Friday 3rd october,2003 11327العدد الجمعة 7 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قصة قصيرة قصة قصيرة
قصة (من يبتاع من..)
فاطمة عبد الله النويصر

جلست عفاف.. وأسندت برأسها على صدر أمها.. وقالت متنهدة: ما حقيقة وجود الشر بين الناس؟ تساءلت الفتاة.. وهي المتألمة لهذا الذي يحدث بين البشر.. رفعت الأم رأسها واحتضنت عينيها.. وأوجست في ملامحها أسى كبيراً.. واستجواباً حائراً.. فحاولت بإصرار.. ان تمحو هذه الملامح.. وتأخذ بعفاف إلخ.
اجزاء الراحة والرضا.. والسكون.. ومن ثم.. تنقلها إلى ساحة التفاؤل والمكوث.. كي تقف.. بفكرها ورويّتها.. على عتبات الحقائق..
عفاف .. في داخلها ضمير.. وفي جعبتها اسس.. وفي مكنونها مبادىء لا تهتز.. وفي سليقتها .. وُلدت كل نطف الخير والبحث عنه وتجلّت نظرتها حتى ابت الصغائر وسئمت حجود الخلائق واستعلائهم.. وتجسدت في عفاف كل معاني الرقي والانسانية.. وكانت ترفض كل ما يجنّب الامور الصواب.. خرجت مرة تصطحب والدتها.. إلى زيارة بعض الاقارب.. وقد تعين في ذلك اليوم.. ان تزور مع والدتها احدى خالاتها.. وبعد ان استعدتا للخروج تذكرت عفاف.. ان لديها إحدى الهدايا.. التي احتفظت بها منذ وقت.. فاستأذنت والدتها.. بأخذ هذه الهدية إلى ابنة خالتها.. فهي تملك ما يشابه هذا النوع من الهدايا.. وليست بحاجة اليه.. وتحب ان تضيف إلى مودة ابنة خالتها.. بهذا الرمز الذي ستقدمه.. وافقت الوالدة رأي عفاف.. فلم يكن منها الا ان قدرت لها هذا الاقتراح.. واعقبتها هي بالشكر لهذا السماح.. وذهبت عفاف.. لتجهيز تلك الهدية.. وكتابة بعض الكلمات المعبرة.
وبعد ان وصلتا إلى منزل القريبة.. احتفت بهما.. وكان استقبالها.. يعلوه ولهٌ وسرور.. وفي خلال هذه الزيارة.. انزوت الفتيات يتبادلن مجموعة من الاحاديث.. ويطرحن بعض المقترحات.. وتضمن نقاشهن المرور بموضوع ورد اختلافهن فيه حيث تناولن قضية وجود القنوات الفضائية داخل البيت.. وخلاصة حوارهن كانت بين مؤيد ومعارض لاستقبال هذا الحدث.. ورأت احداهن ان الموقف يجب ان يكون صارما وجاداً حول هذا المستجد.. فلا يعقل ان نأخذ بايجابيات الوضع ولا نهتم بحدوث ووجود سلبيات.. وأجزمت أخرى ان مجرد وصول هذه الفضائيات إلى بيوتنا هو عناء في حد ذاته يحتاج إلى حيطة وحذر دائم..
وأبدت غيرهن رأيها الذي وجدت فيه اختلافا عن رفيقاتها فهي ترى ان قيمة الاشياء لا يحددها الآخرون.. وانما يثبت ذلك في الشيء نفسه..
وأمام كل هذه الآراء.. برز المعنى الذي تهدف اليه عفاف حين قالت: لماذا نغالط قراراتنا؟ ولماذا نحدف بين ايدينا حدث.. ثم نبحث في جوانبه ومسلماته.. ويبدو لي ان ما ذكرتموه لا يختلف جميعه في مضمونه وما نرمي اليه.. ولست بعيدة في رأيي عن ما اجمعتم عليه.. ولكن لدي حقيقة ربما لم ترد على اذهانكم.. وفي هذه اللحظة اقتربت الفتيات إلى بعضهن البعض وهن في لهفة لمعرفة ما ستقوله عفاف.. حيث بادرت قولها بسؤال: هل تعرفون كأس الماء؟ فأجبن بنعم.. قالت: هل يمكن ان يتحول اسلوب استخدامنا له إلى سلوك منحرف وممارسة خاطئة؟ تلفتت كل واحدة منهن اتجاه الاخرى تعجباً وانبهاراً.. فلعل تلك الحقيقة تتضح.
واستطردت عفاف حديثها قائلة: الوسيلة لا يمكن ان تكون في جميع الاحوال سيئة.. ولكن استخداماتنا لها.. يجب ان تتسم بالمثالية التي تلزمنا برفض ما لا يناسب خُلقا أو تقليدا أو اعظمها وهو الدين.. واعني بقولي ان دور المسؤول هنا يجب ان لا يغيب.. وفي هذه الاثناء استأذنت احدى الفتيات عفاف.. بمقاطعة حديثها.. فلديها مداخلة.. ترى انها سريعة فتساءلت عن الاحوال التي لا يوجد فيها مسؤول وتمارس هذه الوسيلة! سكتت عفاف قليلا ثم اجابت: هنا يجب ان يبرز دور الرقابة.
فتعجبت احداهن قائلة: أي رقابة هذه؟ اجابت عفاف: ان من سمح بدخول وتواجد هذه المنافذ يجب ان يشفق على هذا الضياع الكامن!
وتداخلت اخرى بسؤال: وضحي اكثر فماذا تقصدين؟ وهتفت عفاف بحسرة: ألست معي ان فئة كبيرة من المجتمع تقترب من الضياع؟ فقد مُنحت حرية ونفوذاً تجاوزت به المنطق والمعقول.. واستأذنت واحدة للحديث: اعتقد ان المسؤولية ان لم تكن دائمة ومركزة.. فسوف يخيّم ذلك الضياع.. واضافة إلى هذه الصياغة ارادت احداهن ان تقول: لا يمكننا اتهام أي جهة بالقصور حين تكون أي خطة لم تؤد الغرض.. فالاتجاه الذي تعيشه تلك الفئة لم يحترم الحرية واستمر في التخبط.. وبعد هذا النقاش.. اكملت عفاف: أتدرون ما المشكلة وتناوبت الفتيات حولها نظراتهن الآملة.
قالت عفاف: ان عنصرا هاما يغيب ويكاد يختفي نحن بأمس الحاجة اليه ولنزوحه الينا واقامته بيننا.. إنه الحوار نعم الحوار الذي نفتقده.. ونتمنى ممارسته وحلوله بيننا.. وأكبر دليل على ذلك.. اننا الآن نتحاور دون ان يسمعنا أحد.. ونعيش قضية هامة.. دون مشاركة أو حلول.
وأبدت واحدة رأيها قائلة: في رأيكم كيف السبيل إلى ادراكنا وشمولنا؟! واتبعتها اخرى.. ولم تضل قضايانا خلف القضبان.. يزمهر منها اصحابها.. وتفاءلت عفاف إلى الحد الذي ارغمها القول: اني سعيدة بما سمعت.. وفي مقابله اشعر بترح شديد يطوّقه الأسى والانفعال حول عدم نتاجية ما تحمله اطروحاتنا المغلفة بحاجز البعد والحجوم.. فهناك ألمح عالم الاستغلال.. وعن قرب ارى صنوف المحن.. وحولي تدور اشكال الخداع والزيف والجحود.. واشهد ان الارض فيها قوي اقصى الضعيف.. وظالم تمرد على مظلوم.. وفاجر تطاول على تقي.. ومتعالٍ استغل انساناً.. وهؤلاء وغيرهم.. وعليكم قد لا يغيبون.. وفي آخر اللقاء.. أبدت الفتيات إعجابهن بهذا الحماس.. والإحساس.. الذي شمل الناس.. فتلك عفاف التي ترفض ان يبتاع أحد أحداً.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved