Friday 10th october,200311334العددالجمعة 14 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لا للإنكفاء والتخاذل أمام العولمة لا للإنكفاء والتخاذل أمام العولمة
د. عبدالعزيز إسماعيل داغستاني (*)

قد يكون صحيحاً أن الغرب يستغل قوته لفرض نموذج العولمة الذي يريده على العالم الثالث. ولكنه ايضاً لم يستمد قوته تلك من فراغ، بل هي نتاج لتطور تراكمي سعى الغرب جهده للوصول إليه. والعلة هنا قد لا تكون بالضرورة في النظر إلى تفوقه بالاطلاق بقدر ما يجب التعامل مع هذا الوضع بدراسة حالة الطرف الضعيف وتلمس اسباب الضعف وتراكماته، فالامور الحيوية لا تقاس باطلاقها بل بتداعياتها النسبية. وهذا هو المدخل للحلقة المفقودة التي اوصلت العالم الثالث - والعالم العربي بالضرورة - الى حالة الانكفاء والتخاذل. لقد بنى العرب الاوائل حضارتهم التي خلقت فيهم العزة والقوة على قاعدة عقائدية قوامها الشرع الإسلامي الحنيف الذي جاء برسالة تحمل رؤية عولمية شاملة لكل الناس فجعل المسلمين خير امة اخرجت للناس. واعز الله العرب بالاسلام فقويت شوكتهم وسادت حضارتهم. وكان شرط ذلك ان يلتزم العرب بالاسلام قولاً وعملاً، وهو شرط ضروري لا يستقيم امرهم بدونه. وعندما التزم العرب بالشرط كانت لهم الكلمة ودانت لهم الدنيا يفرضون نموذجهم على اصقاع العالم، وكانت مفاتيح العولمة وادواتها طوع بنانهم ورهن قولهم، وبالتفريط في الالتزام التام برسالة الاسلام جاء حالة الانكفاء والتخاذل فتكالبت عليهم الأمم من كل حدب وصوب فأصابهم الهلع ونمت فيهم غريزة الرفض السلبي بعد أن خمدت جذوة التفكير العقلاني في تلمس اسباب الانكفاء والتخاذل، فضعف الطالب والمطلوب. ولم يكن لنموذج العولمة الغربي أن يتسيد ساحة الفكر في العالم الا بضعف المواجهة العربية التي خذلت نفسها وجنت عليها بفعلها هي، وكأنها تقول بيدي لا بيد عمرو.
والضعف في حقيقته ذاتي، اذ تخمد قدرات الإنسان وتتحجم ويعتريه اليأس والخمول عندما يفقد القدرة على استغلال امكاناته الطبيعية او تتراجع في داخله دوافع الابداع والابتكار. وهذه الحالة السلبية للإنسان هي بداية اعراض الاحباط التي تؤدي به الى الضعف الروحي والمادي.
واذا كانت حالة الضعف الروحي قد يصعب تقويمها بمعايير مادية، الا انه يمكن استخلاص آثارها المدمرة على مناحي الحياة الفكرية والاجتماعية وما تفرزه من ضعف الايمان. واذا ضعف الايمان تتداعى كل مرتكزات الفكر الاجتماعي التراكمي السائد وتتراخى مقومات صمودها فيسهل اختراقها وربما تغييرها.
وهنا يكمن الخلل وتتحدد معالم اشكالية الضعف ويمكن ربط المضمون العقائدي بالمضمون المادي في دراسة اشكالية مواجهة العولمة بمنظورها الغربي المطروح.
ان الجانب المادي للعولمة هو الجانب الأكثر وضوحاً وشفافية في صراع الحضارات وتقسيم العالم إلى دول متقدمة واخرى نامية او تابعة بما يعنيه من التخلف وما يفرضه من واقع مادي غير متجانس. وقد لا تكون العلة في آلية التقسيم او مدلولاتها العملية بقدر ما هي مرتبطة بالاسباب، والحكمة تكمن في معرفة الاسباب وادراكها والتعامل معها بموضوعية وجدية. وكما أن مواجهة الافرازات العقائدية للعولمة الغربية لا تكون بالرفض السلبي او بالشكوى والتحذير السطحي بل بالتعامل الموضوعي والجدي معها والعودة إلى مكنون الفكر والتراث الاسلامي واعادته الى موقع الريادة والمقدمة وطرحه ليس كبديل معاصر، بل كأصل تغافل الناس عنه وانغمسوا في بدائل واهنة لا ترقى الى مضمونه، فان مواجهة التداعيات المادية للعولمة لا تكون هي الاخرى ذات جدوى اذا لم تقترن بعمل منهجي لاصلاح هيكل الاقتصاد العربي ليكون شريكاً فاعلاً في رسم معالم العولمة وصانعاً لاستحقاقاتها، وهي معالم مازالت غامضة تستوعب القادرين على تعديل معالمها وتوجهاتها، والقدرة مرحلة متقدمة من صراع الإنسان مع قدراته الذاتية والمكتسبة، وهو صراع حضاري لا يمكن التغلب عليه بالانكفاء والتخاذل والرفض.
والعولمة كمصطلح قد تكون جديدة على ادبيات علوم الاجتماع والسياسة والاقتصاد او المفردات العقائدية، ولكنها كمضمون اقتصادي نشأت قبل ان تضع الحرب العالمية الثانية عتادها عندما وقعت اتفاقية بريتون وودز الشهيرة في عام 1944م ونشأ بمقتضاها البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي ثم الاتفاقية العامة للتعرفات والتجارة «الجات» التي بدأت بمؤتمر هافانا في عام 1948م وانتهت إلى إنشاء منظمة التجارة العالمية في مراكش غرة عام 1995م بعد جولات تفاوضية عديدة .
وتبلورت خلال هذه السنوات في ادبيات الاقتصاد فكرة النظام الاقتصادي العالمي الجديد الى ان انتهى الامر الى ظهور مصطلح العولمة الذي استوعب كل هذه المتغيرات ليعني في مجمله هيمنة الدول المتقدمة على اقتصادات العالم وليفرض النموذج الغربي على دول العالم الثالث بكل افرازاته العقائدية والمادية على حد سواء. ولم تكن محصلة العولمة الغربية التي نواجهها في هذا الزمن الا نتيجة حتمية للتفوق المادي للغرب والذي مكنه من فرض منهجه على الواقع وبسطه فوق ارجاء المعمورة حين اكتفى العالم الثالث بدور المتفرج وآثر التبعية على التحرر والانطلاق. واذا تفوق «أ» على «ب» فقد يكون السبب هو ضعف «ب»، وهذا يعيدنا الى اشكالية التعامل مع المتغيرات وحسن استغلالها واكمال توظيفها التوظيف الأمثل.

(*) رئيس «دار الدراسات الاقتصادية»/الرياض - فاكس 1349 62 4

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved