أكد معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ أن الوسطية والاعتدال هي سمة من سمات الشريعة الإسلامية.. وهي منهج وسطي موافق للشرع، وموافق للعقل الصحيح، وقال : إن الشرع الصحيح بنصوصه وقواعده واجتهادات العلماء فيه يدعو إلى الوسطية والاعتدال وينهى عن الغلو والمبالغة.
وشدد معاليه على أن الوقت الراهن يتطلب منا الشعور بالمسؤولية، والوقوف بحزم مع متطلبات منهج السلف الصالح، حاملين للأمانة، وحاملين للمنهج الصحيح وعقيدة أئمة السنة والجماعة بحق، وأن نكون خير مؤتمن على ذلك.
وأبان معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ أن أحداث الرياض التي وقعت منذ حوالي أسبوعين وراح ضحيتها أبرياء من المسلمين وغير المسلمين فجع بها كل مخلص لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم من وجود الإجرام والانحراف في بلد السنة والإسلام التي هي محط الأنظار ومنبع نشر عقيدة السلف الصالح.
جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ مؤخراً بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض تحت عنوان :(الوسطية والاعتدال وأثرهما على حياة المسلمين)، وفي ما يلي نص المحاضرة :
الشعور بالمسؤولية
بسم الله الرحمن الرحيم، أشكر الله على آلائه العظيمة، ومنحه المتتابعة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - تسليماً كثيراً أما بعد:
فإني في فاتحة هذا اللقاء لأشكر لمنسوبي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حسن رعايتهم للمطلب الشرعي، وحفاظهم على الديانة، وقيامهم بواجب الأمانة تجاه ملة الإسلام وشريعة محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن الواجب اليوم عظيم جداً ولاشك أيضاً أن حماية الإسلام ورعايته تتطلب منا دائماً النصح والمراجعة ونقد النفس بين حين وآخر حتى يكون العمل صالحاً خالصاً صواباً، وهذه المحاضرة جاءت في هذا الوقت الذي يتطلب منا الشعور بالمسؤولية ويتطلب منا الوقوف بحزم مع متطلبات منهج السلف الصالح ويتطلب منا أن نكون حاملين للأمانة، حاملين للمنهج الصحيح وعقيدة أئمة السنة والجماعة بحق، وأن نكون خير مؤتمن على ذلك، لهذا اخترت في خضم هذه الأحداث التي فجع بها كل مخلص لله ولرسوله وكل ناصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم من وجود الإجرام والانحراف في بلد السنة والإسلام التي هي محط الأنظار وهي منبع نشر عقيدة السلف الصالح.
اخترت موضوعاً بعنوان: (الوسطية والاعتدال وأثرهما على حياة المسلمين) هذا الموضوع موضوع شرعي لأن الله -جل وعلا- وصف هذه الأمة بأنها الأمة الوسط، قال سبحانه: {وّكّذّلٌكّ جّعّلًنّاكٍمً أٍمَّةْ وّسّطْا لٌَتّكٍونٍوا شٍهّدّّاءّّ عّلّى النَّاسٌ وّيّكٍونّ الرسٍولٍ عّلّيًكٍمً شّهٌيدْا} ولأن لفظ الوسط وكون هذه الأمة وسطاً جاء في كتب العقائد فما من كتاب من كتب أهل السنة والجماعة أهل الحديث والأثر إلا وينصون فيه على أن هذه الأمة وسط، وعلى أن اتباع المنهج الصحيح وسط أيضاً بين الغالي والجافي.
الوسطية والاعتدال لها سمات وهذه السمات موجودة في النصوص، وموجودة في سلوك الصحابة، وفي سلوك أئمة الإسلام، أما سماتها فالوسطية والاعتدال هي سمة الشريعة بنص القرآن فهذه الشريعة متسمة بأنها شريعة السماحة ورفع الحرج، قال الله - جل وعلا - : {وّمّا جّعّلّ عّلّيًكٍمً فٌي الدٌَينٌ مٌنً حّرّجُ}، وقال أيضاً: {مّا يٍرٌيدٍ الله لٌيّجًعّلّ عّلّيًكٍم مٌَنً حّرّجُ} ، من سماتها أنها شريعة العدل في الأحكام والتصرفات، ولذلك كانت وسطاً فالعدل في الأحكام والتصرفات يوجب الوسطية لأن غير ذي الوسط لابد أن يكون في سلوكه إما إلى تفريط وإما إلى إفراط.
المنهج الوسطي
من سمات المنهج الوسطي الذي هو منهج الشريعة أن هذا المنهج موافق للشرع ثم هو موافق للعقل السليم فالشرع الصحيح بنصوصه وقواعده واجتهادات العلماء فيه يدعو إلى الوسطية والاعتدال وينهى عن الغلو والمبالغة، وكذلك مقتضيات العقل السليم فإن حياة الناس لا تستقيم إلا بهذه الوسطية فإن الانحراف عن الجادة بغلو أو جفاء لا يكون معه العيش مستمراً على وقت مصالح الناس فمصالح الناس تقتضي عقلاً أن يكون هناك منهج متوسط يجتمعون عليه ويدافعون عنه.
من سماتها أيضاً أن الوسطية والاعتدال يبرآن من الهوى ويعتمدان على العلم الراسخ، إما أن يكون نصاً من كتاب أو سنة، أو أن يكون قولاً لصحابي فيما لم يرد فيه النص أو يكون من اجتهادات أهل العلم الراسخين في ذلك فاعتماد الوسطية على العلم الراسخ الصحيح مظهر من مظاهرها وسمة من سماتها.
من سمات الوسطية أن الوسطية تراعي القدرات والإمكانات فليس صاحب الوسطية معجزاً للناس في طلباته أو داعياً إلى خيالات في آرائه وتنظيراته، كثير من الناس صاحب تنظيرات وصاحب خيالات، وهؤلاء يبتعدون عن الوسطية المراده؛ لأن الوسطية والاعتدال تؤثر في حياة الناس واقعاً ملموساً وهذا يعني أن تراعى في ذلك القدرات والإمكانات سواء كانت قدرات الأفراد، أو قدرات المجتمع، أو قدرات الدولة الخاصة بالبلد أو القدرات المتعلقة بالأوضاع العالمية، كذلك من سمات الوسطية والاعتدال أن فيها مراعاة للزمن والناس فالزمن يتغير والناس أيضاً يحتاجون إلى تجدد باعتبار الزمن وباعتبار التغير، فمحافظتهم على المنهج الوسط هذا يقتضي أن يكون هناك مراعاة لاختلاف الأزمنة ولاختلاف الأمكنة ولاختلاف الناس ولهذا نص أهل العلم على أن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والوقائع والأحوال والناس.
لماذا نذهب إلى الوسطية؟ هل هو لعلاج مشكلة قامت أم هو لأجل إيجاد حلول لمشكلات أم لغير ذلك؟ نختار الوسطية والاعتدال لأن الله -جل وعلا- أمر بها وأمر بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهي مأمور بها ويجب على الناس أن يمتثلوا المأمور وأن يجتنبوا ما لم يؤمر به في المناهج والأفكار، ثم لأن الوسطية حق ولأن غيرها باطل، ولأن الوسطية وهذا هو العامل الثالث بريئة من الأهواء فغالباً يكون طرفا الجهتين إما الغلو وإما الجفاء، إما التفريط وإما الإفراط يكون ثَمَّ هوى يحركه، أما الوسط والاعتدال المبني على العدل والحق فإنه يبرأ من الهوى والهوى مأمور أن نبرأ منه وأن نسعى في تجنب أثره على النفس في الفكر والحكم والتحاكم قال الله - جل وعلا - : {أّرّأّيًتّ مّنٌ اتَّخّذّ إلّهّهٍ هّوّاهٍ}، والرابع كون الوسطية والاعتدال موصلة إلى تحقيق مقاصد الشريعة في الدين والدنيا، معلوم أننا نحتاج لتحقيق الشريعة أن نرعى مقاصد الشريعة وأن نحقق مقاصد الشريعة في الناس، فالشريعة جاءت لتحكم في الناس ولتكون حياة الناس على ضوئها، ولم تأتِ الشريعة لتكون نظريات يباها بها أو تكون خيالات للناس يفتخرون بها دون أن تكون تطبيقاً لواقع، تطبيقاً في الواقع بأحكامها ومثلها وعقائدها، لذلك فالوسطية والاعتدال على نحو ما ذكرنا موصلة إلى تحقيق مقاصد الشريعة في الدين وفي الدنيا أيضاً، الخامس والأخير نختار الوسطية لأن الوسطية أبعد عن الفتن ما ظهر منها وما بطن، فالفتن في تاريخ الإسلام منذ أن نبع وظهر المعترض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله اعدل يا محمد، ورد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ويحك من يعدل إذا لم أعدل، هذه الوسطية منذ ذلك الحين مروراً بخروج الخوارج والفرق الضالة إلى أن وصلنا إلى هذا الوقت بما فيه إلى أن حصلت التفجيرات الأخيرة وما فيها من أفكار وما فيها من غلو وتكفير وجفاء، لهذا كله نختار الوسطية لأنها مبعدة عن الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أسباب الثبات على الوسطية
الوسطية في الثبات عليها لها أسباب فمنها، أولاً: معرفة المنهج الصحيح بالكتاب والسنة وكلام أهل العلم الراسخين فيه المنهج الصحيح يحتاج إلى معرفة بنصوصه وأدلته وكلام أهل العلم فيه ولم يؤتَ الناس في بعدهم عن الثبات عن المنهج الحق والاعتدال والوسطية إلا لقصورهم في العلم وغلبة بعض الجهل عليه، لذلك كلما كنا حريصين على نشر العلم الصحيح النافع من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفهم السلف للنصوص أو اجتهادات السلف فيما فهموا من النصوص فإن ذلك مدعاة للثبات على الاعتدال والوسطية، فالجهل وترك العلم والذهاب إلى عقليات وأفكار ربما لا تكون موافقة للعلم الصحيح فإن ذلك يبعد عن المنهج الوسطي.
الثاني: من أسباب الثبات على الوسطية قوة العلم، فإن العلم يزداد بالاعتدال ويضمحل بالغلو أو الجفاء.
الثالث: من أسباب الثبات على الوسطية قوة العقل والنظر في تجارب الناس والتاريخ، قوة العقل نحتاجها لأن العقل السليم مأمور به ولأن صحة العقل أثنى الله - جل وعلا - عليها، فالله - جل وعلا - خاطب في كتابه العزيز خاطب أولي الألباب، خاطب الذين يعقلون، خاطب الذين يفهمون، خاطب من يتذكر من أهل الله اللب الصحيح السليم ومن أهل العقل الصريح القوي، وهذا فيه إشارة إلى أهمية العقل والإدراك في فهم النص وفي فهم المصالح.
الرابع: قبلها قلنا في النظر في تجارب الناس والتاريخ النظر في التاريخ وتجارب الناس وما حصل في التاريخ من محن وفتن، وما حصل من إصلاح فإن هذا ينتج عنه الاهتمام بلزوم الوسطية والاعتدال، التاريخ فيه تجارب كثيرة دامية، فيه تجارب كثيرة قاتلة، وفيه تجارب كثيرة صالحة مصلحة من نظر فيها بعين الإنصاف وجد بقوة عقله وإدراكه، أن من نجح كان معتمداً على الوسطية في قوله وعلمه وعقله وإدراكه.
الخامس والأخير من أسباب الثبات على الوسطية الصبر، الصبر مهم جداً لأنه سمة أهل العلم بل هو سمة الأنبياء والمرسلين قال الله - جل وعلا - : {فّاصًبٌرً كّمّا صّبّرّ أٍوًلٍوا پًعّزًمٌ مٌنّ پرٍَسٍلٌ $ّلا تّسًتّعًجٌل لَّهٍمً}، وقال - جل وعلا - {فّاصًبٌرً إنَّ وّعًدّ اللهٌ حّقَِ وّلا يّسًتّخٌفَّنَّكّ الذٌينّ لا يٍوقٌنٍونّ}، فمن استخف فليس بذي عقل، ومن لم يكن جازماً بوعد الله حقاً، صابراً فأيضاً هو مستخف وليس بذي إدراك سليم، فالصبر وعدم الاستعجال في الأمر كله من سمات الثبات على الوسطية والاعتدال وبعدها يكون من أسباب النجاح في المآرب والمقاصد، بمقابل ذلك من أسباب الانحراف عن الوسطية والاعتدال، أولاً الجهل، والثاني الهوى، والثالث غلبة العاطفة على العقل، والرابع استعجال النتائج فيما هو مشروع وطرح نتائج مرفوضة فيما ليس بمشروع، الخامس الابتداع في الدين، والسادس اتهام العلماء والعقلاء بالمداهنة وترك الحق.
ضوابط شرعية أو عقلية
هذا الموضوع الوسطية والاعتدال وأثر الوسطية والاعتدال في حياة المسلمين مهم جداً، وذلك لأننا نسمع كثيراً منهج الوسطية، لفظُ الوسطية كثيراً ما يستعمل دون ضوابط شرعية أو عقلية، الثاني أن مرجع الوسط دائماً بين طرفين، فمن يحدد الطرفين؟ من يصف المنهج الوسط؟ من يقول إن هذا وسط وإن خلافه ليس بوسط؟ لابد من قواعد تحكم ذلك حتى لا يجرنا هذا المنهج إلى نبذ مسلمات من الدين أو العقيدة الصحيحة طلباً لوسطية متوهمة، فالوسطية والاعتدال مطلوبة شرعاً وفق ضوابطها الشرعية التي يقرها أهل العلم الراسخون فيه، الإسلام عقيدة وشريعة فعقيدته مبنية على الوسطية كما نص أهل العقائد، وشريعته مبنية على الوسطية أيضاً والاعتدال كما نص أهل الفقه والقواعد والمقاصد والأصول، يقول الله - جل وعلا - {وّكّذّلٌكّ جّعّلًنّاكٍمً أٍمَّةْ وّسّطْا}، معنى قوله أمة وسطا كما فسرها الصحابة ومن تبعهم يعني جعلناكم أمة عدلاً خياراً بما تتوسطون فيه بين الغالي والجاف، فهناك غلو وجفاء في الملل والمحن، هناك غلو وجفاء في الفرق المختلفة في هذه الأمة، هناك غلو وجفاء في أنواع الشرائع التي سبقتنا في الجماعات والتحزبات المختلفة مما يدل أيضاً على هذا المبدأ قول الله - جل وعلا - : {وّلا تّجًعّلً يّدّكّ مّغًلٍولّةْ إلّى" عٍنٍقٌكّ وّلا تّبًسٍطًهّا كٍلَّ البسًطٌ} ، وقال - جل وعلا- {وّالَّذٌينّ إذّا أّنفّقٍوا لّمً يٍسًرٌفٍوا وّلّمً يّقًتٍرٍوا وّكّانّ بّيًنّ ذّلٌكّ قّوّامْا}، فثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:(إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) رواه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححوه، وجاء عن علي بن أبي طالب الخليفة الراشد - رضي الله عنه وأرضاه - أنه قال:(خير الناس النمط الأوسط) خير الناس النمط الأوسط الذين يرجع إليهم الغالي ويلحق بهم الجاف رواه ابن المبارك عن محمد بن طلحة عن علي رضي الله عنه، وقال بعض السلف (دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه)، وهذه قاعدة عند أئمة السلف وعند من صنف في العقائد، يقولون دين الله الحق، دين الله المرضي عنه، دين الله الذي يؤمر الناس باتباعه وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، وفي الحديث الذي في الصحيح (إن هذا الدين متين ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، وفي الحديث الذي في السنن وفي غيرها، وهو مرسل وله شواهد من حديث محمد ابن المنكدر عن جابر قال: «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى»، فصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:(أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة)، وقال أيضاً:(هلك المتنطعون ثلاثاً)، ولما أرسل صاحبيه إلى اليمن قال لهما (تطاوعا ولا تختلفا ويسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) وهذه هي قاعدة الدعوة كما أجمع على ذلك أهل العلم في قوله عليه الصلاة والسلام للداعيين الذين أرسلهما إلى اليمن علي ابن أبي طالب ومعه أبو موسى الأشعري قال تطاوعا ولا تختلفا ويسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا، وأيضاًَ جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:(أحب الأمور إلى الله أواسطها)، إذا تبين ذلك وأن هذه الوسطية وهذا الاعتدال مطلوب وأن دلائل الشرع تدل عليه وأنه منحة لهذه الأمة لكي تبقى وتستمر وأنه لا بقاء للغلاة كما أنه لا بقاء للجفاة وإنما الذي يبقى ويبقى ناصحاً لهذه الأمة، ويبقى مخلصاً لها، ويبقى داعياً معلماً عالماً ناصحاً مؤثراً من يكون على هذا المنهج القويم الذي دل عليه النص، ودل عليه سلوك الخلفاء، وكلمات الخلفاء ودلت عليه أعمال أئمة الإسلام ودلت عليه مصنفاتهم.
تطبيق الوسطية
الوسطية لها أنحاء من حيث التطبيق إما من جهة الوصف السابق أو من جهة التنظير الواقع، أولاً: الإسلام وسط بين الديانات، فمن تأمل عقيدة الإسلام وجدها الوسط بين الديانات المختلفة والديانات هي كل دين، دان الناس به والتزموه سواء أكان ديناً أصله حق أم كان ديناً باطلاً من أصله، فالإسلام وسط بين اليهودية والنصرانية، والإسلام وسط بين المجوسي والبوذي، والإسلام وسط بين أهل القوانين بين الرومان وبين الذين يجعلون الحكم لأنفسهم، الإسلام وسط في الأخلاق ووسط في المعاملات، الإسلام دعا إلى الأخلاق الحميدة وحث عليها بل وصف الله - جل وعلا - نبيه بذلك في قوله: {وّإنَّكّ لّعّلّى" خٍلٍقُ عّظٌيمُ} ، لكنه لم يجعل من الخلق المحمود ترك العزة ولم يجعل من الخلق المحمود ترك الحق بل جعل الخلق المحمود وسطاً بين اللين وبين القوة، فالقوة في مكانها مطلوبة، واللين مع المسلمين وغير المسلمين في مكانه مطلوب، فالحق بين ذاك وذاك، والإسلام وسط أيضاً في الديانات، في أنواع المعاملات، وأنواع التشريعات التي فيها تعامل الناس ما بين من يحل الربا بأنواعه وما فيه ظلم للناس وما بين من يمنع كل أنواع التعامل ويحرق المال الذي يكتسبه الإنسان إلا من عمل يده، فالإسلام يدعو إلى التجارة، ويدعو إلى العمل، ويدعو إلى الاقتصاد، ويدعو إلى تنمية المال ولكنه يمنع في ذلك كله الظلم، ويمنع أخذ أموال الناس بغير حق، ويمنع أن يكون المال دولة بين الأغنياء فقط كما كان ذلك في شرائع الجاهلية أو في شرائع من سبقنا من الملل والشرائع، الإسلام وسط فيما أمر به في المعتقدات وما أخبر الله - جل وعلا - أو أخبر به رسوله - صلى الله عليه وسلم - ففي التوحيد وسط بين الغالي فيه ممن يشرك بالله - جل وعلا - كالنصارى، واليهود، وما بين الجافي والمبتعد عن ذلك ممن يظن أن الناس جميعاً على التوحيد مهما عملوا، فالإسلام يدعو إلى توحيد الله - جل وعلا - بما أمر الله به في قوله {فّاعًبٍدٌ اللهّ مٍخًلٌصْا لَّهٍ الدٌَينّ}، وقال {وّقّضّى" رّبٍَكّ أّلاَّ تّعًبٍدٍوا إلاَّ إيَّاهٍ} ، فتوحيد الله - جل وعلا - والإخلاص له أساس الملة والدين، أهل السنة والجماعة وسط في باب الصفات ما بين الممثلة المشبهة وما بين النفاة المعطلة، وفي أبواب الإيمان أهل السنة والجماعة والإسلام الحق وسط ما بين التكفيريين الغلاة وما بين المرجئة الجفاة، وفي إثبات الإيمان من أنه قول وعمل واعتقاد ووسط بين هؤلاء وهؤلاء، كذلك الإسلام وسط في الصحابة بين الغلاة فيهم ممن أَلَّهوهم، وبين النواصب الذين ذموا بعض الصحابة فأهل السنة والجماعة يثنون على جميع صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقولون فيهم ما قال الله - جل وعلا - {لّقّدً رّضٌيّ اللهٍ عّنٌ المٍؤًمٌنٌينّ إذً يٍبّايٌعٍونّكّ تّحًتّ الشَّجّرّةٌ} ، وفي أبواب الإمامة والولاية أهل السنة والجماعة بل دين الإسلام وسط بين من اختلفوا في هذه المسألة العظيمة من الخوارج في القول والعمل الذين يرون الخروج على الولاة فيما يرون منهم من أخطاء أو منكرات ووسط بين هؤلاء الغلاة الذين يرون الخروج والطرف الآخر الذي لا يرى نصيحة الإمام أصلاً ويرى أن ما قاله ولي الأمر فهو صواب مطلقاً لأنهم نواب الله - جل وعلا - في أرضه.
طاعة ولي الأمر
وأهل السنة والجماعة يرون الطاعة كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بل أمر به في أنه يجب على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره وألا ينازع الأمر أهله كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، فأمر الإمامة والولاية عظيم، وشأنه عظيم لكن معه في منهج الوسطية النصح والبيان والتعاون مع ولاة الأمر على البر والتقوى، كذلك منهج الوسطية والاعتدال عدل ووسط في الفقه والأحكام.
أولاً : مراعاة الاجتهاد، فالاجتهاد ماض لم يغلق وباب الاجتهاد منهم من فتحه على مصراعيه حتى دخله من ليس بأهل له ومن لم يعِ النصوص ولا القواعد ولا الأصول، ففتحوا على مصراعيه، ونسمع اليوم من يجتهد في المسائل الشرعية والنوازل العظيمة مما لو كانت في عهد عمر رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر، واليوم تنزل المسائل العظيمة بالأمة فيفتي بها الواحد ويفتي بها الاثنان من عامة طلبة العلم ممن ليسوا مؤهلين لذلك في رسوخ العلم مما يجتنبه الجمهرة من العلماء إلا أن يجتمعوا جميعاً لينظروا في هذه النازلة، فالاجتهاد مفتوح بابه لكن هذا الفتح وسط بين فئتين بين من يرى غلق باب الاجتهاد أصلاً والبقاء على نصوص السابقين من أهل العلم وبين من يرى باب الاجتهاد مفتوحاً لكل أحد حتى ولو لم يكن أهلاً لذلك، الاعتدال في الفقه والأحكام والوسطية في ذلك تدعونا للوسطية بين جهتين بين لزوم المذهبية ونزع المذاهب، فهناك من يطلب نزع المذاهب الفقهية وأن المذاهب ليست بحق على إطلاقها وإنما كانت لفترة مضت والواجب الرجوع إلى كتب الحديث والسنة ونبذ كتب المذاهب مهما كانت، وبين فرقة أخرى وفئة أخرى ترى البقاء على نصوص المذاهب وأنهم أدرى بذلك وأن نصوصهم وكلام علماء المذاهب يصلح لما بقي من الزمان، والحق وسط بين الفئتين لأن كلام علماء المذاهب مطلوب فهمه لأنهم الذين فهموا الشريعة وصوروها لكن لكل زمن أحكام ولكل زمن فهم، والشريعة منوطة بالمقاصد، ومنوطة بتحقيق المصالح ودرء المفاسد، فالبقاء على نصوص علماء سابقين ليسوا معنا في هذا الوقت وليسوا متطرقين إلى ما نعيشه وما عندنا من علل ومقاصد يجب مراعاتها، ومصالح يجب مراعاتها، ومفاسد يجب درؤها هذا ليس من باب الاعتدال، فالاعتدال الأخذ بأقوالهم وفهم مراداتهم وأخذ أحكامهم ومعرفة مآخذهم ولكن يجب النظر في النصوص لأن النصوص واسعة تسع الأزمنة، والأخذ بكلام العلماء مطلوب في فهم تلك النصوص، فالإسلام وسط في المذهبية ما بين معطلة المذاهب، وما بين الغلاة في المذهبية، كذلك الوسطية والاعتدال سمة لهذا الدين، وسمة لأهل السنة والجماعة فيما بين التشديد المفرط والتيسير غير المنضبط.. النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتيسير وحض عليه، وكان إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، وهذا فيه نفي للتشديد الذي هو إيقاع في الحرج، فالذين يأخذون بالتشديد وأن الحق في الشدة وأن الحق في التغليظ ليس هذا بحق بل هو نوع من الغلو في الأحكام يجب نبذه، وإنما الحق في أن نأخذ بالتشديد في مكانه الذي دل عليه النص وحينئذ لا يسمى تشديداً ونأخذ بالتيسير حيث دل النص على ذلك أو حيث خيرنا بين أمرين لم يرد دليل في أحدهما نصاً فإننا نختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، وهذا يهم جداً في البحوث وفي المقالات وفي المحاضرات وفيما نوجه فيه الشباب نجتهد في أن نبتعد عن التشديد الذي يضر وعن الأخذ بالغلظة وعن الأخذ بالشدة التي تجعل الناس الذين يوجهون، ويحاضر عليهم، ويرشدون يأخذون بالمآخذ الأشد الذي يجعل في النفوس حرجاً حتى من التعايش مع الناس، والواجب أن يكون هناك أخذ بالوسط والاعتدال في ذلك كله لأن الشريعة جاءت بنفي الحرج وإن المنبت لا أرضاً قطع ولاظهراً أبقى، كذلك الشريعة في أحكامها وفقهها ومقاصدها وسط في المصالح والمفاسد غلا أناس في المصالح حتى قدموا المصلحة المتوهمة على النص وحتى قال بعضهم حينما وجدت المصلحة فثم شرع الله، وغلا آخرون حيث رأوا إلغاء المصالح مطلقاً والنظر في النصوص وأن النصوص فقط هي المصلحة والأخذ بظاهر النصوص والشريعة شريعة معللة شريعة مبنية على مصالح وعلى درء المفاسد، شريعة مبنية على تحقيق المقاصد ومن فاته العلم بقواعد المصالح ودرء المفاسد وفاته العلم بقواعد الشريعة ومقاصد الشريعة فإنه يفوته تحقيق هذه الشريعة المباركة، فهذه الشريعة المباركة شريعة الإسلام شريعة مبنية على علل، مبنية على مقاصد، مبنية على رعاية المصالح، مبنية في الفقه على معرفة الفرق والجمع بين الأحكام فمن فاته معرفة المقاصد والمصالح والمفاسد وفاته معرفة العلل المتوخاة من الأحكام وفاته معرفة الجمع والفرق في الأحكام المنصوص عليها أو التي اجتهد فيها العلماء فإنه لا مجال له في الاجتهاد ولا مجال له في الحكم ولا مجال له في رؤية أحوال الناس، بهذا يجب علينا أن نرعى الوسط ما بين الذين ينفون المصالح مطلقاً وما بين الذين يغلون فيها فشريعتنا معللة نأخذ بالمصالح ومقاصد الشريعة ولهذا نرى كلام أهل العلم الراسخين فيه من مثل الإمام أحمد وقبله الشافعي والإمام مالك وأبو حنيفة وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في مسائل كثيرة يرون فيها المصالح المنوطة بالنص حتى تكلموا في مسائل ربما خالفت ما عليه الفتوى اليوم لرعايتهم للمصالح المتوخاة من الشريعة، فرعاية المقاصد والمصالح مطلب شرعي ضروري لتأصيل منهج الوسطية والاعتدال في الأمور.
المنهج الواضح المعتدل
من أنواع التطبيقات لهذا الأمر وهو الوسطية والاعتدال وهذا المنهج القويم، الوسطية والاعتدال في الحكم على الأشياء، الأشياء تتجدد والقضايا تتنوع وكل يوم لنا جديد ولاشك أن الزمن له حركة والمدنية ولادة، والحضارة متوقدة ولن تقف عند حكم فقيه، ولن تقف عند حكم داعية أو عند تنظير منظر، الزمن يتحرك والزمن ولاد والمدنية تتولد وتنمو كما هو مشاهد ومنظور في الزمن الحاضر، والحضارة والأزمنة الماضية ولابد حينئذ من أن يكون هناك منهج واضح معتدل في الحكم على الأشياء، في الحكم على الأوضاع، في الحكم على الأشخاص، في الحكم على الأفكار وما يطرح، في الحكم على النوايا والمقاصد، في الحكم على المجتمعات، في الحكم على الدول، في الحكم على العلماء، في الحكم على الدعاة، في الحكم على الناس، وهذا المنهج الوسط يجب أن يؤصل في أطروحات وفي رسائل حتى لا يكون الناس الذين يرومون الإصلاح، ويرومون الدعوة ويرومون الإرشاد حتى لا يكون طلبة العلم في غيبة عن المنهج المعتدل في ذلك، من قواعد أهل العلم الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والله - جل وعلا - يقول لنا {وّلا تّقًفٍ مّا لّيًسّ لّكّ بٌهٌ عٌلًمِ}، فمن أراد أن يحكم على شيء دون علم كامل بهذا الشيء أو يحكم على وضع أو يحكم على شخص أو يحكم على أفكار وأطروحات أو يحكم على نوايا ومقاصد دون معرفة شرعية بذلك فإنه حينئذ يقف ما ليس له به علم، والواجب علينا أن نضع هذه الآية نصب أعيننا وأن نضع قول الله - جلا وعلا - في النهي عن القول بلا علم حيث جعله قريناً للشرك بقوله: {وّأّّن تّقٍولٍوا عّلّى اللهٌ مّا لا تّعًلّمٍونّ}، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القول بلا علم وأن من يفتي بغير علم فإنما يَتَقحم النار حينئذ فكيف نحكم على الأوضاع، الناس كما ترون يحكمون على كل شيء فهل يليق بأهل الفكر والعلم وأهل المنهج الفكري والمنهج المستقيم في النظر والتأمل أن يكونوا مستعجلين؟ وأن يكونوا من غير ذوي الأناة في الحكم على الأشياء؟ أنتم نخبة سواء من الطلاب من ذوي المستويات العالية أو من غيرهم، أنتم النخبة فكيف يسوغ أن يكون لكل شيء منهج إلا التفكير والحكم على الأشياء بلا منهج هل يسوغ أن يترك الناس لكل أحد طريقاً في الحكم على الأشياء حينئذ ستنتج أشياء وأشياء وأشياء من مثل ما رأينا وسينتج هناك أفكار وآراء وأحكام على الأوضاع والأشخاص والمجتمعات والدول وحتى حكم على النوايا وأهل العلم بما ترون وبما لا ترون في المستقبل، هل يسوغ أن يكون هناك غياب لمنهج التفكير في الحكم على الأشياء إننا نطالب بمنهج نفكر فيه ونفكر به بمنهج يكون قاعدة للتفكير كيف يفكر، كيف تبنى النتائج على مقدماتها، هل يسوغ أن يكون هناك حكم على النتائج الحكم على الأشياء وحصول نتائج في الحكم أو في العمل بدون مقدمات للتفكير سليمة، كيف نصحح الأفكار، كيف نصحح منهجاً، الحكم على الأشياء هذا من أهم المهمات، الحكم على الشيء فرع عن تصوره، من القواعد أنه ليس لكل أحد أن يقتحم الحكم على كل مطلب، هناك أشياء عظيمة يجب أن تترك للناس الكبار للناس الذين ينظرون للأمور بمنظار شامل، أنت لا تعرف كل شيء في الأمور، هل يسوغ لطالب علم أو متزن أو حتى من المثقفين وعامة الناس أن ينصب نفسه حكماً على أوضاع، حكماً على دولة، حكماً على علماء، حكماً على أفكار دون حصر ودون نظر ودون تطبيق للقواعد الشرعية، من الناس من يرون أن يكون ديدنه في الحكم الأخذ ببعض الأشياء فيرى نصاً واحداً لديه كافياً في الحكم الكلي على ذلك ولو كان الأمر كذلك لما كان الفقهاء قليلين، كيف تميز فقهاء الإسلام؟ لأنهم نظروا في النصوص جميعاً ثم نظروا في النصوص ونظروا في عللها ونظروا في المقاصد ونظروا في المصالح وفي المفاسد، فالحكم الشرعي لا يناط بشيء واحد ينظر فيه المرء فلابد من الاعتدال في الحكم على الأشياء ما بين طرف يغلو فيحكم بمجرد خاطر وقع له وما بين آخر يترك الأمر وكأنه لا يعنيه.
الحكم على الأشياء !
نحتاج إلى وسط ما بين الغلاة الذين يحكمون دائماً بالأسوأ من الأحكام على الأشياء وعلى الأشخاص ويحكمون بالظن ويسيئون النظر ويسيئون الظن ويحكمون على كلمة قالها شخص أو أمر تبنته جهة على الحكم على الجهة بكلها، واجب أن يكون المرء متوسطاً موازناً بين الإيجابيات والسلبيات، موازناً بين المصالح والمفاسد، موازناً في الحكم على الأشياء ما بين الغالي فيها والجافي عنها، فالذي يروم الحكم بدون توسط فإنه يذهب إلى الخروج عن اعتدال الشريعة وعن الاعتدال في الأمور، الشخص المسلم الأصل فيه السلامة، الأصل في المسلم السلامة، الأصل في المسلم ولو كان عنده ما لاينبغي من الأعمال والأقوال لكن الأصل فيه السلامة وليس الأصل فيه الشك وليس الأصل فيه أنه يقول سوءاً أو يذهب إلى سوء، الأصل في الأفكار التي يطرحها المسلم أن يكون ديدنه فيها حب الخير فليس ديدنه فيها حب الشر أو حب المخالفة أو الوقيعة أو الإفساد ولكن ديدنه في ذلك الخير من حيث الأفكار إلا إن ثبت خلاف ذلك من قول صريح أو عمل صريح فإنه حينئذ يكون خلاف ذلك، النوايا والمقاصد يجب اعتبار الظاهر فيها وأن لا نحكم على نوايا ومقاصد الناس باعتبار ظاهر سلوكي أو ظاهر قولي لأن النوايا والمقاصد علمها عند الله -جل وعلا- ويجب علينا الحذر من أن نظن سوءاً بالناس والله - جل وعلا - يقول: {\جًتّنٌبٍوا كّثٌيرْا مٌَنّ پظَّنٌَ إنَّ بّعًضّ پظَّنٌَ إثًمِ} وقال عليه الصلاة والسلام فيما جاء في الحديث لما جاءت الشهادة قال:(هل رأيت الشمس) قال نعم، قال (على مثلها فاشهد أو فدع)، الوسطية في التفكير مطلوبة، تفكير الشباب اليوم بل تفكير الناس بل حتى تفكير بعض الخاصة نراه متفرقاً متشعباً بين عقل جامد أو عاطفة جامحة العقل والإدراك والعقل والاتزان مطلوب لكن مع عدم إلغاء العاطفة، والعاطفة مطلوبة العاطفة الجياشة مطلوبة، التعاطف مطلوب، الحماس للدين مطلوب لكن مع عدم غياب العقل السليم ورعاية النص فمن جعل عاطفته حكماً عليه في كل تصرفاته دون رجوع إلى علم ودون رجوع إلى أهل العلم الراسخين فيه ودون رجوع إلى توجيهات من ولي الأمر أو على قواعد شرعية مبنية فإنه حينئذٍ يروم عاطفة كما رامها الخوارج، أو كما رامها المعتزلة، أو كما رامها أهل الأهواء، فأهل الأهواء ما الذي أوقعهم في أهوائهم إلا العاطفة التي لم تنضبط بنص، ولم تنضبط بمنهج، خالف الخوارج الصحابة فقتلوا خير الناس في زمنهم وهو علي رضي الله عنه، من قتل علياً، قتله أعداء الإسلام، إنما قتله رجل يقوم الليل، ويصوم النهار، وهو عبدالرحمن بن ملجم الخارجي، عبدالرحمن بن ملجم أرسله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى مصر لما طلب عمرو بن العاص قارئاً للقرآن يقرئ الناس القرآن، قال أهل مصر يحتاجون إلى قارئ يقرئ الناس القرآن، فقال عمر - رضي الله عنه في رسالة أرسلها إلى عمرو بن العاص، قال : أرسلت لك رجلاً صالحاً هو عبدالرحمن بن ملجم آثرتك به على نفسي، إذا أتاك فأكرمه واجعل له داراً يقرئ الناس فيها القرآن، جلس عبدالرحمن بن ملجم في مصر حتى ظهرت حركة الخوارج وأول ما ظهرت في اليمن ثم في مصر وأخذت في مصر فآثروا عليه، لأنه كان كثير الصلاح كثير العاطفة لكنه كان قليل العلم والفقه، وكان منعزلاً فلذلك أتاه الأمر من حيث أتاه، وقتل خير الناس علي بن أبي طالب، ولما قيد للقصاص وقيد منه وأريد للقتل قال لهم : لا تقتلوني مرة واحدة إنما اقتلوني شيئاً فشيئاً قطعوا أطرافي أمامي لأنظر كيف تقطع أطرافي في سبيل الله - جل وعلا - وامتدحه واحد من أصحابه هل كونه خارجياً معنى ذلك أن الناس نفوه لا بقيت دعوة الخوارج سرية متسلسلة في الناس حتى مدح قاتل علي عمران بن حطان في أبيات يقول فيها والعياذ بالله:
ياضرية من تقي ما أراد بها
إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً
إني لاذكره حيناً فأحسبه
أوفى البرية عند الله مياناً
|
وهذا والعياذ بالله يصل بالتدين أو التدين الغالي بالإنسان حتى يجعله يرى حسناً ما ليس بالحسن، فالعاطفة الجياشة والحماس للدين والجهاد المظنون الذي يؤول إلى مثل هذه الأفكار، وهذا الغلو هذا مرفوض من أصحابه والوسط والاعتدال يرفضه، بل يحارب أصحابه لأنهم إن بقوا فإنهم سيضلون الناس فقد حاربهم علي بن أبي طالب وحاربهم ابن عباس - رضي الله عنهما -، وحاربهم معاوية، وحاربتهم الدولة الأموية، وحاربتهم الدولة العباسية إلى وقتنا الحاضر، فكل أهل الحق يحاربون من يغلو في الدين إلى هذا الأمر، ولو كان يتدين بعاطفة جياشة، أو يقول من قول خير البرية فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حذر من ذلك.
المآلات والعقلاء
الوسطية مطلوبة في التفكير وفي الحكم على الأشياء، وفي منهج التفكير بين النظر، البدايات والمآلات، كثير من الناس ينظر إلى الأمور باعتبار الحاضر، ينظر إلى الأمور باعتبار الواقع، لكن لا ينظر إلى المآلات، والعقلاء الذين يتبعون الشرع ويدركون أحكامه ونصوصه ومقاصده فإنهم ينظرون إلى البدايات كما ينظرون إلى المآلات، وقد قال بعض أهل العلم من ما كانت بداياته محرقة كانت نهاياته مشرقة، من كان ينظر إلى البداية نظراً سليماً في النظر في أسباب حدوث الأشياء وفي بواعدها لينظر كيف يحكم عليها فإنه سيكون في نظر إلى المآلات سليماً، أما إن كان لا ينظر إلى البدايات ولا ينظر إلى الأسباب والبواعث ولا ينظر إلى بعث الشيء أو كيف حصل وإنما ينظر إلى المقصد منه فإذا كان ما سيتحقق منه سليماً فإن بدايته عنده ستكون سليمة، ولا شك وهذا غلط في التفكير لأن التفكير الصحيح أن تنظر إلى البداية وتنظر إلى المآل فمن فاته النظر في المآلات فإنه يفوته النظر السليم، وكثير من ذوي العاطفة الجياشة وذوي النظر القاصر ينظرون إلى الأمور نظراً سطحياً بدون اعتبار للمآل والنهاية، كذلك نطلب نظر الوسطية في التفريق ما بين الواقع والتنظير، كثير من الناس ينظر نظريات وخيالات وخلفيات هي في نفس الأمر قد تكون سليمة لكنها من حيث التطبيق شبه مستحيلة أو مستحيلة، فهل يسوغ أن يكون المتفقه، وأن يكون حملة الشرع، بل أن يكون الناس المحبون للخير أن يكونوا أسيري الخيالات غير قابلة للتطبيق، وأن يكونوا أسيرين لتنظيرات لا توافق الواقع، والذي يريد الإصلاح الصحيح فيجب أن يعمل من خلال الممكن من خلال الواقع لا أن يجانب الواقع فيعمل تنظيرات يكره بسببها الواقع، أو يجانب الواقع من أجل ذلك كيف تعمل؟ النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى إلى قوم أهل جاهلية، فهل أبطل جميع ما كان عليه الجاهلية؟ ليس الأمر كذلك أخذ بأحكام الجاهلية في أشياء كثيرة، وجعل من أعمال أهل الجاهلية في كثير من الأمور ميداناً لانطلاقه هذا وهو أهل جاهلية، فكيف الأمر إذا كان المسألة في بلد الإسلام، أو بين أهل الإسلام، أو بين أهل العلم في أمور مختلف فيها ما بين اجتهاد وآخر، فكيف يكون الأمر كذلك أنكم مطالبون يا حملة الشريعة، ويا دعاة الإسلام، ويا خطباء المساجد، وأئمة المساجد، بل ويا علماء الإسلام، ويا فقهاء الإسلام أن تكونوا واقعيين في الطرح فليس الأمر مقبولاً إذا كانت أطروحاتنا خيالية، أو كانت أطروحاتنا بعيدة عن قبول التطبيق، لا يمكنك أن تطبق على الناس ما لم يكن مقبولاً لدى الناس، ما لم يكن مقبولاً في مصالحهم، ويجب أن نرعى أحوال الناس وما يختلفون فيه، فالخيالات والتنظيرات ليست بمقبولة، كذلك في ميدان الدعوة إذا كنا نريد من الناس في ميدان الدعوة أن يكونوا خياليين في ميدان الدعوة يأتون إلى الناس بكلماتهم، وتنظيراتهم، وتحميس الناس إلى ما ليس بميدان في التحميس، ويكونون خياليين كمن يدعو إلى الجهاد ولا ميدان صحيح للجهاد، لكن يدعو إلى الإنكار باليد ولا ميدان للإنكار باليد إلا من جهة الاختصاص فيحمل ذلك الناس على الحماس، وحينئذ يفرغون حماسهم في طرق غير شرعية قد يكون من نتائجها ما حصل قبل أسبوعين، وما قد يحصل مستقبلاً، فيجب عليك أن ترعى كلمتك في أن لا تكون خيالياً فيما تطرح، وألا تتكلم بكلام ينزله الناس على واقع ليس في ذهنك، بعض المعلمين أو بعض الدعاة والخطباء يقول كلاماً هو في نفسه صحيح، ويكون عند الخطيب أو عند الداعية، أو عند المعلم، أو عند أستاذ الجامعة يكون عنده ضوابط تحجزه عن أن يزيد في تطبيق ما ذكر عن الحد المأذون به شرعاً، ولكن هو لا يأمن من يخاطب، ومن يحدث أن نريد في تطبيق ما ذكر الحد المأذون به شرعاً والحق قول الله تعالى : {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا لا تّقٍولٍوا رّاعٌنّا وّقٍولٍوا انظٍرًنّا وّاسًمّعٍوا وّلٌلًكّافٌرٌينّ عّذّابِ أّلٌيمِ} ، نهى الله - جل وعلا - أهل الإيمان عن أن يقولوا (راعنا) لماذا؟ لأن كلمة (راعنا) تحتمل أن تفهم كما يقوله اليهود (راعناً) من الرعونة والغلظة والشدة يريد بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لا لبس فيها ولا غموض.
عدم الفهم الحسن
كذلك الذين يتحدثون للناس عبر الخطبة، عبر المسجد، عبر حلقات الجامعة، عبر المحاضرات التي تكون في الجامعات، أو عبر الدروس التي تكون في المدارس، ويقول كلمته ليست صحيحة في نفسها، أو يمكن أن تكون تفهم على غير فهمها، أو توقع المستمع في اللبس، ثم هو لا يوضح فإنه حينئذ يكون شريكاً في البعد عن الاعتدال، ويكون شريكاً في عدم الفهم الحسن.
كذلك يجب علينا أن ننظر إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الرفق في الأمر كله ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف) وهذا الحديث في الصحيح كما هو معروف يجب الرفق في الأمر كله أي في الكلمة، تكون رفيقاً في التفكير، تكون رفيقاً في الإرشاد، تكون رفيقاً في الطرح تكون رفيقاً، فالرفق مطلوب، الله - جل وعلا - رفيق يحب الرفق في الأمر كله، فهل نريد غير محبة الله - جل وعلا -، هل نريد ما يرضى الله - جل وعلا - عنه؟ فإذا كنت غير رفيق في أمرك، في تفكيرك، في مقاصدك، في أطروحاتك، فيما تقول، وفيما تذر، في أعمالك، في الحكم على الأشياء، والحكم على التصورات، والحكم على الأشخاص، فحينئذ تكون قد فوت أعظم شيء وهو محبة الله - جل وعلا - لك، الوسطية في الدعوة مطلوبة، الدعوة تحتاج منا إلى تنظيم وإلى ترتيب، إلى تعاون على البر والتقوى، لكن هذه الدعوة حيث إنه لا يصلح فيها الفوضوية، بل يجب أن يتعاون فيها، أهل الحق، وأهل الخير يتعاونون فيها، فإنه لا يجوز أن نكون فيها مغاليين فنذهب في الدعوة إلى تنظيمات بدعية، أو تنظيمات سرية، أو إلى حزبية فالدعوة الحق بين التنظيم السري، والحزبيات المقيتة، وبين الموالاة، والمعاداة على رموز دعوة متوهمة، وما بين الفوضوية التي لا تنتج دعوة نحتاج إلى تعاون على البر والتقوى، وفق منهج أهل السنة والجماعة، ووفق التطاوع، فالطاعة لا تجوز في بلد الإسلام إلا لولي الأمر، الطاعة المتوهمة لجماعة، أو الدعوة، أو لحزب، أو نحو ذلك هذه ليست شرعية، النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أرسل علياً وصاحبه إلى اليمن مع أن أحدهما كان أميراً للسفر فحينما أتى أمر الدعوة قال لهما تطاوعا، ولا تختلفا، ويسرا، ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا فليس ثَمَّ مجال لطاعة مطلقة وفق تنظيم سري، أو وفق حزبية مغلقة، بل التنظيم يكون وفق تنظيم ولي الأمر والطاعة تكون وفق طاعة الله - جل وعلا -، وطاعة رسوله ثم طاعة ولي الأمر فيما ليس فيه معصية إذا كان الأمر كذلك، فنحتاج إلى تعاون في الدعوة على البر والتقوى، وإلى تكاتف، وإلى أن نكون في الإطار الذي أذن به ولي الأمر، والإطار الذي ينتج مفاسد، أما الإطارات الأخرى التي يتكلم فيها الناس، أو قد تكون موجودة في بعض البلدان ونخشى أن تكون موجودة عندنا، أو تنتقل إلينا من تنظيمات سرية، أو حزبيات مبتدعة فإن هذا مخالف للمنهج الوسطي ولطريقة أهل السنة والجماعة فما كَوَّنَ إمام من الأئمة، أئمة الإسلام مع ما حصل في زمنهم ما كَوَّنُوا جماعة خلاف ما أقره ولي الأمر، ولم يُكَوِّنُوا تنظيماً وإنما كانوا وفق المنهج الوسط الذي يرعى الممكن، ويرعى الدعوة وفق التعاون على البر والتقوى، نحتاج أيضاً إلى وسطية في الدعوة في مسألة حل مشكلات الأمة، الدعاة، أو طلبة العلم، أو المنتسبين، أو أهل الغيرة يظنون أن مشكلات الأمة ستحل بغيرته لو كانت كذلك لم يكن ثم أغير من نوح - عليه السلام - على توحيد الله، وعلى إخلاص الدين لله - جل وعلا - فهل كانت غيرة نوح - عليه السلام - التي لم يكن ثم أعلى منها في زمانه هل كانت كافية في أن يزول الشرك، أو أن تزول الوثنية التي كانت في زمنه؟ لم يكن الأمر كذلك. هل كانت كافية لتنزل نصر الله - جل وعلا - عليه إذ ذاك؟ لم يكن الأمر كذلك بل مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً،{وّلّقّدً أّرًسّلًنّا نٍوحْا إلّى" قّوًمٌهٌ فّلّبٌثّ فٌيهٌمً أّلًفّ سّنّةُ إلاَّ خّمًسٌينّ عّامْا فّأّخّذّهٍمٍ الطٍَوفّانٍ وّهٍمً ظّالٌمٍونّ} أفهذا الصبر الطويل صبر (950) سنة مع وجود الغيرة العظيمة، والعاطفة الجياشة منهج يجب أن يكون عليه من ينظر اليوم إلى مشكلات الأمة وما هي فيه في كثير من الأصقاع من جهل بدين الله من بعد عن توحيد الله -جل وعلا- الخالص من وجود لشركيات مختلفة من وجود لبدع مختلفة، من وجود لمنكرات مختلفة. هل حلها يكون بغيرة متوهمة، هل حلها يكون بالإنكار باليد، هل حلها يكون بالسعي فيما لا يرضي الله -جل وعلا- من وجود مثل هذه الجرائم والتفجيرات التي حصلت؟ كيف تحل مشكلات الأمة بجهد أبناء الأمة؟ لابد أن نكون في ذلك وسطاً بين الذين كان الأمر لا يعنيهم، ولا يسعون في حل مشكلات الأمة، وبين الذين يغالون فيذهبون إلى طريق الخوارج، أو طرق بدعية ظالمة بما فيها من سلوكيات وسبل منحرفة، الأمر وسط في أن نعمل جهدنا وفق المنهج الشرعي، في أن نعمل متكاتفين، متعاونين، وأن نحصر مشكلات الأمة وأن نسعى فيها، وأن نبذل بالدعوة والخير والإصلاح والمناصحة وفق المتاح، ووفق الشرع المطهر، ووفق المأذون به. فمن حل مشكلات الأمة بخيالات، وتنظيرات فإنه سيكون أسير هذه الخيالات، والمشكلات دون حل لها، كذلك نكون وسطاً في النوازل التي تقع في الأمة بين تأزيم النوازل وبين الإسهام في حلها، الأمة مستهدفة ولا شك أمة الإسلام بعامة وبلدكم هذا بخاصة مستهدف بلاشك فكيف تكونون تجاه ذلك؟ يجب أولاً على مستوى هذا البلد المبارك الذي هو معقل الإسلام، ومأرز الإيمان، والمكان الذي انطلقت منه الرسالة الخالدة، وانطلقت منه دعوة التصحيح والتجديد، والذي تنطلق منه اليوم بشائر الخير بما ترعاه الدولة، وترعاه مؤسسات هذا البلد من وزارات، وهيئات، وجامعات، ومؤسسات خيرية وما يرعاه علماء ودعاة، ويرعاه الناصحون، الجميع يجب أن يتكاتف في رد الأزمات، وعلاج الأزمات، لا أن نكون مؤثرين في الناس في أن نزيد من الأزمة، جاءت أزمات وكثير من الناس زاد من الأزمة بفعله أو بهيجانه أو بتحميسه أو بكونه كأن الأزمة لا تعنيه وأن لا يؤثر فيها. الواجب علينا أن نكون مؤثرين بالمنهج الوسطي، وأن نعمل في التأثير وفق المتاح وألا نكون متفاعلين مع الأمور بطريق غلط أن نكون محمسين بطريقة خاطئة، أن نكون مغالين في الأمور، فالمطلوب منا أن نحافظ أولاً على توحيد الله - جل وعلا -، وأن نكون محافظين على وحدة الكلمة، على طاعة الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ ، ثم ثالثاً على وحدة الكلمة، واجتماع الصف. مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ أهل الجاهلية وألف فيها الإمام المصلح المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - كتابه:(مسائل الجاهلية) قدم لها بثلاث مسائل، هي أعظم المسائل التي خالف فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أهل الجاهلية، الأمر الأول التوحيد فكان أهل الجاهلية أهل شرك فدعاهم إلى التوحيد، الثاني طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أهل الجاهلية ما يقيمون طاعة لمقدم فيهم فخالفهم بطاعة الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ ، الثالث طاعة ولي الأمر كان أهل الجاهلية يرون الفوضى لم يكن في مكة أمير عليها، ولم يكن هناك في البلد أمير عليها فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم - إلى طاعة ولي الأمر قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله- بعد سرد هذه المسائل «فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فمعظم هذه المسائل الثلاث وأبدى فيها وأعاد» وهذا هو الذي يجب علينا أن نبدي فيها ونعيد فالذين يؤزمون النوازل بإعطاء الشكوك، والأوهام، وطرح الشك، وطرح سوء الظن، و يذهبون بعيداً عن الدعوة إلى وحدة الكلمة، واجتماع الصف، فإن هؤلاء يسعون إلى ما فيه خلاف الصالح شرعاً، وإلى الغلو فيما يطرحون، فالواجب حينئذ في المسائل والنوازل أن نسعى في عدم تأزيم النوازل، وأن نسعى في حلها فالنوازل إذا وقعت تحل بالشرع، تحل بالعقل والحكمة والأناة.
السياسة صعبة
فهذه المسائل تحتاج إلى بحوث، وحبذا أن تكون هناك بحوث في هذه الأمور التي سأذكرها باختصار لأنها مهمة في توجيه الناس، وتوجيه الشباب بل توجيه الأمة، الاعتدال في السياسة بين المبالغة في النظر إلى السياسة وما بين الترك، كثير من الناس ينظر أنه بسماعه لقناة فضائية، أو لقراءته لتقرير صحفي أنه مؤهل للنظر في السياسة، السياسة صعبة حتى عند الذين عندهم مؤسسات كبيرة تدعمهم بالمعلومات ولديهم أجهزة تحري فليست السياسة بالأمر السهل التي يحكم فيها أفراد الناس لأن هذا أمر حكمه كذا وأن هذه قضية يجب أن ننظر فيها كذا، والواجب حينئذ أن نكون متوسطين في السياسة الفهم في الأمور السياسية مطلوب لكن يجب أن تثق في حل الأمور السياسية، أن تثق بولي الأمر، أن تثق بمن أعطي في ذلك لأنه عنده من الأجهزة والنظر والإدراك لمصالح الأمة ما ليس عند الأفراد فمن كان عنده نظر في تقرير صحفي أو في رؤية قناة فضائية وحينئذ يجعل نفسه قائماً بأمر الأمور السياسية وكأنه الذي عنده الغيرة على الأمة وغيره ليس عنده غيرة على الأمة فإنه قد بالغ وترك الاعتدال، الاعتدال في السياسة بين الفهم والقناعة، ليس كل الأمور يمكن أن تفهم لكن يجب أن تحاول الفهم،
|