مشكلتي مع إدارة الجوازات بالرياض أن علاقتي بالشكشوكة توقفت منذ أكثر من سنة، بالكاد أجامل الأهل أو الأصدقاء لآخذ لقمة خفيفة من الشكشوكة وأسارع قبل أن أضعف لحشو بطني بالفول أو الطحينية والجبن ويصل الأمر في أحيان قليلة إلى الكورن فلكس.
كان برنامجي اليومي فول في الصباح وكبسة في الظهر وشكشوكة في المساء. لا أتذكر متى بدأ هذا البرنامج الخلاق ولكني متأكد أنه بدأ قبل أن تنفصل الجوازات عن الأحوال المدنية، والدليل أن العشاء في قهاوي كيلو ستة في الأزمنة القديمة في جنوب الرياض أما كبدة أو شكشوكة ولا خيار ثالث. وإذا عافت نفسك هذا الكورس ستضطر أن تشرب شيشة على جوع. حاول بعض أصحاب القهاوي المغامرين اختراق هذا النظام بادخال الفول ضمن التشكيلة لكن هذه المحاولة باءت بالفشل. ويعزو بعض المراقبين هذا الفشل إلى أن للفول خصوصيته، وآخرون لا يجدون أي سبب للمبالغة في أهمية الفول بل يحملون الفول المسؤولية بسبب صعوبة اعداده. لم يكن أي من سكان الرياض القديمة يتخيل أن تتراجع الكبدة هذا التراجع الخطير أمام منافستها التقليدية الشكشوكة، لكن اتجاه التطور في الحياة الحديثة جاء لمصلحة الشكشوكة مع الأسف، فالبيض المكون الأساسي للشكشوكة صار ينتج بكميات هائلة، وفي المقابل لا يمكن انتاج الكبدة بمعزل عن الغنم.
قبل عدة سنوات حاول البعض انقاذ الموقف واعادة شيء من التوازن القديم بين الكبدة والشكشوكة حيث زجوا بكبدة الحاشي لمساندة كبدة الغنم، استبشر المواطنون بهذه الخطوة الجريئة وغير المسبوقة. وفي غمرة الاحتفال بهذا الانجاز التنموي الكبير ظهرت مشكلة صغيرة لم يجد لها أحد تفسيراً حتى الآن، لماذا جرى عزل الكبدتين عن بعضهما البعض. حيث بدأت تظهر مطاعم متخصصة في كبدة الحاشي فقط، كما نعرف لم يكن الهدف من ادخال كبدة الحاشي خلق وجبة فطور جديدة بل كان الهدف هو ان تتضافر جهود الكبدتين لمواجهة تحدي الشكشوكة.
على المستوى الشخصي توقفت عن أكل الشكشوكة وبالتالي عدت من الأنصار الطبيعيين للكبدة، لم يأت هذا الموقف تحيزاً مقصوداً ولله الحمد ولكنه جاء رمية من غير رامي. ففي الآونة الأخيرة بدأت أشعر بمغص خفيف يستمر ساعات وبمراجعة الأطباء واجراء الفحوصات المختلفة تبين أن السبب يعود إلى شيء من الحساسية تجاه بعض الأطعمة من بينها الشكشوكة، بعدها صرت أتجنب دخول المطاعم التي تعطعط فيها رائحة الشكشوكة.
من حسن الحظ أن حاجة المرء لمراجعة جوازات الرياض متباعدة، وإلا لعدت إلى أكل الشكشوكة مرغماً. الشيء المؤسف أن الاخوة في الجوازات أقحموا ادارة حكومية كبرى أؤتمنوا عليها في صراع تاريخي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، كان يفترض أن تبقى إدارة الجوازات على الحياد أسوة ببقية الادارات الحكومية، ما الداعي لتمكين الشكشوكة واعطائها أكبر من حجمها.
أي انسان حتى وإن كانت معلوماته الهندسية صفر سيلاحظ أن مبنى الجوازات صمم في الأساس للترويج للشكشوكة. وين ما تدخل المبنى سوف تجد نفسك متجهاً إلى قلب المطعم وحتى ان حاولت أن تتجنب الدخول من الأبواب الرئيسية التي تفتح على المطعم مباشرة سوف تجد رائحة الشكشوكة لك بالمرصاد.
كل شيء في هذا المبنى تسمه رائحة الشكشوكة، تحس أنها ملتصقة في كل شيء، في الأبواب في الكراسي في الأوراق حتى في الجوازات الجديدة الصادرة. الشيء الايجابي في هذا أنك لن تحتاج أن تعرف السعودي في الخارج من سحنته أو لهجته يكفي أن تقترب منه فإذا شممت رائحة شكشوكة فالرجل بالتأكيد يحمل جوازاً سعودياً صادراً من جوازات الرياض.
فاكس: 4702164
|