بقلم/ الملازم تركي بن يوسف الدريس
تتملك الخريج العسكري يوم تخرجه من مؤسسته التعليمية العسكرية مشاعر نبيلة تعكس ذكرياته منذ الطفولة الباكرة مرورا بمرحلة الشباب وصولا الى مرحلة الرجولة، فتتداعى الى ذاكرته تلك الأيام التي شكلت ملامح شخصيته واوصلته الى احتراف العمل العسكري، وتحمل مسؤولياته والوفاء بمتطلباته.
واذا كان لمثلي في هذه السن المبكرة ان يسجل هذه الذكريات، فحسبه منها ان ينبه الى اهمية المكان في حياة الناس جميعا بما يحمله من مضامين لها تأثيرها الممتد في الشخصية من عدة زاويا، فمنذ نعومة أظفاري وانا اسمع ان خشم العان هو عرين رجال الحرس الوطني دون أن أدرك مغزى هذه العبارة سوى أنها مجرد مكان تتجمع فيه وحدات الحرس الوطني، الا ان الامر كان يحمل في طياته معاني ابعد من مجرد كونه مكان للتجمع او النشاط.
فبحكم انتمائي الى أسرة يعمل ربها بالسلك العسكري كان اسكان مدينة الامير بدر بن عبد العزيز الذي يضم منسوبي كلية الملك خالد العسكرية من مدنيين وعسكريين هو موطني، وكان لذلك اثره الكبير في تكوين شخصيتي من خلال ما تتميز به هذه المدينة السكنية من انضباط تام يحفظ خصوصية الاسرة السعودية ويحقق في الوقت نفسه مختلف جوانب الامن النفسي، والاجتماعي، حيث العلاقات الحميمة التي تجعل الناشىء يعيش جوا عائليا مثاليا، مما ترك بصمة على حياتي، فقد ادركت منذ الصغر ضرورة التعامل مع قرنائي باحترام متبادل.
ونظرا لاحتواء هذه المدينة السكنية على مختلف الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية، فقد تلقيت تعليمي الابتدائي والمتوسط والثانوي بمدارسها على يد معلمين وطنيين بذلوا غاية جهدهم، وشملونا بوافر عنايتهم، تعليما وتثقيفا وتنشئة اخلاقية اسلامية صحيحة، وهو ما زاد تعلقي بالمكان وحبي له وشوقي الشديد الى العودة من كل سفر قد نضطر اليه.
كان عقلي - على الرغم من السن المبكرة آنذاك - يدرك دور العسكريين في ظل التهديد العراقي للمملكة عام 1410هـ واحتلال دولة الكويت، والدور الذي قامت به قواتنا المسلحة في الخفجي، ودور رجال الحرس الوطني في هذا المجال. فعند هذا التاريخ بدأت احلم واتمنى الانتماء إلى الحياة العسكرية، وجاءت مرحلة الثانوية العامة لتحول هذا الحلم الى ما يشبه الحقيقة.
ان الفرحة بالتخرج، والفخر بالتكريم الذي نلته مع اخواني وزملائي من ابناء الدفعة التاسعة عشرة من ضباط كلية الملك خالد العسكرية لا ينسيني واجب تقديم الشكر والعرفان لله عز وجل اولا، ثم لوالدي على تربيتهم لي وعملهم من اجلي، واتباعهم نظام القدوة الحسنة الصالحة لي، مما اوصلني الى هذا الموقع المتميز بالانتساب الى شرف العسكرية الرفيع.
وستظل السنوات الثلاث التي قضيتها في رحاب الكلية ملء العقل والقلب، بما لقيت فيها من توجيهات سديدة وابوة حانية وقيادة واعية، من قبل صاحب السمو الملكي الفريق اول ركن/ متعب بن عبد الله بن عبد العزيز نائب رئيس الحرس الوطني المساعد للشؤون العسكرية، الذي اولى طلبة الكلية اهتماما خاصا كنا نستشعره من خلال لقاءات سموه بنا والتي كانت تصل الى حد معايشتنا ليوم كامل يستمع الينا وإلى آمالنا وطموحاتنا واحلامنا، ونستمع اليه في شغف شديد، باعتباره نموذجا للقيادة العسكرية الواعية، وكانت متابعة مساعد قائد الكلية اليومية لامورنا المعيشية والتعليمية والمسلكية احد العوامل المؤثرة في احساسنا الذاتي بالواجب والمسؤولية.
ونظراً للقيمة الكبرى والتي توفّرها القدوة العسكرية المتميزة في نفوس الطلاب العسكريين فلقد كان للعميد الركن / محمد بن فيصل أبو ساق بعد فضل الله ثم والدي الدور الأكبر في إزكاء جذوة حب الحياة العسكرية واحترافها، فله مني وافر الشكر وطيب الثناء.
وبالله التوفيق..
|