* القاهرة مكتب الجزيرة علي البلهاسي:
العمليات الاخيرة التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية كانت من وجهة نظر كثير من المحللين رسالة واضحة ورداً نهائياً من تلك الفصائل على خارطة الطريق التي ترفضها وعلى اجندة حكومة ابو مازن الجديدة واعتبر المحللون هذه العمليات محاولة لإفشال الجهود المبذولة لإحياء عملية السلام اكثر منها ردا على الانتهاكات الاسرائيلية، وبات واضحا ان الفصائل الفلسطينية حاولت من خلال هذه العمليات استعادة موقعها على ساحة الصراع وارسال رسالة واضحة الى الاطراف المعنية بعملية السلام بضرورة عدم استبعادها من أي تحركات او مفاوضات لاقرار المصير الفلسطيني وإحياء عملية السلام مع اسرائيل.
واكدت العمليات اهمية الدعوات المتكررة لضرورة تواصل الحوار الفلسطيني- الفلسطيني الذي خاض جولات عدة في غزة والقاهرة وحقق من وجهة نظر الكثيرين نتائج طيبة تصلح كأرضية مشتركة لبناء برنامج عمل فلسطيني موحَّد لإنجاح الجهود التي تبذلها حكومة ابو مازن لتحقيق السلام وسط ظروف دولية يقال عنها انها مواتية في ظل وجود رغبة امريكية اكدت واشنطن انها جادة وحقيقية لتحقيق السلام في المنطقة.
أبو مازن نفسه ادرك اهمية هذا الحوار وأدرك ان دعوته للقضاء على عسكرة الانتفاضة ونزع سلاح المقاومة ربما ادت الى زيادة العنف والى دخوله شخصيا هو وحكومته في مواجهة مع هذه الفصائل ربما ادت في النهاية الى شق وحدة الصف الفلسطيني وفشل الحكومة الجديدة... وفي هذا الاطار وصف المحللون لقاء ابو مازن مع وفد حركة المقاومة الاسلامية حماس الخميس الماضي بأنه ايجابي ويعبِّر عن إدراك رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد لأهمية توحيد الصف الفلسطيني اولا وحتى يمكنه الحصول على تفويض بالتحدث باسم جموع الشعب الفلسطيني وادراكه ايضا لأن تحقيق هذا الهدف لا يكون ابدا بالمواجهة مع هذه الفصائل وانما بالحوار معها خاصة انها ابدت في حوار القاهرة تجاوبا مع المطالب التي وجهت اليها.
وربما كانت النتيجة الاهم لحوار ابو مازن وحماس انه شكَّل بداية من وجهة نظر المراقبين لحوار اعم وأشمل بين الحكومة الجديدة وفصائل المقاومة، وهو الحوار الذي يمكن ان يحقق بالتوازي مع حوار القاهرة بين الفصائل وبعضها البعض نتائج طيبة وملموسة في طريق تحقيق الهدنة المنشودة المطروحة بمبادرة مصرية لمدة عام لاعطاء الفرصة وافساح الطريق امام جهود السلام دون توجيه أي اتهامات للجانب الفلسطيني بالارهاب وافشال هذه الجهود.
وعلى الرغم من ان لقاء ابو مازن وحماس لم يحقق نتائج في اطار وقف العمليات الا ان اتفاق الطرفين على مواصلة اللقاءات والنقاشات يعد مؤشرا ايجابيا ويشجع قيام حوارات اخرى لحكومة ابو مازن مع الفصائل الفلسطينية الاخرى، وهو ما حدث بالفعل مع اعلان حركة الجهاد الاسلامية استعدادها للحوار مع ابو مازن وهو ما يعد مؤشرا على بداية قطع الطريق امام محاولات الفرقة بين الحكومة الجديدة وفصائل المقاومة، وربما مهدت هذه الحوارات- ان تمت بين الحكومة والفصائل - لاتفاق الفصائل في جولة الحوار القادمة في القاهرة والتي اعلن شعث انها ستبدأ قريبا على القبول بالمبادرة المصرية بوقف العمليات وتحقيق هدنة لمدة عام لافساح الطريق اما الجهود الحالية لاحياء عملية السلام.
أبو مازن والفصائل
ولعل اكبر التحديات التي يواجهها ابو مازن منذ توليه رئاسة الحكومة الفلسطينية هو موقف الفصائل الفلسطينية المختلفة منه شخصيا ومن حكومته الجديدة والمعروف ان هناك جدلاً واسعاً بين الفصائل الفلسطينية والقوى السياسية المختلفة في الشارع الفلسطيني منذ فترة حول الهدف من استحداث منصب رئيس وزراء في هذا التوقيت وحول شخصية ابو مازن ودحلان اللذين يحظيان بتأييد غربي اسرائيلي وامريكي في حين تتعارض مواقفهما الداعية لوقف الانتفاضة المسلحة مع مواقف هذه الفصائل التي ترى فيها حقا مشروعا في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي.
ورغم ان استحداث منصب رئيس الوزراء كان مطلبا داخليا دعت اليه القوى والفصائل الفلسطينية منذ قيام السلطة عام 1994 الا ان اعلان اختيار ابو مازن ليكون اول رئيس وزراء للسلطة الفلسطينية قوبل باستنكار من جانب الفصائل المختلفة حيث اعلنت حركات حماس والجهاد الاسلامي الفلسطيني والجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين رفضها لاستحداث منصب رئيس الوزراء، ورأت هذه الفصائل ان استحداث هذا المنصب جاء استجابة لمطلب امريكي اسرائيلي بهدف اعادة تركيب النظام السياسي الفلسطيني كله ليصبح نظاما اكثر طواعية واستجابة للسياسات والاملاءات الاسرائيلية وبالتالي وقفت غالبية الفصائل والقوى الاسلامية ضد استحداث منصب رئيس الوزراء لأنه لم يأت استجابة لبرنامج الاصلاح الوطني الديمقراطي الفلسطيني ولا تعبيرا عن الغالبية العظمى من القوى السياسية الفاعلة في الساحة الفلسطينية.
ويرى فريق من المحللين ان الجدل الحالي في الساحة الفلسطينية بين الفصائل المختلفة ليس حول شخصية ابو مازن لأنه الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية وعضو في اللجنة المركزية لحركة فتح ولكن الجدل حول ما يستطيع ابو مازن ان يفعله وما يجب ان يفعله وما هو مطلوب منه في الداخل والخارج.
ففي الداخل ابو مازن مطالب باصلاح الوضع الفلسطيني الداخلي، وترى القوى السياسية داخل فلسطين ان ابو مازن المفاوض يجب ان يختلف عن ابومازن المسئول عن الجهاز الاداري الحكومي وعليه ان ينتزع سلطاته وينهي الحقبة السابقه من الفساد ويكون هدفه اعادة الثقة للشارع الفلسطيني من خلال محاربة الفساد واخراج الشعب الفلسطيني من هذه الحقبة الى حقبة جديدة من الإصلاح يتم فيها تشكيل قيادة وطنية موحدة تعكس التعددية السياسية الموجودة الآن للقوى والفصائل الفلسطينية المختلفة يشارك فيها الجميع ويتحملون مسئولية هذه المشاركة في اقرار السياسة وفي متابعة تنفيذها ولعل هذا المطلب كان واضحا من جانب حركة حماس في لقائها مع ابو مازن الخميس الماضي.
اما على الصعيد الخارجي فأبوومازن مطالب من قبل الفصائل المختلفة بعدم الوقوع في الفخ الاسرائيلي ووفق رؤية الفصائل اسرائيل تريد عميلا وليس رئيس وزراء يحمل هموم الشعب الفلطسيني وهي لم ترض بعرفات لأنه متمسك بالاهداف الوطنية وابو مازن لا يستطيع الا ان يتمسك بهذه الاهداف رغم اختلاف الاساليب ولذلك فهم يتوقعون ان ما واجهه عرفات سيواجهه ابو مازن ما دامت اسرائيل تفتقد الى قيادة تريد السلام بالفعل.
التعامل مع المقاومة
ولعل محل الخلاف والمخاوف التي تنتاب الفصائل المختلفة من ابو مازن وحكومته الدعوات التي اطلقت لوقف عسكرة الانتفاضة ونزع اسلحة الفصائل، وهو ما عبَّر عنه حسام خضر احد قياديي حركة فتح في الضفه الغربية بقوله ان الضغوط الامريكية والاسرائيلية على حكومة ابو مازن تسعى لانهاء الانتفاضة بعد ان فشلت خطط اسرائيل العسكرية في تحقيق ذلك والشروط القاسية على ابو مازن مثل تفكيك المنظمات الفلسطينية ووقف كل اشكال المقاومة ثمن لا يمكن ان يقدمه ابو مازن او اي مسئول فلسطيني آخر، وفي ظل استمرار الاحتلال نتوقع ان تكون استراتيجية ابو مازن انجاز الحقوق السياسية للشعب الفلطسيني وليست الاستجابة للشروط الاسرائيلية.
ويقول المحللون ان بعض الفصائل الفلسطينية ترى ان ابو مازن يتبنى موقفاً لا يتغير يتلخص في ضرورة استمرار المفاوضات السلمية مع اسرائيل وان الانتفاضة يجب ان تكون سلمية ودعا مرارا الى نزع الطابع العسكري عن الانتفاضة وفي يناير الماضي ادلى ابو مازن بتصريح عقب لقائه مع ايجور ايفانوف وزير الخارجية الروسي اثار غضب الفصائل الفلسطينية عندما قال ان القيادة الفلسطينية أوقفت الانتفاضة العسكرية لمدة عام.
ولكن آراء أخرى تستبعد أن تكون أفكار ابو مازن تسعى في النهاية للقضاء على الانتفاضة والتساهل مع اسرائيل ومنها ما يقوله هاني المصري الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، حيث يميز بين موقف ابومازن من المقاومة المسلحة وموقفه من الانتفاضة قائلا ان ابو مازن يدعم الانتفاضة ويدعو لمواصلتها لكنه يؤيِّد وقف العمل المسلح ويؤيِّد المبادرة المصرية الداعية لعقد هدنة لمدة عام تتوقف فيها العمليات المسلحة، واستبعد المصري أن يمارس ابومازن ضغوطا على الفصائل الفلسطينية لوقف المقاومة لأن اسرائيل لم تقدم له امتيازات تشجعه على الوقوف امام المقاومة والانتفاضة.وربما كان حوار ابو مازن مع حركة حماس بداية لفتح صفحة جديدة بين الحكومة والفصائل الفلسطينية المختلفة لإزالة اسباب الفرقة التي تحاول اسرائيل تعميقها من خلال الايحاء بأن ابومازن جاء خصيصا لتنفيذ الاهداف الاسرائيلية بالقضاء على المقاومة وربما نجحت جولات اخرى من الحوار مع فصائل اخرى في تقريب وجهات النظر والمواقف بين الحكومة والفصائل خاصة ان الفصائل وافقت مبدئيا عى امكانية وقف العمليات العسكرية ضدالمدنيين بشرط وقف اسرائيل لانتهاكاتها ضد الفلسطنيين، وربما نجحت جولات الحوار الاخرى في موافقة الفصائل على القبول بالمبادرة المصرية وعقد الهدنة لمدة عام اذا نجح ابومازن في تقديم تطمينات وضمانات لهذه الفصائل تشجعها على الموافقة.
|