Saturday 9th august,2003 11272العدد السبت 11 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ابن تومرت ودولة المرابطين!! ابن تومرت ودولة المرابطين!!
د. إبراهيم بن عبدالله المطلق(*)

لقد اتسمت دعوة الرسل جميعاً عليهم السلام بالإخلاص لله وحده في تصحيح أوضاع مجتمعاتهم وتقويم أفكارهم المنحرفة عقدياً وسلوكياً ولم يسطر لنا القرآن في سياق قصص الرسل عليهم الصلاة والسلام هدفاً لواحد منهم في مطمع دنيوي مادي سواء كان مالاً أو سلطة أو جاهاً أو غير ذلك بل سطر القرآن براءة كل واحد منهم من هذه المطامع كلها وهذا ولا ريب تزكية ربانية عظمى لهذه العينة من الدعاة.
وقد ظهر في الساحة اليوم عدد هائل وجم غفير من الجماعات والأحزاب والفرق كل منها تزعم أنها على الحق، وقد غلب على كثير من قادة هذه الجماعات حب الرياسة والشغف بالملك والزعامة كابن تومرت، ولو تفقهوا في دين الله عز وجل وطلبوا العلم الشرعي وجثوا الركب على العلماء وجردوا نواياهم لله وحده لا شريك له لكان خيراً لهم، وأقوم ولتحقق لهم من الشرف والرفعة الكثير ولكنهم تنافسوا في سبيل تحقيق مطامعهم، وقادهم ذلك الى الاساءة كل الاساءة لهذا الدين العظيم فشوهوا صورة الاسلام الحسنة الجميلة ونفروا العالم منه وتسببوا في تسلط الكفار على الإسلام والمسلمين بالقتل والايذاء والملاحقة والمراقبة، بل كانوا سبباً في توقف كثير من المناشط الاسلامية الدعوية منها والاغاثية وغيرها ولم يقفوا عند هذا الحد بل عمدوا إلى تلقف صغار السن من أبناء المسلمين ليلقنوهم أفكارهم الهدامة وعقيدتهم المنحرفة وليوغروا صدورهم على حكامهم ومجتمعاتهم الاسلامية بل ليجندوهم للقيام بأعمال تخريبية يقتلون فيها الأبرياء ويعبثون فيها بالممتلكات ويروعون الآمنين، ومن المؤسف جدا أن كل ذلك باسم الدين وصفات هؤلاء الخلقية والسلوكية كصفة ابن تومرت فما أشبه الليلة بالبارحة.
والمسؤولية اليوم تدور بين الدعاة والرعاة، فالدعاة الى الله تعالى هم ورثة الانبياء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم والأمانة في أعناقهم كبرى وعظمى ووالله ثم والله ليسألن عن هذه الامانة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وقد استأمنهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الدين الا فليبلغ الشاهد الغائب، وبلغوا عني ولو آية والدعوة الى الله الحقة إنما تكون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وبكتاب الله وسنة نبيه وهدي سلف الأمة في كل صغيرة وكبيرة والحذر والتحذير من كل ما يخالف ذلك من أفكار وفلسفات فهي منبع الشر وبذرة السوء.
ومصيبة الأمة الاسلامية اليوم حينما تأتي العلة من الباطنية كما يقول العامة، وذلك حينما يظهر على الساحة انصاف وأرباع وأثمان طلبة علم يتنافسون في الظهور ويتسابقون الى الفتيا وحقيقتهم كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) فلم يعرف عن أحد من هؤلاء المتعالمين ثني الركب عند كبار العلماء الربانيين فيمتطون الدين وينادون بالاصلاح الديني ويدندنون حوله ظاهرا، وفي حقيقة نفوسهم الغاية القصوى مطمع دنيوي مادي شهرة كانت أو مالا أو سلطة أو رئاسة على خطى ابن تومرت.
ومن هذا الباب تعظم الفتنة ويستجيب الرعاء ولا سيما إذا كان المتحدث من هؤلاء ممن أوتي القدرة على الإقناع بأسلوبه الجذاب وعباراته المعسولة ولاسيما أيضا وموضوع الحديث الحكام والرؤساء والأمراء فتنشأ فئة تعمل وتطالب على التصدي لهؤلاء الحكام وتنشأ فئة أخرى تكفرهم وتنادي بالثورة عليهم وهذا حال بعض المجتمعات الاسلامية اليوم وما مرت به بعض البلدان الاسلامية من أحداث وأعمال اجرامية تؤكد هذا الاتجاه ولنعلم جميعا علم اليقين ان هذه الطغمة الضالة لها من يغذيها فكرياً ومادياً ولولا ذلك لم تكن لتتمكن من تحقيق أغراضها الآثمة.
وما أحوج قادة الامة وحكام المسلمين الى الفطنة والكياسة والاعتبار بما سطره التاريخ وبحوادث المجتمعات الاخرى بل ما أحوجهم الى الحذر من حملة الافكار الوافدة وعدم الانخداع بهم وإن بدلوا جلودهم بل ما أحوجهم الى الحذر من كل من عرف بالتحزب المقيت لأي فكر مقيت منحرف لا يرتضيه ديننا الحنيف ولا يقبله شرعنا المطهر ولا يتوافق مع معتقد أهل السنة والجماعة فأشباه ابن تيمورت اليوم كثر لا كثرهم الله.
وإليكم قرائي الأفاضل شيئا مما كتبه الامام الذهبي رحمه الله في ترجمة ابن تومرت وموقفه من الملك تاشفين ودولة المرابطين بتصرف.
يقول رحمه الله ابن تومرت: هو الشيخ الإمام الفقيه الأصولي الزاهد أبو عبدالله بن تومرت البربري المصمودي الخرجي الخارج بالمغرب الدعي انه علوي حسني وأنه الإمام المعصوم المهدي رحل من السوس الأقصى شابا الى المشرق فحج وتفقه وحصل أطرافا من العلم وكان أماراً بالمعروف نهاءً عن المنكر قوي النفس زعراً شجاعاً معيباً قوالاً للحق عمالاً على الملك غاوياً في الرياسة والظهور وكان لهجاً بعلم الكلام خائضا في مزال الاقدام ألف عقيدة لقبها بالمرشدة فيها توحيد وخبر بانحراف فحمل عليها اتباعه وأباح دم من خالف عقيدته، وكان خشن العيش فقيراً قانعاً باليسير مقتصراً على زي الفقر لا لذة له في مأكل ولا منكح ولا مال ولا في شيء غير رياسة الأمر حتى لقي الله تعالى. لكنه دخل - والله - في الدماء لنيل الرياسة المردية كان له فصاحة في العربية والبربرية وكان يؤذى ويضرب ويصبر أوذي في مكة فرحل الى مصر فبالغ في الانكار فطردوه وآذوه وكان إذا خاف من البطش خلط وتباله.
نفي الى قرية ملالة فالتقى بشاب يدعى عبدالمؤمن قد تسلطن وكان عاقلا قال: ماسمك؟ قال: عبدالمؤمن قال: الله أكبر أنت طلبتي فأين مقصدك؟ قال: طلب العلم قال: قد وجدت العلم والشرف فاصحبني واتفق معه على أن يحول نفسه الى أصم أبكم ليتخذه معجزة فيما بعد سار إلى مراكش وهي لابن تاشفين فأخذ بالانكار فخوفوا الملك منه ومن أتباعه فأحضرهم فكلموه فيما وقع فيه من سب الملك فقال ما نقل من الوقيعة فيه فقد قلته ثم قال للملك، هل بلغك أن الخمر تباع جهاراً وتمشي الخنازير في الأسواق وتؤخذ أموال اليتامى؟ فذرفت عينا الملك وأطرق وفهم الدهاة طمع ابن تومرت بالملك فنصح مالك بن وهيب السلطان وقال: اني أخاف عليك من هذا فاسجنه وأصحابه وانفق عليهم مؤنتهم وإلا أنفقت عليهم خزائنك فوافقه فقال الوزير يقبح بالملك ان يبكي من وعظه ثم يسيء إليه في مجلس واحد وأن يظهر خوفك وأنت سلطان من رجل فقير فأخذت الملك النخوة وصرفه وطلب منه الدعاء.
سار ابن تومرت ومن معه الى أغمات ونزلوا على الفقيه عبدالحق المصمودي فأكرمهم فاستشاروه، فقال هنا لا يحميكم هذا الموضع وأشار عليهم بالذهاب الى موضع مسيرة يوم وهو حصين جدا فذهبوا ونزلوا ذلك الجبل فلما رأوهم أهله وسيما هم طلبة علم فرحوا بهم كثيراً وأكرموهم وتسارعوا إليهم وكان ابن تومرت إذا رأى رجلا جلدا عرض عليه ما في نفسه - الرغبة في السلطة والملك - فإن أسرع إليه اضافه الى خواصه وان سكت أعرض عنه وكان كهولهم ينهون شبابهم ويحذرونهم وطالت المدة وكثر أتباعه وكان أتباعه يغيرون ويقتلون وكثروا وقووا ثم غدروا بأهل ذلك الجبل الذين آووهم وأكرموهم فوضعوا فيهم السيف فقال له الفقيه الافريقي أحد العشرة من خواصه ما هذا؟ قوم أكرمونا وأنزلونا نقتلهم!! فقال لأصحابه هذا شك في عصمتي فاقتلوه فقتل.
قال الذهبي فالذي يصح عندي أنهم قتلوا سبعين ألفاً.. انتهى كلامه رحمه الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(*)عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام
محمد بن سعود الإسلامية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved