إن المؤمن الصادق، والمسلم الملتزم، ليعجبُ كثيرا من شرذمة شاذة لأولئك الشباب المنحرف، والمغرَّر بهم، الذين يستبدلون نعمة الإيمان والأمن والطمأنينة ويصرفونها الى الكفر والجحود والتخويف. وهم بهذه التفجيرات المروعة، يخالفون أمر الله في قوله {وّلا تّتّبّدَّلٍوا الخّبٌيثّ بٌالطَّيٌَبٌ} وفي قوله تعالى {وّلا تٍفًسٌدٍوا فٌي الأّرًضٌ بّعًدّ إصًلاحٌهّا} ويستعيضون الطيب الآمن بالخبيث المروع، ويرضون بحياة الخوف والقلق والاضطراب على حياة الأمن والسَّلام والثَّبات، وبذلك يصدق عليهم حكم الله تعالى {أّّتّسًتّبًدٌلٍونّ الذٌي هٍوّ أّّدًنّى" بّالَّذٌي هٍوّ خّيًرِ} وقوله تعالى {أّلّمً تّرّ إلّى الذينّ بّدَّلٍوا نٌعًمّتّ الله كٍفًرْا وّأّحّلٍَوا قّوًمّهٍمً دّارّ البّوّارٌ (28) جّهّنَّمّ يّصًلّوًنّهّا وّبٌئًسّ القّرّارٍ } ، لقد امتنَّ الله علينا بنعم عظيمة، لا تعد ولا تحصى، فالواجب علينا اداء شكرها والمحافظة عليها وعدم تبديلها، او الكفر بها وجحودها، ومن رام ذلك فقَمِنَ أن يلبسه الله لباس الجوع والخوف والنكال، قال تعالى: {وّمّن يٍبّدٌَلً نٌعًمّةّ اللهٌ مٌنً بّعًدٌ مّا جّاءّتًهٍ فّإنَّ اللهّ شّدٌيدٍ العٌقّابٌ} وأعظم هذه النعم وأصلها الكبير، نعمة الإيمان كما قال تعالى: {الذٌينّ آمّنٍوا وّلّمً يّلًبٌسٍوا إيمّانّهٍم بٌظٍلًمُ أٍوًلّئٌكّ لّهٍمٍ الأّمًنٍ وّهٍم مٍَهًتّدٍونّ } وكلُّ من آمن بالله العظيم، فقد ضمن الله له الأمن والهداية في الدنيا والآخرة، فدلَّ ذلك على عظم شأنهما، وانهما نعمتان جليلتان، وثمرتان تستحقان الذكر والشكر والثناء الحسن لله تعالى، وتستلزم المحافظة عليهما.
وفي حديث عبدالله بن عمرو قال: قال صلى الله عليه وسلم:« المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه «1» والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم واموالهم «2» «والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله «3».
وفي هذا الحديث الشريف الجامع، بيان الصفات الكاملة والطيبة لحقيقة المسلم والمؤمن والمهاجر والمجاهد، التي يجب أن يلتزم بها قولا، ويصدقها عملا. هذا وان تحقيقها سبيل لاقامة الامن وتحقيق الالفة، وطريق لنظام شمل الفرد والمجتمع والامة.
وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أهمية استتباب الأمن والسكينة للمجتمع الإسلامي، ووضع جميع التدابير الواقية، ورتَّب الوعيد الشديد لمن ينتهك حرمة الآمنين ومن هذه الاحاديث التي تكفل كمال الأمن والاستقرار قوله صلى الله عليه وسلم :« من حمل علينا السلاح فليس منا»«4» يعني «من حمل السلاح على المسلمين لقتالهم به بغير حق، ليس متَّبعا لسنتنا ولا سالكا سبيلنا، لما في ذلك من تخويفهم وادخال الرعب عليهم»«5» وقد قال صلى الله عليه وسلم :« لا يحل لمسلم أن يروع مسلما»«6»، فاذا كان مجرد ترويع المسلم وافزاعه لا يحل ولو هزلا، فكيف يحل تفجير الآمنين عمدا، انه يستحق اللعنة والطرد والتعزير البليغ، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه:« الملائكة تلعن أحدكم اذا اشار الى الآخر بحديدة وان كان أخاه لأبيه وأمه»«7» ومن اشار بحديدة استوجب اللعن فأولى الذي يتقصد ايذاء الآمنين، وتقويض أمنهم وأموالهم وأعراضهم بها وفي هذه الاحاديث وغيرها كثير سدُّ لجميع الذرائع المفضية الى انتهاك حرمة الامن، وسياج متين يقي المجتمع فجور وشرور هؤلاء الخوارج. ان المملكة العربية السعودية دولة آمنة مستقرة تنهج العقيدة الإسلامية الصحيحة، وفق منهج اهل السنة والجماعة، وتطبق شريعة الاسلام في جميع شؤون حياتها، وتعد قدوة لدول العالم في التحلي بمحاسن الاخلاق واجتناب مساويها والالتزام بالعهود والمواثيق، وهي الدولة الرشيدة التي فتحت جميع ابواب البر والخير والدعوة إلى الله تعالى في الداخل والخارج فكان الأجدر بهؤلاء أن يسلكوا أي باب من أبواب الخير والرشاد، ويوجهوا جهودهم نحو البناء والتعاون على البر والتقوى والإعمار الصالح، لا أن ينتهجوا عقيدة الخوارج الضالة، ويوقظوا الفتن، باستباحة دماء النفوس المحرَّمة الذي يعد من أعظم الغدر وأشنعه، كما أفتى بذلك فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فقال:« النفوس التي حرِّمها الله عز وجلَّ وحرم قتلها اربع أنفس: نفس المسلم، ونفس الكافر الذمي، ونفس الكافر المعاهد، ونفس الكافر المستأمن»«8»، وان هؤلاء الذين يقومون بهذه التفجيرات المحرمة شرعا وعقلا وفطرة، لا للإسلام نصروا، ولا للأعداء كسروا! فضلا عن جمعهم للموبقات والمفاسد المفضية الى الخزي والمعرَّة والشنار، ويكفي أن في هذا الفعل الاجرامي الوحشي، اكبر إساءة وتشويه لسمعة الاسلام والمسلمين في العالم، فالواجب على شباب الامة الاسلامية في بلاد الحرمين الشريفين التعاون مع ولاة الامر في تثبيت دعائم الايمان والامن والاستقرار، والتآلف مع العلماء والأمراء في تحقيق المصالح الدينية والدنيوية والأخروية، وان يحذروا عقيدة الخوارج المكفِّرة، والافكار الهدَّامة، التي تجلب المفاسد والشرور، وتدرأ مصالح المعاش والمعاد.
الهوامش
«1» اخرجه البخاري رقم «125». ومسلم «40».
«2» سنن الترمذي رقم «100» وابن حبان في صحيحه
|