Saturday 9th august,2003 11272العدد السبت 11 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
حينما يعزف المطر
عبدالرحمن صالح العشماوي

عَزْفٌ منفردٌ على الثرى، صوت قطرات المطر على الأرض له لحنٌ خاصٌ بديع، يطرب النفوس، ويبعث روح الأمل والسعادة في القلوب، ويملأ مسامع الناس، بإيقاعات مؤثِّرة من الخصب، والنضارة والبهاء، ويثير مشاعر الأرض حينما يوقظ فيها الإحساس بالارتواء بعد الظمأ، والحركة بعدالسكون، والصخب بعد الجدب، والنَّضارة بعد الذبول.
هكذا يكون المطر ـ دائماً ـ صورةً مشرقة من صور هذا الكون العجيب، الذي أودع الله فيه من العجائب والأسرار ما يملأ النفوس يقيناً بعظمة الخالق الجليل القدير..
حينما يتأمل الإنسان هطول المطر، ويرى كيف تنتعش الأرض كلُّها حينما تلتقي به لقاءً مشحوناً بالمحبة الصادقة التي تفتح أبواباً فسيحة لعطاءٍ متميِّز تسعد به الأرض جبالاً وسهولاً، وحجراً ومَدَراً، وزرعاً وشجراً، يرى صورةً بديعةً تشرح الصدر، وتوقظ الحسَّ، وتحرِّك راكد الفكر.
المطر هو «الحيا» لأن الحياة به تتجدَّد، ولأنه فيه من معاني الحياة والخصب والنَّماء ما يُحيي القلوب ويسعدها، فكم من روضةٍ أرهقها الظمأ اهتزَّت ورَبَتْ وأنبتت من كل زوجٍ بهيج حينما عزف لها المطر ألحانَه، وحرَّك مشاعرها بإيقاعات قطراته الصافية النقيَّة، وكم من شجرةٍ بدت ضامرة ظامئة بعثت فيها قطرات المطر الحياة من جديد، فاكتسبت نُضْرةً وجمالاً، ورفعت إلى الأعلى أغصانَها معبرةً بها عن إحساسها الصادق بالحب لذلك المطر الهتُون، الذي غسل آلامها، وحقَّق أحلامها.
المطر نعمة عظيمة من ربٍ عظيم، يسوق السحاب المتراكم كما يشاء، إلى من يشاء، وله في ذلك حكمة عظيمةٌ لا يعلمها إلا هو سبحانه.
كنت أتأمَّل لوحة المطر في ليلةٍ صيفيةٍ باردة في القرية التي تعرف كيف تقابل رذاذَ المطر، وقطراتِه، وكيف تتعامل مع غزارته إذا انسكب انسكاباً، حيث نقلتني تلك الصورة البديعة إلى ماضٍ حافلٍ بالخصب والعطاء، كانت العلاقة فيه بين القرية والسحاب علاقة وَصْلٍ لا ينقطع، ولقاءاتٍ متكرِّرة في ظلِّ حياةٍ ريفيَّةٍ هادئةٍ لا تعرف إلاّ نقاء الجوِّ وصفاءهْ، وعطاء السحاب وسخاءه، وخصوبة الروض وبهاءه، يا لها من لوحةٍ بديعة الجمال، متقنةٍ الصُّنْع، مثيرة مؤثِّرة، تحيط بها هالةٌ من ضوء القمر الذي رأيته يحاول أن يتخلَّص من السُّحب المتكاثفة ليطل على الأرض بوجهه المشرق الجميل، وتزفُّها أشذاء الزهور، ورائحة التراب الجميلة التي انبعثت حينما التقت بثرى الأرض قطرات المطر، فبعثت في القلب سعادةً غامرة، وأيقظت في النفس شعوراً بالارتياح لا يستيقظ إلا في مثل هذه الحالة التي يصنعها المطرُ حينما يعانق بأشواقه الثَّرى.
المطر الهنيء نعمة عظيمة، تستحق من الإنسان الشكر إذا أنعم الله بها عليه، والاستغاثة إذا حبسها الله عنه، وتستوجب منا جميعاً الوقوف مع أنفسنا وقفة مراجعةٍ لأرواحنا التي شغلتها الحياة المعاصرة الصاخبة عن الاستمتاع بهذه اللوحة الطبيعية الآسرة، لوحة المطر حينما يعزف إيقاعاته الجميلة على ذرات الرِّمال، وصخور الجبال، وغصون الأشجار، وأوراق الأزاهير.
هنا في قريتي الصغيرة، شاهدت عيناي لوحةً كبيرة، في ليلةٍ مطيرة، بعثت في نفسي شعوراً بالسعادة، وحملتني على متن الإعجاب إلى حيث تنعقد مجالس السحاب، فما أعظمها من نعمةٍ نقابلها بالشكر والعرفان للمتفضِّل المنَّان.
إشارة:


جلستُ إلى زهرةٍ غضَّةٍ
أداعب أوراقها الناضرهْ
واملأ نفسي بأنسامها
وأقرأ فيها المنى الزاهره

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved