إننا نمر بمرحلة هي من الخطورة بمكان مما يتطلب منا أن نكون حذرين ودقيقين ونحن نتلمس معطياتها ومخرجاتها ونطرح ما نعتقد أنه معالج فيها أو مفعل لأحداثها وأقول هذا الكلام وكلي ألم لما وصل إليه الحال ببعضنا من تفكير جعله لا يفرق بين الحق والباطل وأخشى أن نكون في زمان يمسي فيه الرجل مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً أعاذنا الله وإياكم من مضلات الفتن وقواصم المحن، ومبرر الحديث هو ما أطالعه بين الفينة والأخرى مما يكتب هنا وهناك ومما أعتقد أن مسير حبر القلم حرقة في القلب على الوطن والمواطن والمجتمع والأمة أن يؤول أمرها إلى أن يقتل بعضها بعضا ولكن لي وقفات أرى أن نقف عندها ونحن نتصدى للمعالجة ومنها:
1 - يجب أن نعلم جميعاً أن كل جسد معرض للمرض والاعتلال ولكل مرض دواء كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم علمه من علمه وجهله من جهله وأن دقة المعالجة من دقة التشخيص وأعظم من وقوع المرض أحياناً التعامي عن معالجته أو الإساءة في تشخيصه.
2 - إن من المعالجة الواعية ما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين أيده الله من واجب قيام علماء الأمة بدورهم في هذا الشأن إذ لا يترك المجال لغيرهم في التشخيص والمعالجة بل لابد أن تبذل منهم الجهود لبيان الحق وتبسيط المعلومات وكشف الشبهات ورد الادعاءات وإنني أدعو إلى تشكيل هيئات علمية تعنى بهذا الشأن في مواقع التأثير العلمي والفكري مثل وزارة الشؤون الإسلامية ولديها مركز البحوث والدراسات الإسلامية وكذلك رابطة العالم الإسلامي وكذا الجامعات ومراكز البحث العلمي فيها والهيئات الخيرية.
3 - إن النقولات من الإنترنت لا ينبغي أن تبنى عليها أحكام ما لم يكن النقل موثقا بما لا يدع مجالا للشك في نسبته إلى من ينسب إليه، ومما هو معلوم أن هناك جماعات بل دولاً هي عدوة للإسلام والمسلمين تتخذ لنفسها مواقع بمسميات إسلامية وتطرح رؤى فكرية تنسبها للإسلام وهي منه براء لكنها من باب دس السم في العسل ومن باب الإمعان في الفرقة بين المسلمين تعمد إلى ذلك فكان علينا الحذر.
4 - إن تجريم المجتمع لمن تواجد في مواقع الأحداث سواء في أفغانستان أو غيرها لمجرد وجوده في موقع الحدث دون وجود دلائل على أنه منحرف فكرياً أو مجرم سلوكياً خطر ينبغي عدم الانسياق نحوه سواء من الحكومات أو الهيئات وليس كل من شارك في الجهاد في الخارج هو ناقل للجهاد في الداخل كما زعم بعض الكتَّاب خطأ وقد أحسنت الدولة صنعاً بما تبذله مشكورة من جهد لم نر له مثيلاً من دول أخرى في سبيل إطلاق سراح المحتجزين في كوبا ممن كانوا في افغانستان وفيما تقوم به من جهد مشكور في معالجة أوضاع العائدين من هناك.
5 - وفي المقابل فإن على من تواجد في مواقع الأحداث ومنطلق الفتن درء الشبهة عن نفسه ولقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهج إعلان البراءة مما فيه شبهة في موقع الاشتباه حينما خرج ليلاً مع زوجته صفية فلقيه اثنان من الصحابة فتراجعا فقال صلى الله عليه وسلم على رسلكما فإنها صفية فبينا له أنه ليس محل للريبة صلى الله عليه وسلم فبين لهما أن الحال يقتضي ذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما صح عنه ذلك صلى الله عليه وسلم فلا ضرر لمن كان موجوداً في موقع الحدث ساعة حدوثه من أن يعلن موقفه صراحة مما حصل من إجرام هناك وأنه بريء من تصرف من ورائها ولا ينبغي أن تأخذه في الله لومة لائم.
6 - إن مقولة أن هناك أكثر من تسعة عشر بيننا يحملون فكر التكفير وتهويل شأن هذه المجموعة في المجتمع مقولة تحتاج من قائلها ومتلقيها إلى ترو في الطرح وواقعية في الحكم ولا ينبغي أن نستند في مثل هذه المرحلة في طرحنا إلى أوهام أو مخاوف خاصة إذا كان مصدر معلوماتها غير موثق كالمواقع العنكبوتية وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت.
7 - إنه لاينبغي أن نرمي التهم جزافاً ونجعل الوهم وكأنه حقيقة ونساير التوجس والتخوف والظنون فنقلب الأمور لنخطئ التشخيص ومن ثم المعالجة.
8 - إنه لا مساومة في ولائنا في الله لولاة الأمر فينا ولا علينا ما كرهه الأعداء من ذلك فالمسألة ديانة لله جاء في الحديث المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني» وروى الإمام مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم من شر ما يعلمه لهم وان امتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء فتن يرقق بعضها بعضا وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ان استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».
9 - ان عصب جسد الأمة وركاز مستقبلها هم الشباب واهتمامنا بقضاياهم ينبغي أن ينطلق من منطلق البناء الشامل لمكوناته وايجاد مقومات سلامته من جميع الجوانب، إذ ان المعالجة الجزئية لا تحقق المطلوب كما اشار إلى ذلك صاحب السمو الملكي وزير الداخلية وفقه الله في المؤتمر الصحفي الأخير فحري بنا العناية بشؤونهم العناية الفائقة دون المساس بالثوابت التي نرتكز عليها جميعا معهم في مواجهة التحديات واستقرار المصير.
10 - ولي كلمة أخص بها الشباب وأختم بها فإنه وان كان البعض قد راهن عليكم بأن تنساقوا وراء سرابه فإنا متيقنون بأن ظنه سيخيب بعون الله وانكم ستكونون كما أراد الله قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين آمرين بالمعروف بمعروف وناهين عن المنكر بلا منكر داعين إلى الهدى بهدى من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم موجهين الناس إلى النور بنور من الله وبرهان بادئين بأنفسكم والأقربين قريبين من كل بر وخير بعيدين من كل شبهة وشهوة فالله الله أن تؤتى الأمة من قبلكم.
وأسأل الله العظيم أن ييسر لنا سلوك طريق الحق فاللهم لك أسلمنا وبك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا وبك خاصمنا اللهم إنا نعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلنا أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون.
|