الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله اتفقت القلوب مع العقول على إمامته في العلم ومنهجيته في الفتوى مما اكسبه مكانة كبيرة على مستوى جميع الاصعدة، هو معروف بنزاهته وحرصه على الدليل في كل فتوى تصدر عنه.
وقد نقل صاحب كتاب المعلوم من واجل العلاقة بين الحاكم والمحكوم جملة من الفتاوى في ما نحن بصدده، وفيها من العلم والتأصيل الشرعي والمنهجية الكثير والكثير مما يجعله لا تحتاج الى تعليق او توضيح، فالى ذلك:
* سماحة الشيخ هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد، والاحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم؟
- بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسول الله وعلى آله واصحابه ومن اهتدى بهداه. اما بعد:
فقد قال الله - عز وجل -:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59)
فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الامر وهم الامراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - تبين أن هذه الطاعة لازمة وهي فريضة في المعروف.
والنصوص من السنة تبين المعنى، وتفيد الآية بأن المراد طاعتهم بالمعروف، فيجب على المسلمين طاعة ولاة الامور في المعروف لا في المعاصي، فاذا امروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها لقوله صلى الله عليه وسلم:« ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة»، و«من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية»، وقال - صلى الله عليه وسلم -:« على المرء السمع والطاعة فيما احب وكره، الا ان يؤمر بمعصية، فان امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».
وسأله الصحابي - لما ذكر انه يكون امراء تعروفون منهم وتنكرون - قالوا:« فما تأمرنا؟»، قال «أدوا اليهم حقهم وسلوا الله حقكم».
قال عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - «بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا واثرة علينا وان لا ننازع الامر اهله»، وقال:« الا ان تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان».
فهذا يدل على انهم لا يجوز لهم منازعة ولاة الامور ولا الخروج عليهم الا ان يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، وما ذاك الا لان الخروج على ولاة الامور يسبب فساداً كبيراًً وشراً عظيماً فيختل به الامن، وتضيع الحقوق ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الامور فساد عظيم وشر كثير، الا اذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس ان يخرجوا على هذا السلطان لازالته اذا كان عندهم قدرة، اما اذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، او كان الخروج يسبب شراً اكثر فليس لهم الخروج رعاية للمصالح العامة، والقاعدة الشرعية المجمع عليها «انه لا يجوز ازالة الشر بما هو اشر منه بل يجب درء الشر بما يزيله او يخففه» واما درء الشر بشر اكثر فلا يجوز باجماع المسلمين فاذا كانت هذه الطائفة التي تريد ازالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً وعندهم قدرة تزيله بها وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون ان يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشر اعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، اما اذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير واختلال الامن وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال الى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ومناصحة ولاة الامور والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير، هذا هو الطريق السوي الذي يجب ان يسلك، لان في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولان في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولان في ذلك حفظ الامن وسلامة المسلمين من شر اكثر، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
* يظن البعض من الشباب أن مجافاة الكفارة ممن هم مستوطنون في البلاد الإسلامية او من الوافدين من الشرع، ولذلك البعض يستحل قتلهم وسلبهم اذا رأوا منهم ما ينكرون؟
- لا يجوز قتل الكافر المستأمن الذي ادخلته الدولة آمناً ولا قتل العصاة ولا التعدي عليهم بل يحالون للحكم الشرعي. هذه مسائل يحكم بها بالحكم الشرعي.
* وإذا لم توجد محاكم شرعية؟
* ولان انكاره باليد بالقتل او الضرب يترتب عليه شر اكثر وفساد اعظم بلا شك ولا ريب لكل من سبر هذه الامور وعرفها.
* هل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالذات التغيير باليد حق للجميع ام انه حق مشروط لولي الامر او من يعيِّنه ولي الامر؟
- التغيير للجميع، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول:« من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان» لكن التغيير باليد لابد ان يكون عن قدرة لا يترتب عليه فساد اكبر وشر اكثر، فليغير باليد في بيته: على اولاده على زوجته على خدمه، او موظف في الهيئة المختصة معطاة له صلاحيات، يغير بيده، والا فلا يغير شيئاً بيده ليس له فيه صلاحية، لانه اذا غير بيده يترتب ماهو اكثر شراً ويترتب بلاء كثير وشر عظيم بينه وبين الناس وبينه وبين الدولة. ولكن يغير باللسان كأن يقول:« اتق الله يا فلان هذا لا يجوز»، «هذا حرام عليك»، «هذا واجب عليك» يبين له بالادلة الشرعية باللسان، اما باليد فيكون في محل الاستطاعة في بيته، فيمن تحت يده، فيمن اذن له من جهة السلطان ان يأمر بالمعروف كالهيئات التي يأمرها السلطان ويعطيها الصلاحيات يغيرون بقدر الصلاحيات التي اعطوها على الوجه الشرعي الذي شرعه الله لا يزيدون عليه.
* هناك من يرى - حفظك الله - ان له الحق في الخروج على الانظمة العامة التي يضعها ولي الامر كالمرور والجمارك والجوازات.. الخ، باعتبار انها ليست على اساس شرعي فما قولكم - حفظكم الله -؟
- هذا باطل ومنكر، وقد تقدم انه لا يجوز الخروج ولا التغيير باليد، بل يجب السمع والطاعة في هذه الامور التي ليس فيها
|