حلقات كتبها وصورها حمّاد بن حامد السالمي
في مستهل حلقاتنا هذه من حدود الوطن، التي نكتبها لكم من ربوع المصيف «الطائف»؛ نأخذكم الى بلاد رُبيع.. الى الجنوب من الطائف، على بعد 60 كيلاً منه.
إن بلاد رُبيع هذه؛ تأخذ اسمها كما يقول أهلها من اسم جد قبيلة رُبيع.. هذه القبيلة العتيبية حاضراً، الهوازنية ماضياً. إلا ان الناظر لهذه السفوح الخُضر، لابد وان يفكر في استنباط آخر يتعلق بالربيع، الذي هو أحد فصول السنة، والنبات الأخضر، فربيع؛ ربما يكون تصغيراً من رَبيع، وربما اسم جد القبيلة هو الأقرب الى الصحة. والله أعلم.
إليها فجراً..
سرت اليها فجراً، صحبة الأخ سعيد بن عايض الخديدي، الذي سعدت برفقته في هذه الرحلة، وبدا لي في هذا اليوم الشتائي الغائم الماطر، ان هذه البلاد التي اكتب عنها لأول مرة، إنما هي من الأمكنة غير المعروفة بما يكفي عند كثير من الناس، فالطريق السياحي بين الطائف والمراكز الجنوبية بعدها؛ يمتد ماراً بأطرافها الشمالية، والطريق الزراعي المزفت، لا يأخذ بعده الطبيعي المفترض الى قرى بلاد ربيع، والى جبالها وغاباتها، هذا في السراة، فما بالنا بالقسم التهامي منها.
لذا.. فإن قسماً كبيراً من جغرافية بلاد ربيع الجميلة المنتجة، يظل مجهولا، الى ان تكتشفها الطرق المزفتة.
أرض الضباب والمطر
قطعت من الطائف حتى بداية بلاد ربيع قبيل السحن، قرابة 50 كيلاً، وكانت المفاجأة ونحن ننعطف غرباً اليها، ان الضباب ضارب بأطنابه على القمم والتلال، وان رشات مطر باردة، تتسلل من بين سدف الضباب الى الأرض، فتغسل وجهها وتندي أوراق الشجر، حتى أسفرت الشمس عن وجهها للحظات، بدا كل شيء هنا وكأنه مرايا تصقل.. إنها لحظات التصوير التي كنت اغتنمها على قصرها وحلاوة المشهد بينها وبين غيمات جديدة تعلن وقف التصوير عملياً بزخات مطر جديدة.
البداية.. صويلح الربيعي
ما إن ولجنا الشعاب والهضاب، وودعنا الطرق المزفتة الى الطرق الوعرة، حتى كنا في ضيافة العم «صويلح بن عيضة بن عطية الربيعي 73 عاما» الذي هو من أعيان ربيع، وكان قد دعاني لاستطلاع بلاده، فرحت في صحبته، اتنقل بين قراها ووديانها وجبالها وشعابها. هنا قرى أثرية، وحصون جميلة، ومزارع كثيرة، وغابات كثيفة، وهنا كذلك روايات وقصص وأشعار وتفاصيل لا يلم بها جميعها تحقيق صحافي كهذا. لكنا نترك للكاميرا، ولما رأيت وسمعت شيئا من مساحة للكلام.
الهُدَّف.. والشُّتَيَّات
الهُدّف - بضم ثم فتح مشدد - لعله جمع من غير قياس لهدف. وهو اسم على قرية أثرية قديمة عمرها كما يقولون هنا «400 سنة»، من بقاياها دور من حجر أحمر صلد، غرفها متراصة متماسكة إلا من السقوف، ويتوسطها من أعلاها حصن حجري جميل ما زال شامخاً يطل مع القرية؛ على وادٍ باسم القرية نفسها «الهُدَّف».
أما الشُّتَيَّات؛ فإنها على اسم خامس من ربيع سكنوها ومازالوا، وهي تجمع بين دور قديمة وأخرى حديثة، وتتميز بحصن حجري ينتصب في وسطها، وقال العم صويلح بأن حجة لها تذكربأنها مشتراة منذ 260 سنة بمبلغ «80 أحمر» لعله ذهبي.
الطُّفْلاَن.. والسوداء
القرى القديمة، والحصون الحصينة، هي من أهم ما يلفت النظر في بلاد ربيع، فهذه قرية أثرية أخرى اسمها «الطُّفْلاَن»، وهي تعتلي ربوة مشرفة - على واديي الطفلان والخيف - قيل بأن عمرها 400 سنة. ولعل اسمها يعود الى الطُّفَال. وهو الطين اليابس.
أما الدار السوداء؛ فإن لها قصة طويلة، ذلك أنها كانت معروفة منذ «2000 عاما»، فهي في الجهة المقابلة لقرية الشتيات، تعتلي تبة مشرفة على مسايل ومزارع من ثلاث جهات. ذكر العم صويلح؛ ان حجه قديمة كانت عندهم تنص على «الصلاة والسلام على سيدنا إبراهيم عليه السلام» عمرها حوالي «1700 سنة».
ومن أخبار هذه القرية التي أخذت اسمها من سواد التبة التي بنيت عليها، انها كانت بمثابة حاضرة وسوق كبيرة فالى ما قبل 300 سنة؛ كان لها حراسة ليلية وأسواق تجارية ودكاكين، وكان بها حصن يحميها فتهدم، ودور كثيرة لم يتبق منها سوى جدران قليلة تساقطت حجارتها في المنحدرات نحو وادي اللصب من شرقها، ووادي الخيف من غربها.
ويذكر انه كان يقام حفل كبير في هذه القرية - ربما سنوياً - يشترك فيه «300 سدة» بيت. ويختن فيه 40 طفلا، ويزوج فيه 40 شاباً و40 فتاة..!.
ان ماضي الدار السوداء، ما زال ماثلاً في الأذهان، فهذا شاعر ربيع «ظافر بن هيازع الربيعي» يقول:
يا دار ياللي على الحدان مبناك
فيما مضى كانت الزلة تعداك
واليوم.. عقب لك الله بالسحاوية
قرى مأهولة
وحتى لا ينتهي بنا المطاف عند قرى أثرية وتاريخية فقط، فهذه مجموعة من القرى التي تنتظمها بلاد ربيع سراة وتهامة، فهي قرى مأهولة بالسكان، تحيط بها مزارع وآبار، وحولها مراعٍ خصبة للمواشي التي نراها أمامنا بكثرة الى جانب مقاري نحل كثيرة، فبلاد ربيع تشتهر بجودة أعسالها.
من هذه القرى:
- أَيَّان في تهامة، وبها مدرسة بنين ابتدائية.
2- حسين في السراة.
3- الجمالين في السراة، قرية شيخ ربيع. بها مسجد.
4- الشعيراء في السراة وبها مسجد.
5- الأَقَرّ في السراة وبها سكان من ربيع ومن اللهوب. وفيها مسجد.
6- العتمه: في السراة وبها جامع.
7- الطفلان في منتصف بلاد ربيع، بها مستوصف ومدرسة بنين ابتدائية ومتوسطة ومثلها للبنات.
8- المصلى: كانت مقراً لمصلى العيد لكافة ربيع، وبها مسجد.
9- غراب الوكف: بها مسجد.
10- العطا.
11- الهدف.
12- الشتيات.
جغرافية وسكان
* تمتد بلاد ربيع، من ريع الأغوار غرباً وهو المشرف على بقران وتهامة العيلة؛ الى وادي جدارة شرقاً. ومن بلاد الزود شمالاً؛ الى بنيوس واللهوب جنوباً.
* إن المسافة يمكن ان تقاس بهذا الشكل:
- شمالا جنوباً 35 كيلاً.
- شرقاً غرباً 40 كيلاً.
* وهناك طريق ترابي غير جيد، يشق بلاد ربيع من السراة الى وادي أيان في تهامة، ثم ينتهي الى واديي عورش والليث.
ويسكن بلاد ربيع قرابة «5000 نسمة» على حد قول العم صويلح، فربيع هم على 12 خامساً على النحو التالي:الغبشان، الجمالين، العطا، الغرباء، البرقان، الشتيات، الثرمان، الجرادحة، الهضبة، العلاقا، الفوانية، اللبابين.
بين الغار.. والضال
في اللقاء الذي جمعني بعدد من وجهاء هذه الديار، وفي مقدمتهم العم صويلح بن عيضة الربيعي، وسعيد بن عايض الخديدي، ومنصور بن مبروك النفيعي؛ أدركت ان ثقافة السياحة؛ أخذت طريقها الى القرى والبوادي بسرعة فائقة، حتى انها لم تنتظر فتح الطرق، وتذليل العقبات.
لقد كان الكلام على عناصر الجذب السياحي الجغرافية منها بوجه خاص سائداً، ذلك ان الحصون الحجرية الجميلة، والقرى التاريخية الشامخة هي في رأيهم هنا وفي رأيي كذلك، من أهم هذه العناصر التي ينبغي الالتفات اليها، وتسخيرها لخدمة هذا القطاع.
لكن حديثنا في هذا الجانب، امتد ليشمل الطبيعة، بما فيها من شلالات وبساط أخضر، هذا نجده في جبل الضال هنا فهو من المعالم المهمة اللافتة، الى جانب وادي أيان المنكفئ الى تهامة، والى صخور طبيعية لها سمت مميز، فغار «أبوخمين»؛ معروف، وما يحيط به من أشجار أثب معمرة، وبعضها منذ 400 سنة؛ منظر يدعو الى التأمل والتبصر.
جبال وأودية
في بلاد ربيع، من الجبال الشامخة ما يستحق الذكر، إنها من أعلى جبال سراة الطائف على الاطلاق، ومنها:
1- جبل الضال: يحاذي الجزء التهامي، ومن قمته يرى البحر الأحمر.
2- جبل الغراب: أخذ اسمه من سواد الغراب، مخروطي الشكل عجيب المنظر، فهو على شكل هرم، يتوسطه عرق صخري يمتد لمسافات بعيدة.
3- بياض: جبل أبيض كبير في تهامة.
4- ساق الغراب: من أشهر الجبال هنا.
5- أما أودية ربيع؛ فبعضها يسيل شمالاً، والبعض الآخر يصب في تهامة، ومنها:
1- اللصب: سيولة من جبال السروات، ويتجه نحو تهامة، حتى يصب في وادي الليث.
2- أَيَّان: يتجه نحو تهامة، ويصب في الليث.
3- المنقبة: سيولة في الفارعة في تهامة.
طبيعة حية
لك ان تسرح ببصرك في طبيعة خضراء جميلة على مد النظر فيها مرتفعات ومنخفضات متداخلة، لكن من المهم ان تعلم؛ ان ما يكسو هذه الجبال والسهول من أشجار ونباتات يغلب عليها السدر، والزيتون البري الذي يسمونه العتم، وكذلك الطلح، والعرعر، والشث، والطباق، والضرم.
ومن المهم كذلك، ان تشنف سمعك بأصوات للفهود، والحجل، واليعاقيب، والهداهد، والنغاري، والقماري والثعالب.
أما الذئاب فهي موجودة، والنمور، موجودة في أخبارهم، حيث شوهد نمر قبل سنوات وقتل.
ماذا يعملون..
ماذا يريدون..؟
سكان بلاد ربيع؛ يعملون بالزراعة والرعي والتنحيل، وكثير منهم في وظائف حكومية، وبلادهم تزرع الذرة والحنطة والشعير وفواكه مثل العنب والحماط ولقلة الأمطار وشح المياه تبدو الزراعة قليلة.
وفي قراهم اليوم، خمس مدارس للبنين والبنات و3 جوامع، ومركز صحي واحد.
لكن أهم ما يشغلهم اليوم، هو الطريق الذي يربطهم بالطائف، فهم يأملون في شقه وتزفيته من قرية جدارة حتى حمى رقية في تهامة، وطوله لا يتجاوز 30 كيلاً.
ويرى صويلح الربيعي، ان أسراً كثيرة، في حاجة الى خدمات الضمان الاجتماعي، والى تطوير المركز الصحي في الطفلان والى ايصال مياه الشرب من آبار وادي أيان.
وداع مع مهندس..!
في ختام هذه الرحلة الى بلاد ربيع؛ أدرت حواراً مع العم صويلح الربيعي، فهو معروف بالمهندس..! لكنه مهندس آبار ماء لا أكثر. يطلبه الناس هنا وهناك، فيذهب معهم، ويقف على أماكن يختارونها، فيقول لهم:
احفروا بئراً هنا. بعد 20 متراً؛ تجدوا الماء..!
أو يقول: لا فائدة من حفر بئر هنا. ابحثوا عن مكان آخر.. وهكذا..
وحول صنعته هذه، التي يشترك معه فيها آخرون معروفون حول الطائف، تنسج قصص وحكايات كثيرة، من مثل: ان أحدهم أراد خداعه، فدفن برميل ماء، وطلب منه هندسة بئر، فأخبره ان الماء الوحيد هو في البرميل..! وشخص آخر دفن كمية من النفط، فلم ينخدع بذلك.
سألته عن هذا وذاك. فمما قال:
1- لا أرى ماءً تحت الأرض. واستدل على الرواة؛ من لون عروق الجبل والأرض، ومسافة البئر تقاس بمسافة حبس الماء.
2- الصدفة تلعب دورها أحياناً.
3- الأودية، المنجلة؛ ضعيفة الحبوس.
4- توفيق الله سبحانه، هو في كل الحالات.
5- الناس يبالغون في رواياتهم في هذا الجانب.
كان هذا آخر المطاف في هذه الرحلة والى لقاء آخر.
| 
