يترك سوى عدد مصابيح الكهرباء التي تم استبدالها..! ونسي أو تناسى، الموضوع الأساس الذي تنتقد بسببه إدارته، فلم يفند أو يصحح أو يدافع بموضوعية، وإنما اكتفى بقوله:« هذا غير صحيح، ومغالطة لا تغتفر»..! ويصح لكل واحد يتعرض لنقد ما، أن ينفي بهذه الطريقة الفجة والمسلية في الوقت ذاته، لكن أين الموضوعية في رد الواثق مما يقول..؟
* ومثل هذا الموظف في «العلاقات العامة»، كثير ممن يبالغون في ولائهم الأعمى، لدرجة الضرر بمن يوالون ومن يخاطبون، ويمعنون في التزلف والتقرب، إلى حد التعامى عن الحقائق الثابتة بين أيديهم، ففي إحدى الإدارات التعليمية في منطقة القصيم، هناك موظف «علاقات عامة وإعلام تربوي» معروف، نذر نفسه للدفاع عن المراكز الصيفية هكذا تطوعاً - لا أدري ما صلته بها - فهو يكتب لأكثر من صحيفة، على أنه ولي أمر، فيسرد من القصص والغرائب والعجائب، التي رآها ولمسها كما يقول، ما يوحي بأن المراكز الصيفية كلها، جنات عدن، لا يخالطها أي نقص أو تقصير، وأن العاملين بها، جميعهم ملائكة منزلين منزهين، لا يأتيهم الباطل لا من بين أيديهم ولا من خلفهم..! ويظهر هذا النموذج من موظفي العلاقات العامة، في هيئة متعددي الولاءات، فأين التخصص المعرفي يا ترى، وأين الاختصاص الوظيفي..؟!
* يبدو أن مفهوم «العلاقات العامة» كوظيفة في جهاز خدمي، هو مفهوم فضفاض عند كثير من الناس، لا يحمل مواصفات معينة، ولا يحدد بحدود مبينة، فموظف العلاقات - على الأقل في فهم الموظف نفسه - هو المنوط به توفير الجو المناسب لرؤسائه، وإبعاد كافة المنغصات التي قد تصل إلى أبصارهم او أسماعهم، سواء من المراجعين أو من غيرهم، واعتبار ما يكتب ويقال في الصحف، هو منغصات من الدرجة الأولى، وعلى هذا الأساس، فإن عمل موظف العلاقات، يعطيه الحق - في عرفه - في مبارزة الكُتَّاب والصحافيين على مختلف مستوياتهم ودرجاتهم، ومن ثم.. إلجامهم، بتقريعهم وإسكاتهم، بطريقة «الرد السلبي»، أو بطريقة «الصمت السلبي»، فلا داعي إذن لإزعاج وإشغال المسئول الكبير، والمدير المبجل، بما يكتب ويقال على صفحات الصحف، فهناك عقار عجيب جاهز اسمه:« كل شيء تمام»، يوصف ويستخدم في كل الأوقات، من أجل بث روح الثقة والرضا والاطمئنان، ويصرف عادة، للمسئولين وللمواطنين على حد سواء، داخل الغرف المغلقة، او على صفحات الصحف، ولا يهم بعد ذلك إذا كان «ليس كل شيء تمام»، فالموظف «العلاقي» وكما يريد، أدى دوره، وأرضى مديره، وظن أنه أراح ضميره.
* ثم لا تنسوا في نهاية الأمر، أن ما قلته في السطور أعلاه، هو من باب الرغبة الصادقة، في أن يكون «كل شيء تمام».. وعسى أن يكون.

fax:027361552

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved