Wednesday 9th july,2003 11241العدد الاربعاء 9 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت لما هو آت
السَّأم بوصلةٌ
د. خيرية السقاف

متى يتحوَّل الضَّوء إلى عُتْمة؟
والمشْرِق إلى باهت؟
ومتى تكلحُ الأشياءُ؟
هل الإنسان عندما يكون في وهجه، فإنَّ ثمَّة يوماً سيأتيه، ينطفئ فيه هذا الوهج؟
أمّ سيبقى مشرقاً، وضيئاً؟
وإن كان سيبقى، فلماذا الضوءُ يفترُ؟ والمضيءُ يعتُمُ؟ والمشرقُ يبهتُ؟؟ ولماذا تكلح الأشياء بعد زخمها؟! وارتهاجتها؟؟!
ثمَّ هل الضوء ذاته الذي يظلم؟، والنُّور ذاته الذي يعتم؟ والإشراق عينه الذي يبهت؟ وزخم الأشياء نفسه الذي يكلح؟! أم أنَّ العتمة، والظُّلمة، والكلح، والفتور، ذواتٌ مستقلةٌ كالنُّور، والضَّوء، والوهج، والزَّخم؟! إذن فإنَّ الإنسان ذاته لا يضمحل، ولا يفتر، ولا يعتم، ولا ينطفىء؟!..
ثمَّ إن لم يكن كذلك، فكيف هو ضعيفٌ بعد قوة، واهنٌ بعد صمود، رخوٌ بعد شدَّة، بطيءٌ بعد قُدرة؟؟؟!...
أم أنَّه وهو يضعف، ويوهن، ويبطّئ، ويتراخى، يظلُّ مشرقا، مضيئاً؟!! ولا علاقة البتَّة بين تبدُّلات الطبيعة فيه، وبين مكتسبات النفس؟
وإذن فهل صفاتُ الإشراق، والوضاءة، والبهجة، والرَّهجة فيه، بفعل طبيعته، أم بفعل تفكيره؟!..، وإن هو فكَّر عند وهنه، وضعفه، وارتخائه فإنَّه سيحافظ على ما اكتسب، من صفات البهجة، والإشراق والوضاءة؟!..
ثمَّ آثاره ممَّا يقول، وممَّا يفعل، وكيف يسلك، ويفكِّر، ويتحرَّك، ويقول، ويكتب، ويأكل، ويلبس، ويشرب، وينام، ويستيقظ، بل يُعبِّر بحواسَّه، هل تخضعُ لطبيعته البشرية؟ أم لمكتسباته ودُرْبته، وتعوّده، وأدائه؟..
وبعد، ومن قبل، هل يتساءل المرء: متى يتحوَّل الضَّوء إلى عُتمة؟ والمشرق إلى باهت، ومتى تكلح الأشياء، إن هو عرف إجابةً لكلِّ الذي سبق؟!
هل المرءُ بطبعه ملولٌ، حتى إذا ما طوى في رحلته من السنين، أو التجارب، أو الممارسات الحياتية المباشرة في أعماله، ومواقفه، وأقواله، يُصاب بشيء من الملل، فينعكس ذلك على سلوكه، ومشاعره، فيبدو في أقواله، وأفعاله، ومن ثمَّ يوسم بالمعتم، المنطفئ، ويكون مردُّ ذلك إلى ملله؟
ألم يقل الشاعر العربي:
«سئمتُ تكاليفَ الحياةِ ومن يعشْ
ثمانين حولاً لا أبالَكِ يسأمِ؟».
إذن فإنَّ السَّأم
هو الماءْ الذي يُطفئ الوهج..
والنّارُ التي تُحرق الخضرة..
واللّيل الذي يسدل على نور الصُّبح في عينيه مَظَلَّته..
وهو وحده بوصلة التَّوجه عنده من أقصى النور، إلى أقصى الظُّلمة..، ومن الكلام إلى الصمت، ومن الحركة إلى السُّكون..، ومن الوضاءة للعتمة..، ومن الزَّخم المفعم بالعبق، والصدى، والصوت، إلى اللوَّن الباهت الكالح لزفير الملل، والكلل، والفتور.. دون بهجة ولا رهجة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved