أسطر هذه الكلمة والنفس تتحسر والقلب يتفطر لفقد علم من أعلام الأمة العامل فقيد الأرملة والمسكين سند الحسبة والمعروف فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالرحمن آل فريان وقد ولد - رحمه الله - على ما أخبرني عام 1344هـ في الرياض بلدة أجداده وأسرته وقد أتم حفظ القرآن الكريم وعمره 17 سنة ثم طلب العلم على سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - وغيره من علماء وقته وقرأ عليهم في العقيدة والحديث والتفسير والفرائض والنحو وغيرها.
وقد قام بتأسيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم عام 1386هـ وأعانه على ذلك الشيخان محمد بن سنان ومحمد يوسف سيسي واختاره شيخه محمد بن ابراهيم لترؤسه لها، بعد موافقة الملك فيصل - رحمه الله - ومن ذلك التاريخ والشيخ يسقي هذه البذرة حتى شملت كافة المدن والقرى وخرّجت الجم الغفير من الحافظين والحافظات ومن دونهم حتى أصبحت شجرة وارفة ينتفع بها الكثير حتى إذا ما أكملت نموها دعمها بجاهه ووجاهته وجعل لها من الأوقاف ورتب لها من التبرعات ما يكون عوناً على بقائها واستمرارها سواءً من ماله الخاص أو من ولاة الأمر الذين لا يفتؤون في ذلك أو من أهل الخير. وكان حريصاً على الدعوة والتذكير أينما حل في الدوائر الحكومية أو الجهات التعليمية وغيرها تستوي في ذلك عنده شتى مناطق المملكة التي وهبها أشهراً من كل سنة لزيارتها وتذكير أهلها ونصحهم وإرشادهم.
وكان - رحمه الله - متواضعاً في نفسه متواضعاً مع غيره يزور الصغير ويقبل دعوة الفقير لا يرى لنفسه حقاً وإن كان الحق كله له وقد شاهدت ذلك منه مراراً في اجتماعات لي معه عديدة.
وكان راغباً عن الشهرة مجانباً للمناصب لأنه يراها تكليفاً لا تشريفاً، متفرغاً للدعوة والحسبة يعمل في صمت بعيداً عن الأنظار. وكان محباً للخير فاعلاً له معيناً عليه يقصده الناس فيشفع لهم ويرشدهم ويفرج عنهم ويوسع عليهم وربما ذهب بنفسه إذا لزم الأمر شافعاً أو معيناً وهو بهذا جعل من نفسه ووقته وجاهه وماله وقفاً للخير وأبوابه.
مناقب الشيخ أكثر من أن تحصر لكنها كلمة وفاء وعرفان لهذا العالم الرباني وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - :«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو لهو» رواه مسلم وغيره وأرجو أن تكون هذه الخصال قد تحققت للفقيد - رحمه الله -. واختار في رثائه:
خطب دنا فبكى له الإسلام
بكت لعظم بكائه الأيام
وتزلزلت كل القلوب لفقده
وتواترت من بعده الآلام
أوفى بأحكام الكتاب فكم له
في نصر توحيد الإله قيام
|
توفي فجر الخميس لليوم السابع من شهر رجب من عام 1424هـ عن عمر يناهز الثمانين وصلي عليه في جامع عتيقة ودفن في مقبرة العود - رحمه االله وغفر له -.
|