Wednesday 9th july,2003 11241العدد الاربعاء 9 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
سفرٌ، سَفَر (2)
عبدالرحمن صالح العشماوي

كثير من الناس لا ينظرون إلى السفر إلا بمنظار المتعة الآنيَّة، واللَّذَة العاجلة التي قد تتجاوز حدَّها أحياناً فتحمّل صاحبها بالأوزار، وتُثْقِلُ كاهلَه بالآثام، وهذا المفهوم للسفر يضيِّق واسعاً، ويجني على فوائد للسفر، لها قيمتها ومكانتُها في عقل الإنسان ووجدانه.
وإذا نظر الإنسان المسلم إلى السفر بمنظار المتعة الوقتية الزائلة، فإنه يفتح لنفسه بذلك أبواباً تقوده إلى الخسارة المادية والمعنوية، ولربما كانت سبباً في تدمير آخرته ودنياه، وفي المجتمعات المسلمة من القصص المؤلمة ما يثير الأسى والشَّجَنْ، فذلك إنسان هادئ وادع، نشأ في بيئةٍ محافظة دون إفراطٍ ولا تفريط، جرَّه السفر مع بعض الرفاق إلى مواقع ملتهبةً من الألم والحسرة، والحزن العميق، حيث عاد من سفره وله بالانحراف الخلقي علاقة راسخةٌ حميمة، ولربما كان له مع كل معصية قصة يتنَّدر بها رفاق السوء في مجالسهم، وذلك إنسان مسلم، مستقر الفكر، مستقيم المنهج، صحيح المعتقد، ساقه السَّفر العشوائي إلى انحرافاتٍ فكرية وثقافية أصبح بها بوقاً من أبواق الثقافات والأفكار الأخرى ، وتغيَّرت صورته، فجلَّلها بعد الإشراق ظلام الشبهة والهوى، وغاصت ملامح وجهه في قبح شهوته وشبهته حتى صار كالحاً لا يسر من ينظر إليه.
وتلك أسرة مستقيمة، رحل بها السَّفر «غير المنضبط» إلى مسارح اللهو والمجون، وأماكن النزهة الغارقة في مظاهر الاختلاط الشائن الذي لا يليق، وقس على ذلك أفراداً وأسراً تترنَّح يميناً وشمالاً في بلاد مختلفة أصبحت ذات خبرة واسعة في امتصاص أموال السُّوَّاح العرب والمسلمين الذين ينظرون إلى السفر بذلك المنظار الضيَّق، ويرونه بتلك العين التي عشيت فما عادت ترى إلا صوراً باليةً من معاني السَّياحة، محاطة بهالاتٍ من المسارح والمراقص، وصالات القمار، وغيرها من الحدائق العامة التي يختلط فيها آلاف الرجال والنساء مع آلاف القطط والكلاب ذات السلاسل الذهبية والفضية، في مهرجاناتٍ يعرف القائمون عليها كيف يستخرجون ملايين الدولارات من جيوب السائحين الذين ينظرون إلى السفر نظرة المغشي عليه من الوهم.
السفر فرصةٌ لمن يستطيع لكسب معارف ومعلومات جديدة، وللاطلاع على أوضاع العالم، وللإسهام من خلاله في نشر الخير مهما كان صغيراً بين الناس، وللإرشاد الذي تحتاج إليه عقول كثيرٍ من البشر في أنحاء العالم.
وقلت لمن يستطيع لأن هنالك من يكلَّف نفسه فوق طاقتها، فيستدين أو يبيع سيارته، أو أرضه، أو منزله أحياناً ليتمكن من السفر، وهؤلاء هم الذين يحتاجون إلى توعيةٍ خاصة لعلهم يستيقظون من سبات وهمهم الذي يجعلهم بعد عودتهم من السفر في عداد المساكين والمعدمين.
هنالك أسرٌ سافرت بضوابط فنفعت نفسها ونفعت الآخرين، وهدى الله بها رجالاً ونساءً من المسلمين وغير المسلمين، فلماذا لا يكون هذا الأنموذج المشرق هو الأنموذج الغالب فيمن يسافر من المسلمين إلى بلاد الغرب والشرق.
إنَّ كتاباً نافعاً، وسلوكاً مستقيماً، وأخلاقاً فاضلة، وتعامُلاً طيَّباً مع الناس يمكن أن يكوّن سفارةً ناجحة لنا عند الآخرين ويمكن أن يمسح تلك الصور القاتمة التي يرسمها الآخرون لنا بسبب دعايات الأعداء ضدّنا، أو بسبب النماذج السيئة من أبناء وبنات المسلمين الذين يظهرون بمظاهر غير لائقة في أسفارهم.
ولو فكر بعض من يكلَّفون أنفسهم شططاً بسفرهم إلى الخارج في المعنى الصحيح لتغيير الجو، وتحقيق المتعة بالسفر وفق ضوابط شرعنا، لاستطاعوا تحقيق ذلك بالترتيب الجيّد لرحلات داخلية في مصايف بلادنا يتحقَّق بها المراد، وتضيف إلى المتعة تلك المتعة الروحية التي لا تحصل إلى في ساحات البيت الحرام وساحات مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.
إشارة:


من رمى نحو العُلا نظرته
جعل العزم إليها سببا

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved