* دبي - من مدحت عبد اللطيف:
كشف تقرير للبنك الدولي صدر أمس ان ايلاء فرص متساوية للمرأة للمساهمة في الحياة الاقتصادية سيكون من شأنه تعزيز آفاق النمو في بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا وانتاجيتها الاقتصادية بدرجة كبيرة.
ويصدر هذا التقرير، وهو الثالث في سلسلة من التقارير التي تبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الوقت الحالي، عشية الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في دبي، وهي المرة الاولى التي يتم فيها عقد مثل هذا الاجتماع في احدى بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا. ومن المتوقع ان يشارك حوالي 000 ،16 مندوب من 184 بلدا عضوا لمناقشة اوضاع الاقتصاد العالمي وتناول التحديات الملحة للتنمية التي تواجه البلدان النامية.
ويحدد التقرير الصادر بعنوان النوع الاجتماعي والتنمية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا: المرأة في المجال العام والعوائق الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها المرأة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا في سعيها للعثور على فرص للعمل، ويحلل التقرير المزايا الاقتصادية الممكنة لاشتراك المرأة في قوة العمل، ويقترح خطة عمل من شأنها تمهيد الطريق لتوسيع دورها في الاقتصاد والحياة العامة.
ويؤكد كريستيان بورتمان نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا انه لا يمكن لأي بلد ان يرفع من المستوى المعيشي لمواطنيه وان يحسن رفاهتهم دون مشاركة نصف السكان، ان تجارب البلدان الاخرى توضح لنا مرارا وتكرارا ان المرأة تمثل عنصرا هاما في التنمية، وان اعاقتها تعني اعاقة امكانات النمو الاقتصادي.
زيادة فرص العمل لا تضاهي المكاسب التي تحققت في مجالي صحة وتعليم المرأة
حققت معظم بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا تحسنا كبيرا على مر العقود القليلة الماضية في وضع المرأة نتيجة للانفاق العام الكبير على الرعاية الصحية والتعليم، فقد بلغ متوسط الانفاق على التعليم خلال عام 2000 حوالي 3 ،5 في المائة من اجمالي الناتج المحلي، وهو الاعلى في العالم، في حين بلغ اجمالي الانفاق على الرعاية الصحية حوالي 9 ،2 في المائة.
لقد حقق الاستثمار في صحة المرأة وتعليمها نتائج باهرة في فترة زمنية قصيرة، حيث ارتفع متوسط معدل محو الامية للمرأة في المنطقة من 6 ،16 في المائة في عام 1970م الى 5 ،52 في المائة في عام 2000 وبلغ عدد الفتيات المقيدات في المدارس الابتدائية في المنطقة خلال عام 2000 حوالي تسع فتيات مقابل عشرة فتيان في حين بلغت نسبة الفتيات المقيدات في المدارس الثانوية حوالي 74 في المائة مقابل 77 في المائة للفتيان. ان بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا، اليوم قد باتت في وضع جيد في سعيها لتحقيق احد الاهداف الانمائية للألفية الجديدة التي تبناها المجتمع الدولي، والتي تدعو الى سد الهوة بين الجنسين فيما يتعلق بمعدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي والثانوي بحلول عام 2005.
كما ان نساء المنطقة يعشن حياة اطول واكثر صحة فقد ارتفع العمر المتوقع لهن عند الولادة بما يقارب عشر سنوات منذ عام 1980م، ويعود ذلك بشكل رئيسي الى تحسن الخدمات الصحية وتقلص نسبة وفيات الامهات وكذا فقد ادى التوسع في تعليم النساء الى تراجع حاد في معدلات الخصوبة من 2 ،6 في عام 1980 الى 3 ،3 في عام 2000م.
غير ان المكاسب التي تحققت في صحة النساء وتعليمهن، حيث وصلت نسبة الطالبات في بعض بلدان المنطقة الى حوالي 63 في المائة من اجمالي الطلبة المقيدين بالتعليم الجامعي، لم تترجم الى مكاسب مناسبة في فرص العمل فبينما زادت نسبة مشاركة النساء في قوة العمل ببلدان المنطقة بسرعة خلال العقود الثلاثة الماضية من اقل من 23 في المائة في عام 1970 الى 32 في المائة في عام 2000 فلا تزال من بين المعدلات الادنى على مستوى العالم.
يقول مصطفى نابلي رئيس الخبراء الاقتصاديين للبنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ان هناك مفارقة واضحة بين الجنسين في المنطقة. فقد استطاعت بلدان المنطقة من خلال الاستثمار في تعليم النساء زيادة تطلعاتهن وقدراتهن على كسب دخلهن الا ان المستويات المتدنية لمشاركة الاناث في قوة العمل تعني ان المنطقة لا تجني عوائد هذا الاستثمار.
ضعف مشاركة النساء في الاقتصاد يحمل بين طياته كلفة باهظة لكل من العائلات والمجتمعات
ويرى التقرير انه قد صار لزاما على بلدان المنطقة الاعتماد على افضل ما لديها من مواهب في سعيها لاعتماد النموذج الجديد للتنمية، والذي يعتمد بدرجة اقل على عائدات النفط والنمو الذي يقوده القطاع العام، وبدرجة اكبر على الصادرات والاستثمارات الخاصة التي ترتكز على وجود مجموعة ديناميكية من العمالة المهرة وطالما تتميز المشاركة في قوة العمل الى حد كبير بعدم المساواة بين الجنسين، فستظل النساء بدرجة كبيرة ثروة غير مستغلة في المنطقة الامر الذي يمنع اقتصادات المنطقة من الاعتماد على افضل ما لديها من مهارات.
وقد ادى ضعف مستوى مشاركة للنساء في قوة العمل الى تأثير سلبي على الاسرة. ويكشف تحليل البنك الدولي انه لو شهدت قوة العمل زيادة اكبر من حيث مشاركة النساء، بشكل يتلاءم مع نسبتهن في مستوى التعليم والهيكل العمري، لامكن ان يرتفع دخل الاسرة بنسبة تصل الى 25 في المائة.
تقول نادرة شاملوا المستشار الاول بالبنك الدولي والمؤلفة الرئيسية للتقرير ان ذلك كان يعني بالنسبة للعديد من العائلات الحصول على تذكرة للانتقال الى الطبقة الوسطى. ويوضح ذلك الدور المحوري الذي تلعبه النساء في انتشال عائلاتهن من الفقر، والتأثير على المناخ الاجتماعي والاقتصادي الاكبر.
ويلمح التقرير الى ان زيادة مشاركة النساء في قوة العمل ستؤدي بدورها الى نمو اسرع في مستوى الدخل وتظهر الحسابات الخاصة بمجموعة فرعية من بلدان المنطقة انه لو وصلت معدلات مشاركة النساء في قوة العمل الى كامل طاقتها فسيؤدي ذلك الى زيادة نمو متوسط نصيب الفرد من إجمالي النتائج المحلي بمعدل 7 ،0% أي اعلى من المتوسط الحالي المحقق خلال العقد الاخير في تلك البلدان والذي يبلغ بالكاد 9 ،1% سنوياً.
ويضيف نابلي قائلا انه يتم قياس مستوى رفاهة السكان بمعدل ما يكسبه كل فرد ونسبة القوى العاملة الى اجمالي السكان. ففي منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا يعيل كل شخص يعمل أكثر من شخصين لايعملان، ويمثل ذلك عبئاً يفوق مثيله في شرق آسيا بمعدل الضعف. ان معدلات البطالة المرتفعة والنسبة الكبيرة لصغار السن من غير القادرين على العمل وانخاض مشاركة النساء في قوة العمل قد جعل معدل الاعالة الاقتصادية بالمنطقة الاعلى على مستوى العالم.
المخاوف من ان تكون زيادة مشاركة النساء في قوة العمل على حساب توظيف الرجال هي مخاوف واهية
يفند التقرير الاعتماد السائد بأن النساء - في حالات تفشي البطالة - سيستحوذن على فرص التوظيف من الرجال، ولكن الشواهد الدولية تبين ان ارتفاع مشاركة المرأة في قوة العمل لا يصاحبه زيادة في معدلات البطالة بين الرجال، وعادة ما يحدث عكس ذلك وكذلك فان عمل المرأة لايمثل بديلا كاملا لعمل الرجال. فبينما تؤدي معدلات البطالة المرتفعة بين النساء الى تثبيط رغبتهن في المديين القصير الى المتوسط في دخول سوق العمل فإن اقتصادا صحيحا على المدى الطويل واكثر تضمينية للنساء من المحتمل ان يشهد معدلات بطالة اقل للجميع.
ويضيف مصطفى نابلي قائلا «ان الحجم الاجمالي للعمالة في اقتصاد ما لا يمثل فطيرة ثابتة يمكن تقاسمها بين فئات المجتمع. انه نتيجة للسياسات والمؤسسات التي تؤدي - عندما تكون صائبة - الى خلق فرص عمل لكل من الرجال والنساء».
كثرة العوامل المعوقة لدخول النساء الى قوة العمل
ويشير التقرير الى ان هناك مزيجا من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر على هيكلة قوة العمل في الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الوقت الحالي. فقد منعت العوامل التي تكبح الطلب، وهي عوامل نابعة من ضعف النمو الاقتصادي وكذا ضعف فرص التوظيف في التسعينيات من القرن المنصرم، استيعاب الزيادة الكبيرة في المعروض من قوة العمل.
وتفضل النساء في المنطقة العمل في القطاع العام، حيث يوفر مزايا كبيرة ومعاملة متساوية مع الرجال فيما يتعلق بفرص العمل والاجور. بينما تواجه النساء العاملات في القطاع الخاص عوائق كبيرة، اذ عادة ما يعملن في وظائف متدنية الاجر مع عدم وجود اية امكانية للتقدم الوظيفي، وينظر الى وظائف الخدمة العامة مثل التمريض والتدريس كذلك على انها وظائف ملائمة للنساء الا انه مع تقلص عدد الوظائف في القطاع العام في العديد من البلدان، فان التقرير يحذر من ان القطاع العام لم يعد يمثل مصدرا هاما لتوظيف النساء في المستقبل.
وينوه التقرير الى ان اللوائح المنظمة لسوق العمل والاعراف الاجتماعية في المنطقة تمثل كذلك عائقا امام انضمام النساء الى قوة العمل فطبيعة العلاقات العائلية تقوم على النظرة التقليدية التي ترى في الرجل المعيل الوحيد للأسرة، وان النساء لسن الا ربات بيوت وامهات وتؤثر تلك الادوار الاجتماعية للرجل والمرأة على عملية صناعة القرار في العائلة، وتقلص دور النساء في الحياة العامة، وتؤدي كذلك الى زيادة اعتمادهن على الرجال للحصول على المساندة.
وترسخ اللوائح المنظمة للعمل وقوانين الاحوال الشخصية في معظم بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا هذا النموذج التقليدي للأسرة، مما يجعل النساء يعتمدن على الرجال من الناحية المالية والقانونية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال، تدفع بدلات التوظيف العائلية المرتبطة بالضرائب والعمل - مثل التأمينات والمعاشات - للعائلات من خلال الرجال فقط، ولا يحق للمرأة ان تحصل على هذه البدلات الا اذا ثبت انها المعيل الوحيد للعائلة، كونها ارملة، او كون زوجها مسنا او مقعدا.
وتقول شاملو ان العوامل الاقتصادية وغير الاقتصادية التي تؤثر على مقدرة النساء على دخول قوة العمل، والطلب على النساء العاملات لم تعد تلائم الواقع الاقتصادي للمنطقة. فهناك عدد قليل من العائلات من الغنى بدرجة تمكنها من الحياة على دخل واحد. ان النساء في حاجة الى مرونة اكبر لتلعب ادوارا متعددة - كأمهات وزوجات وعاملات ومواطنات - وذلك لتعظيم مستوى رفاهة الاسرة فالمساواة بين الجنسين ليست من اجل النساء فقط، انها من اجل العائلات.
يجب اشراك المجتمع في تغيير السياسات وزيادة مشاركة النساء
ان النمو السكاني السريع في المنطقة قد خلق جيلا من الشباب والشابات الذين نشأوا في عائلات اصغر من حيث حجمها، يحصلون عادة على قسط اوفر من التعليم مقارنة بآبائهم، مما يرفع بدوره من مستوى طموحاتهم وآمالهم، وفيما يتعلق بقدرات هذا الجيل، فان النساء قد شارفن على مساواة نظرائهن من الرجال. ومن المحتمل ان تعدل هؤلاء النسوة والرجال وجهات نظرهم بالنسبة لأدوارهم الاجتماعية في الاسرة، وان يطالبوا بالمساواة على الصعيدين الخاص والعام حتى يتمكنوا من مجاراة الواقع الاقتصادي المتغير.
ويحث التقرير واضعي السياسات على اتباع اجندة تعزز الكفاءة والمساواة، وتعطي النساء قدرة اكبر على الحصول على فرص للعمل مع توفير الامان الاقتصادي، على ان تشمل تلك الاجندة الاجتماعية اربعة مجالات عامة للسياسات على النحو التالي: اعادة النظر في البيئة التشريعية لضمان استفادة النساء من الحقوق المتساوية التي يخولها الدستور، انشاء بيئة تحتية داعمة مثل توفير رعاية افضل للأطفال، والنقل، ومياه الشرب، والاتصالات لتسهيل مشاركة المرأة في المجال العام، الاهتمام المستمر بالتعليم، لاسيما لتزويد النساء بمهارات مهنية افضل ترتبط بسوق العمل واصلاح قوانين وتنظيمات العمل لتعكس نموذج التنمية الجديد بالمنطقة، والحاجة الى خلق فرص عمل في القطاع الخاص.
ويؤكد التقرير الدور المركزي للعائلة في اطار الاعراف الاجتماعية السائدة في بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا ويقر بأن احتياجات الاسرة تتغير بمرور الوقت وتتفاوت من طبقة اجتماعية الى اخرى ويدعو الى ايجاد بيئة مساندة تسمح للنساء بلعب ادوارهن الخاصة بالعمل والعائلة بشكل اكثر فعالية.
واذ يربط التقرير بين المساواة بين الجنسين ونظم الحكم الجيد فانه يدعو ايضا الى تبني دعامتين لنظم الحكم الجيد تضمين المرأة بشكل اكبر في صناعة القرار، وتعظيم مساءلة المؤسسات لضمان العدالة والمساواة وتعد المشاركة الاكبر للنساء في العملية السياسية اساسا لتحقيق التغيير.
ويضيف بورتمان موضحا ان التغيير لا يمكن ان يتأتى ببساطة بسن القوانين فالتغيير يحتاج الى ان يبدأ من القمة بدعم من القاعدة الشعبية لبناء اجماع وارادة سياسية للاصلاح ولاشك ان الشراكة والحوار مع قادة الرأي والمسؤولين المحليين، مثل العلماء ومجموعات المجتمع المدني، سيعززان من شرعية وشعبية الاصلاحات الجديدة.
|